28-مايو-2024
الصين

منطقة صناعية في الصين

كشف تحقيق لصحيفة العربي الجديد أن عشرات الآلاف من الأجنّة يموتون سنويًا في الصين، نتيجة للهواء الملوث.

وذكر التحقيق أن الصينيين يدفعون ثمن تحول بلادهم إلى مصنع للعالم، حيث تقتل جزيئات الكربون الأسود المنتشرة في الهواء الأجنة، بعدما تنتقل إليهم في بطون أمهاتهم، ما يسهم في مزيد من التدهور الديموغرافي للبلاد التي تعاني الشيخوخة وتبعاتها.

واستعرض التحقيق بعض الحالات من أمهات فقدن أجنّتهنّ، ومنهم الثلاثينية الصينية مي لينغ، والتي أجهضت جنينها وهي حامل بالشهر السادس، وبعد إجراء تحاليل متعددة، تبين أن سبب الإجهاض يعود إلى دخول جزيئات دقيقة من الكربون الأسود، عبر القصبة الهوائية للأم واختراقها جدار المشيمة، مما تسبب في اختناق الجنين وموته. حيث ينبعث الكربون الأسود من عوادم السيارات وأدخنة المصانع التي تعمل بالفحم.

وذكر التحقيق أن مي لينغ تعد واحدة من بين 122 امرأة فقدن أجنتهن للسبب ذاته في مشفى خبي التخصصي الحكومي، حسب قول الطبيب دا تشونغ، الذي تابع الحالات في مستشفى خبي التخصصي على الأطراف الشرقية لبكين، موضحًا أن 64 في المائة منهن فقدن الأجنة في الثلث الأول من الحمل في العام ذاته، لأسباب لها علاقة بتلوث الهواء في مقاطعة خبي، والقاسم المشترك بينهن دخول جزيئات من الكربون المركز (أول أكسيد الكربون) من الهواء إلى جدار الرحم.

وذكر التحقيق تأثيرات تعرّض الحوامل بصورة مستمرة للهواء الملوث على الدورة الدموية، لأن الجزيئات الدقيقة من الملوثات تدخل عبر الاستنشاق ولا تستقر في الرئة فحسب، بل تتسرب إلى مجرى الدم، وتضعف الأوعية الدموية لدى الأم وتقلص تدفق الدم عبر الحبل السري إلى الجنين، وتحرمه من كمية الأوكسجين والمواد المغذية التي يحتاجها ليبقى على قيد الحياة، بحسب الطبيب الصيني.

يدفع الصينيون ثمن تحول بلادهم إلى مصنع للعالم، حيث تقتل جزيئات الكربون الأسود المنتشرة في الهواء الأجنة، بعدما تنتقل إليهم في بطون أمهاتهم، ما يسهم في مزيد من التدهور الديموغرافي للبلاد التي تعاني الشيخوخة وتبعاتها

وأشار التحقيق إلى موت 64 ألف جنين سنويًا نتيجة للهواء الملوث في كل مقاطعات الصين، واستند بذلك إلى دراسة بعنوان "تقدير حالات الإملاص (ولادة طفل دون أن تظهر عليه علامات حياة) التي تعزى إلى الجسيمات الدقيقة" والتي أجرتها كلية العلوم والهندسة البيئية في جامعة بكين، ونشرت في شهر نوفمبر/تشرين الثاني عام 2022 في مجلة نيتشر كوميونيكيشنز، علمًا أن متوسط عدد المواليد الجدد في الصين يقارب 10 ملايين كل عام.

ونوه التحقيق إلى أن الصين تحتل المرتبة الرابعة بعد الهند وباكستان ونيجيريا، من حيث عدد حالات الإجهاض المرتبطة بتلوث الهواء، إذ تعد مقاطعة خبي واحدة من أكثر المناطق تلوثاً في البلاد، باعتبارها موطناً للصناعات الثقيلة التي تعتمد في إنتاجها على الوقود الأحفوري، وما زاد من معدلات التلوث بها، خطة إغلاق المصانع التي أعلنتها الصين في عام 2016 خلال اجتماع سنوي لقادة منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وشملت 2500 مصنع ملوث للهواء في بكين تم نقلها إلى خبي المجاورة، ضمن سعي السلطات إلى تخفيف معدلات التلوث في العاصمة وهو ما يعد أحد أجزاء مخطط السور الأخضر العظيم.

ولفت التحقيق إلا صعوبة مقاضاة الضحايا للجهات المسؤولة، حيث لا تقر التقارير الطبية بالأسباب المباشرة لموت الأجنة، وإنما تشير إلى عامل التلوث دون اعتباره سبباً رئيسياً للوفاة، ونقل عن محامية صينية: "تعد التقارير الطبية الخاصة بالإجهاض بمثابة وثيقة لوفاة الجنين دون الخوض في أسباب ذلك، وبالتالي لا يُعتبر التقرير الطبي في هذه الحالة حجة قانونية يمكن رفعها أمام المحاكم المختصة، فضلاً عن أنه لا يوجد طرف يمكن اختصامه، أي مثوله أمام المحاكم بصفته جانياً"، في هذه الحالات تُدرج الوفاة ضمن عمليات الإجهاض الطبيعية، لذلك لا يمكن، حسب قولها، رفع قضايا ولا للحصول على تعويضات من الدولة.

وبيّن التحقيق شعور الباحثين الصينيين بقلق شديد من ارتفاع معدلات التلوث، وتأثير ذلك على نسبة الخصوبة المتراجعة في البلاد، وما لذلك من تهديد للاستقرار الاجتماعي والديموغرافي، ونقل عن باحث صيني قوله واصفًا تلوث الهواء: "نتحدث عن خطر غير مرئي يمكن تسميته بالقاتل الصامت للأجنة".