13-يناير-2017

(Getty) هاياو ميازاكي متوجًا بذهبية مهرجان فينيسيا السينمائي

قبل انتهاء العام 2016 بقليل كان عالم السينما على موعد على مرور 15 سنة على إنتاج فيلم الأنيميشن الشهير "Spirited Away" للمخرج الياباني هاياو ميازاكي، وتمّ إعادة عرض هذا الفيلم في دور السينما الأمريكيّة في هذه المناسبة احتفالًا بالتأثير الهائل والدائم لهذا الفيلم على أفلام الأنيميشن في اليابان وفي العالم. وفي هذه المقالة المترجمة بتصرّف نستعرض جانبًا من هذا التأثير لنفهم تلك المكانة الكبيرة التي يتمتّع بها المخرج وفيلمه. 


ليس من المبالغة وصف هاياو ميازاكي بأنّه الأب الروحي للأنيميشن في اليابان، بل حتّى في العالم كما يرى البعض. فمنذ فيلمه الأول الذي أنتجه عام 1979 استمرّت بقيّة أفلامه الرقيقة والحالمة بتحقيق نجاحات كبيرة وشهرة واسعة حتّى صارت أيقونات ثقافيّة راسخة. بل إنّ فيلم "Spirited Away" مثلًا ما يزال الفيلم الأكثر إيراداتٍ في تاريخ الأفلام اليابانيّة، وصارت أفلامه معيارًا على الأفلام الأخرى، وهذا ما جعل الكثيرين يصفون ميازاكي وشركته التي أسست عام 1985 بأنّها الردّ اليابانيّ على والت ديزني، ولكنّ الحقيقة هي أنّ ميازاكي يثبت دومًا أنّه ينطلق من أصالةٍ راسخة وإبداع حقيقيّ. 

ليس من المبالغة وصف هاياو ميازاكي بأنّه الأب الروحي للأنيميشن في اليابان

اقرأ/ي أيضًا: كوروساوا... شكسبير السينما اليابانية (1- 5)

وأكثر ما يميّز أفلام ميازاكي هي قدرتها على عرض تفاصيل غنيّة وتفصيليّة في المشاهد، وحساسيتها في معالجة الثيمات الجدّية كالحرب وعلاقة الإنسان بالطبيعة والهويّة، وغيرها من المواضيع. وحول ذلك تقول العالمة المختصّة بالأنيميشن، هيلين مكارثي: "أفلام ميازاكي في غاية الجمال كما أنّها من الناحية العاطفيّة في غاية الصدق، ولذا فإنّ المشاهد أينما كان يتأثّر بها ويحبّ متابعتها، والأمر الثاني هي أنّ أفلامه تؤخذ على مستويات متعدّدة، فالأطفال يستمتعون بها، والمشاهدون الأكبر سنًّا يعثرون فيها على بعض المعاني التي يبحثون عنها. والأمر الثالث في أفلام ميازاكي هو أنّها أعمال فنّية فرديّة راقية". 

كانت بداية ميازاكي في عالم الأفلام في ستينات القرن الماضي، وكان مختصًّا برسم المشاهد في أفلام مخرجين آخرين. ولكنّ خطوته الأولى التي لفتت الأنظار نحوه كانت عام 1965 حين عبّر لمخرج أحد الأفلام التي كان يرسم لها أنّه غير مقتنع بنهاية الفيلم عن ظهور أميرة على هيئة روبوت، واقترح ميازاكي أن يتحوّل الروبوت في نهاية الفيلم إلى إنسان، ونال هذا الاقتراح إعجاب المنتجين. 

تقول الأستاذة سوزان نابير المختصّة بالأنيميشن الياباني: "لقد أضاف ميازاكي الجانب البشري إلى الأفلام التي تعتبر عادةً أفلام خيال فضائي، ومنذ تلك اللحظة رأى من حوله أنّ هذا الرجل مثير للاهتمام". ثم صعدت شهرته في عالم أفلام الأنيميشن ببراعته الفنّية واختياراته الإخراجيّة الدقيقة في الأفلام التي ينتجها، ثم حقّق أكبر نجاحاته في الثمانينات حتّى صعد إلى العالميّة في التسعينات حين بدأت أفلامه تنتشر عالميًا على نطاق أوسع. 

اضطرّ ميازاكي وهو طفل إلى مغادرة مدينته أوتسونوميا التي كانت تتعرّض للقصف أثناء الحرب العالميّة الثانية. وبعد الحرب كان ميازاكي شاهدًا على التحديث السريع والزحف العمرانيّ الحضريّ في كافّة أرجاء اليابان. وقد كانت هاتان التجربتان كفيلتين بترك أثر بعيد المدى على شخصيّة ميازاكي وأفلامه، إذ حرص فيها على نقل رسالة مناهضة للحروب والدعوة إلى الحفاظ على البيئة وحمايتها. كما يعرف عن ميازاكي اهتمامه بتسليط الضوء على شخصيّة الأنثى القويّة في أفلامه، وتقول الأستاذة نابير إنّ ذلك كان بتأثير أمّه والتي كانت تربطه بها علاقة وثيقة جدًّا. 

حرص ميازاكي على مناهضة للحروب والدعوة إلى الحفاظ على البيئة وحمايتها

وعلى الرغم من كون الأنيميشن الياباني مشهورًا بشخصيات الفتيات البطلات، إلا أنّ هذه الشخصيّات في أفلام ميازاكي لم تكن مفرطة في الطفوليّة كما لم تكن مادّة للاستهلاك أو الإثارة الجنسيّة.

اقرأ/ي أيضًا: فيلم "أهلًا بكم في هارتمان".. حرب على التنميط

وفي حين تعرف أفلام ميازاكي بثيماتها الصعبة أحيانًا، إلا أنّها في الوقت ذاته تتميّز بالبراءة والاحترام للمشاهدين من صغار السنّ. يقول ميازاكي في مقابلة معه عام 2002: "ما نحاول فعله أنا وأصدقائي منذ السبعينات هو محاولة تهدئة وتيرة الأمور نوعًا ما، وتجنّب إغراق الأطفال بالموادّ التي تسبّب الإزعاج والتشتيت. إننا نحاول أن نسير خطوة خطوة مع مشاعر الأطفال وأحاسيسهم أثناء صناعة أي فيلم... إن كنت حقًّا مهتمًّا بتحقيق المتعة والإبهار وإثارة المشاعر فإنّك لن تعتمد على العنف ولن تحتاج الكثير من الحركة و"الآكشن"، هذا هو مبدأنا". 

ويقول مايازاكي في مقابلة أخرى أجريت معه عام 2005: "أعتقد أنّ أرواح الأطفال هي الوريث للذاكرة التاريخيّة من الأجيال السابقة. وحين يكبرون ويرون واقع الحياة اليوميّ فإنّ هذه الذاكرة تغور شيئًا فشيئًا، وأنا أسعى لأن تصل أفلامي إلى ذلك المستوى العميق من الذاكرة، ولو تسنّى لي فعل ذلك فسأكون سعيدًا". 

اقرأ/ي أيضًا:

فيلم "مولانا".. دعاية أم هداية؟

3 أفلام خيالية.. العودة إلى سحر الحكاية