19-نوفمبر-2023
فلسطينيون يغادرون مدينة غزة

(Getty) فلسطينيون يغادرون مدينة غزة

واكب المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات مجريات الوضع في غزة سياسيًّا وعسكريًّا وقانونيًّا وأخلاقيًّا، من خلال عدد من الأوراق العلمية التي ناقشت زوايا متعددة في الواقع الراهن، منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر الماضي وحتى اللحظة.

أصدر المركز 10 أوراق تقدير موقف، و7 تقييم حالة، وورقة تحليل سياسات واحدة. وشكّلت هذه الأوراق في مجملها نظرات معمّقة نحو الحرب العدوانية الجارية على قطاع غزة وسكانه ومستقبل الحياة فيه، وذلك ضمن سياق تداعيات عملية "طوفان الأقصى" التي غيّرت مفاهيم الردع، وأنبأت عن دخولنا مرحلة جديدة من الصراع، كما أنها جاءت في ظل حكومة إسرائيلية هي الأكثر فاشية في تاريخ دولة الاحتلال، وفي ظل اقتراب اتفاق تطبيعي بين السعودية و"إسرائيل".

اخترنا الوقوف عند بعض تقديرات الموقف، وأهم النتائج التي خلصت إليها.


1- انهيار الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه غزة

أصابت عملية "طوفان الأقصى" أسطورة إسرائيل الأمنية والعسكرية والاستخبارية في مقتل، وفضحت هشاشة التحصينات والجدران التي أنشأتها لحماية نفسها وعزلها عن "الآخر" الفلسطيني المحاصر. وثمة فرضية أساسية لا تزال تتبناها إسرائيل، على الرغم من ثبوت فشلها المتكرر، وهي أنه في الإمكان الاستمرار في احتلال الأرض الفلسطينية من دون دفع الثمن وإجبار الشعب الفلسطيني على القبول بهذا الواقع. إن الحالة الهمجية والغرائزية المتخلفة التي تسود في إسرائيل، وارتكاب المزيد من العدوان والمجازر بحق الفلسطينيين، لن تُخضع الشعب الفلسطيني في غزة أو في أماكن تواجده الأخرى، ولن تكسر إرادته، وسيبقى يناضل من أجل نيل حريته من الاحتلال، حتى لو نجحت إسرائيل في إسقاط حكم حماس في غزة، وهو أمر مستبعد.

2- التداعيات على الاقتصاد الإسرائيلي

سيكون لعملية طوفان الأقصى ارتدادات عميقة على الاقتصاد الإسرائيلي؛ ليس بسبب التكلفة المالية المباشرة المرتبطة بتمويل العمليات العسكرية فحسب، بل أيضًا، وعلى نحو أكثر حدة، بسبب التأثيرات الممتدة والمتوالية التي ستجعل الاقتصاد الإسرائيلي يفقد توازنه فترةً من الوقت. لكن هذه التأثيرات وعمقها وامتدادها الزمني سيكون كله أكثر ارتهانًا بحالة عدم اليقين بعد الانهيار الكبير الذي تعرضت له المنظومة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر. وسيبقى وقع المفاجأة، والجرائم الوحشية التي اقترفتها إسرائيل في حق سكان قطاع غزة ردًّا عليها، من بين الهواجس الحاضرة في أذهان الإسرائيليين والمستثمرين والزائرين، وهو ما يعني أن الأزمة الاقتصادية ستكون أطول، وستكون أعمق أثرًا من أي وقت مضى.

3- الحرب الإسرائيلية على مدينة غزة: أهدافها ونتائجها المتوقعة

لا يستطيع الجيش الإسرائيلي تحديد المدة التي ستتطلبها الحرب التي يشنّها على مدينة غزة من أجل احتلالها ومحاولة القضاء على المقاومة الفلسطينية فيها، ولا الأثمان التي تترتب عليها. في جميع الأحوال، ستتأثر مجريات الحرب ونتيجتها بعدة متغيرات يأتي في مقدّمها قدرة المقاومة الفلسطينية على الصمود والدفاع عن المدينة، وقدرتها على تكبيد الجيش الإسرائيلي خسائر قد تُرغمه على القبول بوقف لإطلاق النار، وكذلك مدى تعرض إسرائيل لضغط إقليمي ودولي من أجل وقف عدوانها على غزة، وأيضًا إمكانية الضغط على إسرائيل عسكريًا في جبهتها الشمالية مع لبنان.

4- اتجاهات الرأي العام الإسرائيلي في ضوء الحرب على غزة ومستقبل حكومة نتنياهو

تشير استطلاعات الرأي العام الإسرائيلي، التي أُجريت منذ عملية طوفان الأقصى وبدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، إلى استمرار فقدان نتنياهو وائتلافه الحكومي ثقة الإسرائيليين، وإلى انخفاض شعبيته وشعبية حزب الليكود. وقد باتت الفرضية السائدة في الرأي العام الإسرائيلي، ونخبه المختلفة، أنّ مستقبل نتنياهو السياسي قد شارف على الانتهاء. ويشعر نتنياهو بخطر شديد (فهو لا يزال يحاكم في ثلاث قضايا فساد)؛ ليس فقط بسبب انخفاض شعبيته وشعبية حزبه وائتلافه الحكومي، بل أيضًا بسبب تراجع شعبيته بين أنصار حزب الليكود وناخبيه؛ فاستطلاعات الرأي العام تُظهر أنّ أكثر من ثلث ناخبي الحزب يريدون شخصًا آخر رئيسًا للحكومة بدلًا من نتنياهو، عند انتهاء الحرب.

وإذا ما أضفنا إلى ذلك ازدياد التململ الملحوظ في صفوف العديد من أعضاء الكنيست من حزب الليكود، وبعض وزرائه الذين ينقدونه ويطالبونه بتحمل مسؤولية الفشل، من خلال تسريبات عديدة في وسائل الإعلام الإسرائيلية. وفي ضوء الصراع الداخلي الذي يخوضه نتنياهو مع أعضاء حزبه من ناحية، ومع قادة المؤسسة العسكرية من ناحية أخرى، ربما يطول أمد الحرب على غزة؛ فإذا ما اضطرت إسرائيل إلى وقف الحرب، يرجح أن يوجّه وزير الأمن يوآف غالانت والمؤسسة العسكرية اتهامات لنتنياهو بأنه أوقف الحرب قبل أن تحقق أهدافها في القضاء على حماس وعلى حكمها في غزة. ومن الواضح أن البدائل المطروحة حاليًا تجمع بين المواقف القومية المتطرفة والعلمانية والنزعة العسكرية.

5- العدوان الإسرائيلي على غزة: هل من أفق زمني لانتهاء الحرب؟

لا تزال فرص إرغام إسرائيل على وقف حربها العدوانية على قطاع غزة ضعيفة. فالعوامل التي تدفع في اتجاه استمرارها تبدو أرجح في هذه المرحلة، خاصة في ظل الفشل في تحقيق أيٍّ من أهدافها حتى الآن. وسوف يُنظر إلى التراجع في هذه المرحلة باعتباره هزيمة جديدة لا تستطيع إسرائيل تحمّل نتائجها على مستوى هيبة الردع. إضافة إلى ذلك، يفيد استمرار الحرب قادة إسرائيل السياسيين والعسكريين على المستوى الشخصي، لأن ذلك يعزز موقفهم إذا ما حققوا بعض أهداف الحرب أمام لجان التحقيق التي ستشكّل لمحاسبة المسؤولين عن التقصير والفشل الذي حصل يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر. ومن غير موقف عربي أكثر قوة، وضغوط كبيرة على الإدارة الأميركية، فالأرجح أن تعمل إسرائيل وفق ساعتها الزمنية في حربها العدوانية ضد قطاع غزة.