26-مارس-2021

الصورة للكاتب

ما يثير غريزتي غير تلك الأشجار المعمرة التي تنتظرنا ونحن في طريقنا إلى ذاكرتنا القديمة "شحات"، تلك الجذور الضاربة في أعماق الجبل وكأنها تحتضن المدينة.

 

ولك أن تتخيل الإسفلت المجعّد، الخيول الثلاثة، الممرات السرية، والطرق، الطرق التي تؤدي إلى المنصورة، إلى سطية، وأخرى التي تعود بنا إلى باب الطير..

حيث العمارة تلتهم الريف، وحيث الريف يتمرد على المدينة، يغرس جذوره أسفل الطرق المعبدة... ويقشرها.

 

أذكر حينما سقطت شجرة الصنوبر، شعرت للوهلة الأولى أن شيئًا ما من جسد المدينة سقط، وأن المدينة تشكو بطريقتها الخاصة، فلا شيء يعجبها،

لا الناس ولا الطرق المعبدة،

ولا حتى أنابيب الصرف الصحي، التي تسري في جسد المدينة كشرايين وأوردة.

 

شجرة المدينة التي حاولت الوصول إلى الأعلى سقطت، هي فقط كانت تحاول الوصول في المكان الخطأ.

 

فالأشجار شاهدة على حماقاتنا، وسخافاتنا التي نحفرها في لحائها.

هي شاهدٌ على مأساتنا.

 

بعضها حين أنظر إليها تقول: "هنا كان يجلس عاشق منّي" وأنا حينها أفكر جديًا في قطع سائر أعضاء جسد المدينة، أفكر أن أحوّل سيقانها العارية إلى كربون، وأجعله يغزو طبقة الأوزون، حتى نصبح مدينة بدخانها وسمومها وتلوثها، نصبح مدينة بلا ذاكرة، فالمدينة ما لم تكن ملوثة ستصبح قرية وريف، ويصبح كافة الناس فلاحين يعيشون حالة الريف ولكن بطرق مختلفة، فالسيارة ستكون بديلًا للحمار، والتسكع في الشوارع بديلًا لصيد الليل، وخطف لحظة غرامية في أزقة الحي بديلاً لعناق شجرة الخروب، أو حتى غناوة علم تضرب في بطن الوادي.

 

ما يثير غريزتي، تلك الجذور التي تتمرد على الأسفلت وكأنها ترفض المدينة.

 

هامش:

المنصورة، سطية، باب الطير، أحياء سكنية قديمة وقرى تابعة لبلدية شحات - شرق ليبيا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الحصة ما قبل الأخيرة

منذ أن جئت إلى هذا العالم

دلالات: