12-يناير-2016

صورة لإحدى المظاهرات المصرية في عام 2011 (Getty)

دائمًا ما تكون الأحداث العظيمة في تاريخ الشعوب هي الكاشفة عن طبائع وخصائص الأمور وهكذا جاءت ثورة الخامس والعشرين من يناير لتظهر جوانب كثيرة من سمات المصريين التي لم تكن واضحة للعيان. تطورات هامة جعلت كثيرين يعتقدون أن المصريين قبل الخامس والعشرين من يناير ليسوا هم المصريون بعد الخامس والعشرين من يناير.

يقول أحمد عبد الله الطبيب النفسي إن المواطن خدع بالنصر المزيف وظن أن الحرية يمكن أن تكتسب دون وجود نزاع مع السلطة، لكن التغيير أعقد من ذلك

فالمشهد فى الثمانية عشر يومًا من الاعتصامات والأيام القليلة التي تلته كما يراه صفوان محمد أحد شباب يناير هو أن الشعب المصري شعر وكأن البلد ردت إليه وصارت ملكه، فبدأ يفكر بإيجابية في المبادرات حتى لو أتى ذلك في شكل مبادرات شديدة البساطة كتنظيف الشوارع ورصف الميادين وتنظيم إشارات المرور، وهو في ذلك مثله كبقية شعوب العالم الذين يأملون في صناعة المستقبل.

مصر التي تعاني من طبقية شديدة حيث يزداد الغني غنى ويزداد الفقير فقرًا وتتوه الطبقة الوسطى بينهما، اجتمع هؤلاء في ميدان واحد فأكلوا وشربوا من إناء واحد وناموا على أرض واحدة، فتجربة التعايش هذه كما يقول أحمد عبد الله الطبيب النفسي مكنت المصريين من إنشاء مجتمع حقيقي ولو لفترة قصيرة، ووجد المصريون أن هناك مشتركات كثيرة بينهم بعد أن كانوا جماعات متفرقة كالأقباط والإخوان واليسار وذاق المصريون طعم قوة الوحدة وقيمة تجاوز الإيديولوجيات والطبقات.

وعلى الرغم من روعة وبهاء هذه الملحمة الإنسانية إلا أنها كشفت أن هناك ضآلة فى الفهم والوعي بمتطلبات التغيير لدى المصريين كما يرى محب عبود أحد القيادات العمالية، ويضيف عليه أحمد عبد الله أن المواطن خدع بالنصر المزيف وظن أن الحرية يمكن أن تكتسب دون وجود نزاع مع السلطة، فالتغيير تركيبة أعقد من ذلك بكثير وهي تحتاج لفهم طبيعة التحدي من حيث تحليل القوى الكبرى ومعرفة الواقع.

لم يكن التغيير مقصورًا على الحالة النفسية التي عاشها المصريون طوال أيام الاعتصام، بل تعداه إلى تغييرات أكثر عمقًا في نظر أحمد عبد الله، حيث يقول إن الجرأة التي اكتسبتها الأجيال الجديدة فى التعبير عن الرأي على كافة المستويات السياسية والاجتماعية والدينية والأخلاقية مثل الجماعات التي تدعو للإلحاد والانتقادات الواضحة والجريئة التي تظهر على صفحات التواصل الاجتماعى أثبتت أن هناك أجيالًا باتت لا تخشى مما كانت تخشاه الأجيال الماضية.

وبينما نحن على وشك اقتراب الذكرى الخامسة لثورة الخامس والعشرين من يناير التي كان جل مطالبها مرتكزًا حول تغيير الواقع السياسي، ينظر المصريون إلى الحياة السياسية -كما يصفها صفوان محمد، الناشط السياسي- وكأنها ميتة إكلينيكيًا ولا أمل لديهم في أي تغيير قادم من وراء الانتخابات، فصوتهم لم يعد له قيمة وإحساسهم بوجودهم كمواطنين داخل الدولة غير موجود وبالتالي فإن أي فعل إيجابي من جانبهم لن يكون له صدى.

"لقمة العيش" هي إحدى شعارات الثورة ويراها البعض ثمنًا لإسكات حس المواطنين من أجل إخضاعهم وفي بعض الأوقات إذلالهم، إلا أن محب عبود يرى أن هذه المراهنة خاسرة، فلقمة العيش تجعل الناس لا تسكت إلا إذا رأت إنجازات حقيقية، فجميع المواطنين في كل دول العالم مشغولون بلقمة عيشهم وهذا ليس معناه أن الناس لا تهتم بمستقبلها.

التفكير الجماعي والإيمان بالمصلحة العامة مبادئ دعى إليها الكثيرون من المؤمنين بالتغيير ورغم ذلك فإن لسان حال اليوم كما يقول أحمد عبد الله هو "يللا نفسى" حيث يشعر الجميع بأنه "مدهوس" ويبدأ يفكر فى مصلحته الذاتية ومدخراته ويشعر بأنه مهزوم نفسيًا وليس له "ظهر" ويأتي بالمسؤولية على غيره.

اتضاح الأمور وظهور الحقائق هو أكثر شيء يستحق دفع الأثمان، هكذا يرى صفوان محمد المكسب اليوم، فسقوط الأقنعة عن النخبة المزيفة التي كانت تدعي الإيمان بالحرية والديمقراطية من جهة وسقوط القناع عن العسكر الذي زعم توفير الرخاء والسلام وحماية البلاد من جهة أخرى، أمور ستلعب دورًا هامًا في صناعة وعي المواطنين لاحقًا، ويضيف إليه أحمد عبد الله حيث أن فرصة الوعي أصبحت سانحة لمعرفة كيف تدار البلاد، وكيف تسير الأمور وكيف تعالج باستهتار من جانب المسؤولين بالإضافة إلى رؤية كل ما كان يدار فى الخفاء.

 الأمل هو السلاح الحقيقي للشعوب فى طريقها نحو حريتها، فيقول محب عبود إن حالة اليأس الموجودة لدى المصريين اليوم، ليست الحالة الدائمة، فمن ينظر إلى المحطات السابقة، يدرك حتمًا أن محطات قادمة ستأتي أفضل حاًلا، فما حدث في السنوات الخمس الماضية يشير إلى أنه لا مجال لاستمرار نفس الأوضاع القديمة.

اقرأ/ي أيضًا: 

تأييد الحكم على مبارك..تهدئة مبكرة ل"يناير"؟

مصر.. صلوات الصفحات الأولى في حرم آل سعود