30-أكتوبر-2015

لا تتقيد رسامتنا الصغيرة بنوع معين من المدارس

ما إن تدخل غرفة ملك الصغيرة حتى تتشتت نظراتك في جميع اللوحات المعلقة على الحائط، ما بين تلك اللوحة والأخرى التي بجانبها. وربما تعجبك لوحة، وتبدأ بالتعمق فيها وتنظر لغيرها فتزيد التعمق أكثر، فتشعر بمدى اختلاف لوحات كثيرة مما يرسمها الأطفال مع لوحات ملك. كل منها لوحة تحكي قضية.

ليست ملك الطفلة الوحيدة بهذا السن التي تبدع في مجال الرسم بإتقان كبير، لكن إحساسها يجعل منها شخصية فريدة عن غيرها من الفنانين الصغار، وهي تحمل روح طفلة ناضجة تملك حسًا مرهفًا على ترجمته عبر لوحات، ربما تستمر كلِ واحدة منها خمس ساعات لكن الإحساس يصل مع ألوانها.

هي ملك مطر. خمسة عشر عامًا. اكتشفت موهبتها كما يكتشف موهبته أي طفل مبدع خلال الأزمات الصعبة التي يعيشها الشعب الفلسطيني خلال العدوان الإسرائيلي عليه. لكن إحساسها هو من يحركها، ولا تتقيد في عمل شيء يطلبه منها أحد، إنما وحدها ترسم كل اللوحات خلال معاصرتها قضية تفكر فيها من جانب إنساني، ورغم أنها في أسرة استبعدت أن تكون ابنتهم فنانة ذات يوم. لكن خالها هو فنان تشكيلي، كانت تكتفي منذ طفولتها بالنظر للوحاته وتتعمق فيها، فأصبحت تملك نظرة في اللوحات الفنية، وتنظر لكلٍ منها وتفكر في معناها ولماذا رسمت وعمَّا تعبر، وتحظى لوحاتها بانتشار واسع عبر مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصًا عبر تناول ناشطين من دول غربية لوحتها في منشوراتهم.

بدأت ملك خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة برسم طفلة تعبر خلالها عن معاناتها في ظل العدوان وكيف تشعر وكيف تتأثر نفسيتها. وبعدها أصبحت تعتمد على أن توسع أملها خلال الرسم بشكل متعمق، وكانت أدواتها بسيطة، عبارة عن قلم ودفتر رسم وألوان عادية، وليست بالإمكانات الكبيرة، وبعد أن نضجت الموهبة وكيف تشكل لوحة فنية متكاملة التعبير بدأت تستخدم ألوان أخرى بمستوى أرفع وبكامل الأدوات التي يستخدمها الرسامون.

رسمت عن إيلان وعن أطفال فلسطين وعن نسائها

وتقول ملك: "رسوماتي أستخدمها وأنشرها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتلقيت تشجيع كبير من صديق أمريكي يبلغ من العمر سبعين عامًا، عمل رسامًا في السابق، وأخبرني أن الحس في رسوماتي مرهف، وفي المستقبل ستكون شيء كبير لأنها موهبة فكرية وتطورها من دون تلقين وتعليم".

ودفعت طفولتها لأن تأخذ حيز كبير في رسوماتها، ومع كل لوحة ترسم فيها طفلًا وتعبر عن قضيته، تحاول أن تضع نفسها مكان الأطفال المظلومين الذين فقدوا منازلهم وآباءهم وأعضاء من أجسادهم، لأن توصل فكرة الطفل الذي يملك شيء يتحدث فيه لكنه لا يملك الفرصة.

ومن خلال الصورة تحاول إيصال الإحساس أكثر من ألوانها، وكانت تلك إحدى اللوحات، لوحة الطفل إيلان الكردي الذي هزت صورته العالم، فأحبت ملك أن تحاكي لوحته التي ترسمها قصة عنه في مخيلتها، وعبرت خلالها الصورة أن هذا الطفل لو لم يكن مهاجر، لكان يملك الأحلام، ويريد أن يلعب ويصبح طبيبًا كما يحلم غالبية الأطفال في سنه. حاولت أن تحييه كما لو لم يكن إيلان ميتًا.

اقرأ/ي أيضًا: حسن.. ابن الأسير والحرية

بطبيعة الحال، لا تتقيد رسامتنا الصغيرة بنوع معين أو حتى مدارس فنية معينة، فأكثر ما تعتمد عليه أن ترسم بكل عفوية وكل شيء تحبه، وأن تعاصر كل حدث إنساني يعاصر حياتنا اليومية، وتعبير عن موقف خلال نظرتها له. وفي ظل انشغال العالم عن مجاعة الصومال، رسمت أناملها الصغيرة مجاعة الصومال، ورسمت فيها هياكل عظمية، وأطفال ضعاف يلتقطون الخبز.

وأضافت ملك للوحاتها عن المرأة الفلسطينية، فرسمت لوحة الأم الفلسطينية، عبرت من خلالها أن المرأة في فلسطين هي نصف المجتمع، وهي من تتحمل أعباء عائلتها، ومن تلد الأبناء الذين يستشهدون لأجل الوطن، وأن ابنها مات لوطنه، وفكرة وضعتها تلك التي تضحي وتعطي من احتياجها لأولادها ليتعلموا ويتمتعوا بحياة آمنة. وأيضًا لوحة شبه الأم، وكيف تشبه البنت أمها بكل التفاصيل، وأن الأم تحتوي بناتها، ودائمًا الأقرب للإنسان.

مشكلة انقطاع كهرباء غزة حاضرة في لوحاتها

وبالطبع تلك الموهبة التي تملك الإحساس لن تترك أكبر المشاكل التي يعاني منها المجتمع الغزي ولا تعبر لوحاتها عنها. فكانت مشكلة انقطاع كهرباء غزة حاضرة في لوحتها، وعبرت فيها مدى مساس مشكلة انقطاعها كافة فئات المجتمع. ومع تلك اللوحات تحظى ملك بكل احترام من طرف الفنانين الكبار: "كل من الفنانين في غزة له أسلوبه، وكيف يترجم كلٌ إحساسه بأسلوبه الخاص، لكن في نفس الوقت يتعاملون معي أنني لي مستقبل كونهم اتفقوا بملك لإحساس كبير في كل لوحة"، تقول ببراءة.

تحلم ملك اليوم بأن ينمو إحساسها بالمكان، لديها حلم بعيد المدى على صعيد الشرق الأوسط، بأن تمثل صوتًا للمظلومين في تلك المنطقة. بالرسم، تريد أن تدافع عن من لا يعرف أن يدافع عن حقوقه، وتكون قريبة إلى كل من يحتاج المساعدة، بلوحة.

اقرأ/ي أيضًا: ساري.. الراب ضدًّ الحصار