27-أبريل-2020

الروائي محمد عيسى المؤدّب

ألترا صوت – فريق التحرير

يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.


محمد عيسى المؤدّب روائي من تونس. من أعماله في القصة القصيرة: "عرس النّار" و"أيّة إمرأة أكون". أما في الرواية فله: "في المعتقل"، و"جهاد ناعم"، و"حمّام الذّهب". كما صدر له كتاب نقدي بعنوان "نصوص منسيّة في الأدب التونسي الحديث".


  • ما الذي جاء بك إلى عالم الكتب؟

لم أعرف الكتب إلى حدود السّادسة ابتدائي، ثمّ أدمنت على الجرائد القديمة التي كان يأتي بها أخي من تونس العاصمة لأكتشف الملاحق الثقافيّة، وأكتشف العالم. في الرّيف، بلدة صاحب الجبل، لم نكن نعرف غير كتب المدرسة أو بعض الصّور الكبيرة الملّونة، تصاحبها قصص ممتعة كنّا نقرؤها بكثير من الدّهشة.

اكتشفتُ الكتب بعد ذلك في المعهد، بالهواريّة وقليبية، وأدمنتُ على المطالعة، كنت أقرأ لجبران والمنفلوطي ونجيب محفوظ ثمّ اكتشفتُ المسعدي.

غير أنّ علاقتي الحميمة بالكتاب انطلقت أيام سفري إلى تونس عبر مغامرات السفرات المجانيّة (الأوتو ستوب) لاقتناء الكتب القديمة بنهج الدباغين ونهج زرقون، نهج زرقون بشكل خاص، كانت لي مساحة اختيار كبيرة وبأسعار زهيدة. شُغفت بالقصص والروايات العربيّة والعالميّة ومن تلك المغامرات أدمنتُ عالم الكتب، عرفتُ تشيخوف، إدغار آلان بو، أبير كامو، بلزاك ثمّ إحسان عبد القدوس وحنّا مينه وغيرهم.

  • ما هو الكتاب، أو الكتب، الأكثر تأثيرًا في حياتك؟

ثلاثة كتب، الأوّل كتاب "حدّث أبو هريرة قال"، استوقفتني لغته أوّلًا، ثمّ أفكاره الفلسفيّة الوجوديّة، زلزلني أبو هريرة في سنة البكالوريا، حتّى إنّي كتبتُ نصًّا نقديًّا عن الكتاب وناقشتُ المسعدي في بعض ما طرحه من أفكار، متعلّقة أساسًا بالوجود والعدم. جرّبتُ أيضًا كتابة قصص قصيرة على ذاك النّمط، لغةً ومضامين، ثمّ تبيّن لي سذاجة ما كتبتُ من نصوص ولم أرتح لما كتبته بلغة مكثّفة وقديمة. ثمّ عرفتُ أنّ علاقتي بكتاب "حدّث أبو هريرة قال" ينبغي أن تتوقّف عند حدود الانبهار.

رواية "الياطر" كانت اكتشافًا آخر، لما وفّرته من عوالم سحريّة تداخلت فيها الجريمة مع الحبّ مع الحلم في فضاء البحر، البحر في تداعياته النفسيّة والفكريّة والحضاريّة. برأيي قيمة الرّواية ليست في فنيّتها فقط وإنّما في قدرتها على اختزال الإنسان وتشظّيه بين الواقع والحلم.

 أمّا الرّواية الثالثة فهي "الأمّ" لمكسيم غوركي، الرّواية محمّلة بمناخات ثوريّة وإنسانيّة، نجحت في تسريد الألم المشترك بشكل خاصّ بين الأمّ والابن، ونقل مأساة الفقراء والعمّال والمضطهدين بشكل عام.

  • من هو كاتبك المفضل، ولماذا أصبح كذلك؟

بلا تردّد هو حنّا مينه، هذا الرّوائي بسيط، مكافح، بحار، ثوري منتصر للكادحين، للإنسانية، والمهمّ قدرته على عجن لغة روائيّة خاصّة، ليست لغة المعجم الجامدة، هي لغة الحياة اليوميّة والبحر والتمرّد والفوضى والعشق والحلال والحرام والقلق والكفر اللّغوي. عوالم حنّا مينه مع كلّ رواية عوالم مشوّقة ومستكشفة وقلقة وغير مطمئنّة لشكل واحد. أحبّ عوالم حنّا مينه لجنونه الفنّي ولإنطاقه البحر الذي تحوّل معه إلى عالم ذي رموز ودلالات قلّ حضورها في الأدب العربي.

  • هل تكتب ملاحظات أو ملخصات لما تقرأه عادة؟

تلك عادتي منذ دراستي الثانويّة، ويكون ذلك في شكل جذاذة، تتناول الشخصيّات، القضايا، والاستنتاجات العامّة. عندما أتوقّف عن قراءة كتاب لم يرق لي فنيًّا أو دلاليًّا أغلق الكتاب ثمّ بعد ذلك أمزّق الجذاذة.

  • هل تغيّرت علاقتك مع الكتب بعد دخول الكتاب الإلكتروني؟

أكيد نعم، بالإضافة إلى حميميّة الورق هناك واقع اسمه الكتاب الإلكتروني الذي يمكّنني من الوصول إلى أسماء جديدة لا تصل إلى المكتبات أو المعارض، بالإضافة إلى الاطّلاع على آخر الإصدارات. في هذا السّياق أشكر الكثير من الأصدقاء في المغرب والمشرق وأوروبا على تمكني من مجموعات مهمّة من الكتب الحديثة. بالفعل، لا بدّ من مواكبة الجديد دون تهميش الورقي طبعًا، لأنّه بصراحة لا يُعوّض، الأوراق تجعلني مطمئنًّا ومجنّحًا أيضًا، لكن، ماذا نفعل لقيمة أخرى يتميّز بها الإلكتروني وخاصّة الرّوايات؟ في المقابل أتحرّى كثيرًا قبل قراءة الكتب المترجمة، الترجمة الآن أصبحت مهزلة كبرى، أو فضيحة تحت مظلّة مثقوبة اسمها تهريب الأدب العالمي إلى القارئ العربي، إنّه سلخ وجلد لا أكثر.

  • حدّثنا عن مكتبتك؟

الكنز الذي يسعدني في البيت هو المكتبة، وانطلقتُ في تأثيثها منذ كنتُ تلميذًا، رحلة طويلة معها ومع كلّ عنوان في الأديان والتّاريخ والفلسفة والآداب وخاصّة القصة القصيرة والرواية.

المكتبة في بيتي بلغت الآن قرابة 2000 عنوان وأنا سعيد من أجل ذلك، وفي الواقع، أتعامل معها كمدينة ضاجّة ومجنونة وهذا مهمّ لمحاورة شخصيّات لا تنام.

  • ما الكتاب الذي تقرأه في الوقت الحالي؟

أقرأ رواية "شيطان أبد الدّهر" للكاتب دونالد رَيْ بولوك، ترجمة مهدي سليمان عن دار مسكيلياني، عوالم بولوك مذهلة بحقّ.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مكتبة آدم فتحي

مكتبة جمال الجلاصي