30-نوفمبر-2020

الشاعرة أماني أبو صبح

ألترا صوت – فريق التحرير

يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.


أماني أبو صبح شاعرة من فلسطين، مقيمة في الضفة الغربية المحتلة. درست في جامعة بير زيت ونالت شهادة البكالوريوس في مجال علم النفس والتربية وشهادة الماجستير في مجال علم النفس المجتمعي، كما نالت شهادة ماجستير أخرى في مجال تنمية المؤسسات من جامعة سانت إدوارد في ولاية تكساس الأمريكية.


  • ما الذي جاء بكِ إلى عالم الكتب؟

أعتقد أن هذا العالم من أجمل العوالم التي "سحبت قدمي" والذي أستعذب الغرق فيه. أول علاقتي بعالم الكتب، خارج نطاق المقررات المدرسية، كان في الصف التاسع. درست في مدارس وكالة الغوث (الأونروا). في مراحل المدرسة الأولى ولغاية الصف الثامن الأساسي كنت أدرس في مدرسة للأونروا في قرية مجاورة. عندما وصلت الصف التاسع، بُنيت مدرسة في قريتي، والتي درست فيها الصف التاسع الأساسي: وهو الصف الأخير في مدرسة وكالة الغوث. وبالطبع، كان فيها مكتبة. اختارتني معلمة اللغة العربية مع مجموعة من الطالبات لأكون ضمن لجنة أمينات المكتبة. منذ ذلك اليوم، غرقت في عالم الكتب؛ حيث كنت أقضي أغلب أوقات الفراغ بين الكتب. وهناك قرأت الكثير من الكتب ضمن موضوعات مختلفة، كان أبرزها المواضيع ذات العلاقة بعلم النفس. وقد ساعدت تلك المرحلة على بلورة وتشكيل توجهي واهتمامي نحو تخصصي المهني، حيث درست علم النفس. وقد كان لمجموعة الكتب التي اطلعت عليها الأثر الكبير في تحديد ما سيكون عليه مستقبلي المهني.

  • ما هو الكتاب، أو الكتب، الأكثر تأثيرًا في حياتكِ؟

أعتقد أن هذا السؤال فضفاض جدًا، ولا إجابة محددة له. فكل مرحلة عمرية بقراءاتها لها تأثير مختلف على القارئ، كما أن وعي الشخص، والذي يختلف باختلاف نضجه وتجاربه، يلعب دروًا في الإجابة على هكذا سؤال. على سبيل المثال، قرأت رواية مزرعة الحيوان لجورج أورويل في الثانوية العامة كمقرر دراسي. في تلك الفترة لم أكن بالنضج والوعي الكافيين لأفهم أبعاد هذه الرواية، لكن عندما قرأتها هذا العام فهمتها أكثر. وبالتالي، كان تأثيرها علي مختلفًا.

لكن بالمجمل، أنا أميل للأدب السوداوي والقاسي نوعًا ما. الأدب الذي يكسر قلبي وتتكفل قراءات أخرى بترميمه. فأنا أتفق مع ما يقوله كافكا حول نوعية الأدب الذي علينا قراءته. حيث يقول: "إذا كان الكتاب الذي نقرأه لا يوقظنا بخبطة على جمجمتنا، فلماذا نقرأ الكتاب إذًا؟ كي يجعلنا سعداء كما كتبت؟ يا إلهي، كنا سنصبح سعداء حتى لو لم تكن عندنا كتب، والكتب التي تجعلنا سعداء يمكن عند الحاجة أن نكتبها، إننا نحتاج إلى تلك الكتب التي تنزل علينا كالصاعقة التي تؤلمنا، كموت من نحبه أكثر مما نحب أنفسنا، التي تجعلنا نشعر وكأننا قد طردنا إلى الغابات بعيدًا عن الناس، مثل الانتحار. على الكتاب أن يكون كالفأس التي تحطم البحر المتجمد في داخلنا، هذا ما أظنه".   

إضافة لذلك، هناك عدد من الكتب التي فعلًا تركت أثرها علي، وأنا متيقنة بأن هكذا أثر لن يزول. قرأت في عام 2019، رواية "كريسماس في مكة" لأحمد خيري العمري. كانت هذه الرواية من أكثر الكتب تأثيرًا علي، والتي تتناول موضوع التفجيرات في العراق والقتل على خلفية المذهب. هذه الرواية كانت قاسية جدًا وشرسة، وفي كل مرة تتاح لي الفرصة للحديث عنها، لا أستطيع مسك دموعي، كانت من القسوة بحيث شعرت بقلبي يتفتفت وأنا أقرؤها. من بين جملة المشاهد الصعبة والقاسية، هناك مشهد حفر في قلبي لغاية اللحظة ولا أزال أشعر بالهواء وهو يغادر صدري عندما دخل سعد ومريم وميادة على والد عمر وهو يبحث عن عيني عمر في حقائب السفر.. عيني عمر التي اقتلعها من محجريهما من قتلوه.. عندما وصلت لهذا الجزء من الرواية، كان الوقت منتصف الليل. حيث إنني لم أستطع النوم فقررت مواصلة القراءة. بعد قراءتي لهذا الجزء من الرواية، بكيث لحوالي نصف ساعة. وعندما تمكنت أخيرًا من النوم، ظل هذا المشهد في رأسي. عندما استيقظت، شعرت أن قلبي لم يكن في صدري.. كانت هذه الرواية من أصعب ما قرأت.

الرواية الأخرى التي أثرت بي، والتي يمكن القول أيضًا أنها هزت إدراكي، كانت رواية 1984 للكاتب جورج أورويل. قرأت هذا العمل بناء على توصية من أحد أصدقائي في العام 2014. لم يكن طبيعيًا ما تسبب به هذا العمل لي. لمدة أسبوع كامل، كل ليلة كنت أرى نفس الكابوس بأنه تم اعتقالي، وأن المحققين غيروا اسمي. كانوا يقولون لي بأن اسمي اسم آخر غير أماني، وكنت أقاوم تلك الفكرة. لكن بمرحلة معينة، كنت أوشك على قول الاسم الذي أعطوني إياه وأنسبه لنفسي، وهناك كنت أشعر قمة الصراع داخلي، فأستيقظ وأنا أصارع هذه الفكرة وأصرخ. لأسبوع كامل، شعرت بأن دماغي سينفجر لشدة ما كان لهذا الكابوس من أثر على إدراكي وحالتي النفسية.

لكني، لست من نوع القراء الذين يتوبون، فلا زال هذا الأدب هو المفضل لدي.

  • من هو كاتبكِ المفضل، ولماذا أصبح كذلك؟

يا إلهي، هذا السؤال أيضًا واسع ويحمل تأويلات كثيرة. في بعض الأحيان، إذا ما سُئلت هذا السؤال قد يخطر ببالي كاتب معين لأنني كنت قد قرأت له عملًا شدني وترك أثرًا داخلي، وربما لا يخطر ذات الكاتب ببالي إذا ما سُئلت في موقف آخر. أعتقد أن تحديد من هو الكاتب المفضل يعتمد على العمل الذي نقرأه والحالة الشعورية التي يضعنا فيها العمل. لكن هناك كاتبان، لا يخضعان لهذه الحالة الراهنة، بالنسبة لي وأعتبرهما من كتابي المفضلين. الكاتب اللبناني إلياس خوري. هذا الكاتب جميل جميل لدرجة كبيرة. فمن خلال أعماله تعلمت عن تاريخ فلسطين وتاريخ التطهير العرقي من مجازر وعمليات الترحيل والتهجير القسري الذي جرى للفلسطينيين ما لم أتعلمه في مناهجنا الدراسية.. كما أنني أميل جدا لقراءة الأعمال الأدبية التي تتناول التاريخ بسياق روائي جميل ومشوق.. في بعض الأحيان قد تكون قراءة الكتب التاريخية مملة، لكن أن تقرأ التاريخ بإطار روائي أنيق، هذا أجده طريقة مشوقة وذكية وترسخ العمل في ذهن القارىء أكثر، والكاتب إلياس خوري يمتلك زمام هذه الطريقة، لذلك فأنا أحب جدًا أن أقرأ له. كما أنه كاتب يتقن حرفيًا كيف يجعل القارئ يقرأ أعماله وكأنه جالس على عش دبابير. عرفت هذا الشعور جيدًا وأنا أقرأ روايته "أولاد الغيتو.. اسمي آدم". تفاصيل هذا العمل والطريقة التي قدمها بها إلياس خوري خلقت هذا الشعور داخلي وأنا أقرأ تفاصيل المجازر والتهجير للفلسطينيين.

أما الكاتب الآخر، فهو الكاتب الروسي دوستوفيسكي. فأنا أعتبر دوستوفيسكي من رواد الرواية النفسية التي تسبر أغوار وأعماق النفس البشرية وخلجاتها. عند القراءة لدوستوفيسكي، أشعر أنني في ماراثون قراءة؛ هذا الكاتب لا يعطيني مجالًا لأتنفس وأنا أقرأ أعماله.. أعشق الطريقة المحمومة التي يكتب بها والتي يضعني بها كقارئة.

  • هل تكتبين ملاحظات أو ملخصات لما تقرئينه عادة؟

عادة أكتب انطباعاتي عن بعض الأعمال التي أقرؤها. علي القول أنني أكتب عن الأعمال التي تدهشني كثيرًا والأعمال التي تخيب طني كثيرًا على موقع غودريدز. لا أتعرض كثيرًا في مراجعاتي لمحتوى العمل؛ هذا أتركه لغيري من القراء لاكتشاف ذلك. أركز في مراجعاتي على أسلوب الكاتب والحالة الشعورية التي وضعني فيها العمل؛ حيث لا أحيّد شعوري في تقييمي للعمل لأنني أعتبر الأثر والشعور الذي يتركه العمل على القارئ مهمًا جدًا ولا يجوز تحييده. وبالمناسبة، كانت رواية كريسماس في مكة لأحمد خيري العمري، هي الكتاب الأول الذي أكتب عنه مراجعة في موقع غودريدز، فكما ذكرت سابقًا، كان هذا عملًا شاقًا علي فكان لا بد أن أريح كتف قلبي من ثقله بالكتابة عنه.

  • هل تغيّرت علاقتك مع الكتب بعد دخول الكتاب الإلكتروني؟

نعم، تغيرت كثيرًا. وقد شعرت بهذا التغيير لأول مرة العام الماضي عندما قرأت العمل الروائي الأول لصديق، كان كتاب هذا الصديق هو الكتاب الورقي الثاني ربما الذي قرأته بعد سبع سنوات مع القراءة الإلكترونية.. قد لا يبدو هذا الأمر في البداية بالشيء الكبير لكنني شعرت به خلال عملية القراءة.. كان السبب الرئيسي في بداية قراءتي للكتب الإلكترونية أنني كنت أعيش في أمريكا حيث لم يتوفر لدي الكثير من الكتب الورقية باللغة العربية، الأمر الذي جعلني أتجه لقراءة الكتب الإلكترونية.. ولكن كيف أثّر هذا على قراءتي رواية صديقي؟ حسنًا، يمكنني القول إنني واجهت صعوبة في التعامل مع الورق وتقليب الصفحات وكان جزء من تركيزي يتشتت خلال هذه العملية البسيطة والتي ليس من المفروض أن تشكل عائقًا أو حتى أن تذكر.. لكنها كانت سببًا في أن الرواية أخذت مني وقتًا أطول لقراءتها من المعتاد وكأن الدماغ تم برمجته للقراءة بطريقة مختلفة عند قراءة الإلكتروني منه عند قراءة الورقي. لا أزال أحب الكتب الورقية وأعشق شكل المكتبات المكتظة بها، لكني أجد الكتب الإلكترونية أسهل للقراءة وتجعلني في حالة تركيز أكبر منها عند قراءة الكتب الورقية.

  • حدّثينا عن مكتبتك؟

لا أدري إذا كانت مجموعة الكتب وهي حوالي "المئة كتاب ورقي" والموضوعة في داخل حقيبة للسفر تعتبر مكتبة. حيث أن هذه المجموعة من الكتب الورقية لا تزال غير موضوعة على أي رف لأنني لا أدري أين ستأخذني السبل. كما أن لديًّ هذا التخوف من أنني قد أبني مكتبتي وأضطر لتركها في مكان قد لا أرجع إليه؛ حيث إن علاقتي بالكتب التي أملك قوية جدًا. فأنا لا أعير كتبي لأي شخص كان بتاتًا. وعندما عدت لفلسطين من أمريكا، قمت بتوزيع أكثر من نصف ملابسي في مقابل أن أحضر كتبي التي كانت معي هناك. فأنا لا أترك كتابًا لي خلفي. وكما ذكرت سابقًا، فأنا حاليًا أقرأ الكتب الإلكترونية، وأحتفظ بنسخ منها على جهاز اللابتوب خاصتي. فمكتبتي هي المئة كتاب ورقي في حقيبة السفر وملفات الكتب الإلكترونية على جهازي اللابتوب.

  • ما الكتاب الذي تقرئينه في الوقت الحالي؟

أقرأ حاليًا مجموعة قصصية بعنوان "ترجمان الأوجاع" لجومبا لاهيري. تعرفت لهذه المجموعة القصصية من خلال جملة من المراجعات التي أشادت بالعمل على منصة غودريز (والذي بالمناسبة أعده واحد من المصادر التي أتعرف من خلالها على عناوين كتب جديدة).

 

اقرأ/ي أيضًا:

مكتبة علاء الدين شهاب

مكتبة أماني فوزي حبشي