يخصّص "ألترا صوت" هذه المساحة الأسبوعيّة، كلَّ إثنين، للعلاقة الشخصية مع الكتب والقراءة، لكونها تمضي بصاحبها إلى تشكيل تاريخٍ سريّ وسيرة رديفة، توازي في تأثيرها تجارب الحياة أو تتفوّق عليها. كتّاب وصحافيون وفنّانون يتناوبون في الحديث عن عالمٍ شديد الحميميّة، أبجديتُهُ الورق، ولغته الخيال.
أسماء بوزيد كاتبة ومدونة من الجزائر. تدرس اللغات والأب الإنجليزي. صدر لها مجموعة قصصية بعنوان "حلم بعيد". تقيم في فرنسا.
- ما الذي جاء بك إلى عالم الكتب؟
بدأت رحلتي مع الكتب قبل أن أتعلّم القراءة. كانت أمي تقرأ لي قصة جديدة كل يوم، مما جعل الكتاب من الأشياء المألوفة لدي. في البداية كانت تجذبني الرسوم وملمس الورق الأملس لقصص الأطفال، ثم تحوّل اهتمامي بسرعة إلى تلك المخلوقات السوداء الصغيرة التي كانت تصاحبها، مع أنني لم أكن أفهم ماهيتها ولا أعرف كيف أفك شيفرتها. لطالما رأيت الكتب مثل نوافذ تنقلني إلى عوالم عديدة لا أعرف عنها شيئًا، لكنني كنت أمكث فيها بضع دقائق أو ساعات تمكنني من السفر كلما قررت ذلك وبحركة واحدة من يدي التي تفتح الكتاب بعناية وحذر خوفًا من تمزيقه. كبرت وأنا أمضي ساعات وسط كتب أبي الكثيرة والمتنوعة، إلى جانب كتب علم النفس باللغة العربية كنت أحاول القراءة باللغة الفرنسية والإنجليزية مع أنني لم أكن أفهم شيئًا. ما زلت أتذكر رائحة ولون صفحات الكتب القديمة التي كان يتركها بين يدي بكل فخر. اكتشفت بعدها المكتبة العمومية التي بدأت أقضي فيها ساعات طويلة بعد المدرسة وأصبحت القارئة المدللة لأمينتها التي صارت شيئا فشيئا تسمح لي بالدخول والتجول بين الرفوف وانتقاء الكتب بنفسي مع أن ذلك كان ممنوعًا. لا يمكنني وصف الإحساس الذي كان يغمرني في بلاد العجائب والخيال تلك.
- ما هو الكتاب، أو الكتب، الأكثر تأثيرًا في حياتك؟
جميع الكتب التي قرأتها في طفولتي ومراهقتي، وتلك التي أقرؤها الآن لديها تأثير علي. لكن الكتب التي أشعر أنها فعلًا أعطت مفعولًا هي الكتب التي تتحدى قناعاتي الراسخة وتجعلني أنظر إلى الأمور والأشخاص بشكل مختلف أكثر تسامحًا وتفهمًا. هي الكتب التي تجعلني أحس أنني صرت إنسانة أقوى وأحسن مما كنت عليه. معظمها كتبتها نساء مثل فيرجينيا وولف، ربيعة جلطي، سعاد لعبيز، أنجيلا دافيس وغيرهن. لكن لدي كتب أعتبرها مثل بطانية الأمان التي لا يتعلق بها الأطفال. رواية "ذاكرة الجسد" لأحلام مستغانمي أعادتني إلى القراءة بعد انقطاع دام سنة عدما كنت في الثانوية. ومنذ ذلك الحين أعود إليها كلما شعرت بالغربة.
- من هو كاتبك المفضل، ولماذا أصبح كذلك؟
ليس لدي كاتب مفضل واحد. أنا دائمًا أمضي فترة كبيرة من حياتي رفقة كتاب أعجبت بأعمالهم، فلا يهدأ لي بال إلا بعد انتهائي من قراءة جميع أعمالهم. فقد قضيت وقتًا كبيرًا رفقة توفيق الحكيم في فترة مراهقتي، والطاهر وطار الذي كان أبي ينصحني بقراءة أعماله. واصلت الدرب مع واسيني الأعرج وأحلام مستغانمي ونوال السعداوي. أما صاحبي في هذه الفترة هو الكاتب البريطاني لورانس داريل الذي وقعت في حب أعماله فقررت أن تكون مذكرة تخرجي عن كتب رحلاته.
- هل تكتبين ملاحظات أو ملخصات لما تقرئينه عادة؟
في البداية كنت أقرأ من أجل المتعة، ثم تحولت القراءة إلى ما يشابه الماء أو الهواء في حياتي. صرت أتعمق شيئًا فشيئًا في الكتب وبحكم دراستي وعملي بدأت أكتب ملاحظات بشكل تلقائي. أحيانًا لا أعود إلى قراءة تلك الملاحظات لكنني أحس بالأمان لمجرد معرفة أنها هنا في واحد من دفاتري. الملاحظات التي أكتبها تدفعني للبحث والتعمق أكثر فيما أقرأ وتجعل قراءاتي أكثر إفادة.
- هل تغيّرت علاقتك مع الكتب بعد دخول الكتاب الإلكتروني؟
كنت رافضة تمامًا للكتاب الإلكتروني ومتعصبة للكتاب الورقي، لكنني استسلمت للكتاب الإلكتروني بعدما أدركت أنني أحتاجه بشدة لقراءة الكتب باللغة العربية في فرنسا، خاصة أن المكتبات المتخصصة في اللغات الأجنبية لا تملك الكثير من الخيارات باللغة العربية. في انتظار أن تبعث لي صديقتي بالكتب من الجزائر، أتصالح مع الكتاب الإلكتروني الذي أصبحت أستعمله أيضًا حين أضطر للسفر أو التنقل دون عدد كبير من الكتب. مع ذلك يظل الكتاب الورقي هو المحبب إلى قلبي.
- حدّثينا عن مكتبتك؟
تحتوي مكتبتي على كتب باللغات العربية، الفرنسية، الإنجليزية وبعض الكتب باللغة الإسبانية. في البداية نظمت رفوفها حسب اللغة والاختصاص، ثم تخليت عن فكرة التنظيم بعد أن ازداد عدد الكتب ولم تعد الرفوف تسعها، ليتحول بيتي بأكمله إلى مكتبة. أحب القراءة في جميع المجالات، فمكتبتي تحتضن أعمال رضوى عاشور، كما تحتضن أيضا أعمال سيمون دوبوفوار وكونديرا ونوح هراري. أحب فكرة أن تكون لي كتب في جميع المجالات لكي أقرأ ما أشاء حسب رغبتي وحالتي النفسية. لكن بعض أصدقائي والمقربين مني يقولون إنني أملك الكثير من الكتب التي تتحدث عن معاناة النساء ونضالاتهن. بالفعل العديد من هذه الكتب ساهمت في تكوين شخصيتي ونظرتي إلى القضايا النسوية، كما ساعدتني على وضع الكلمات المناسبة على ما كنت أحسه وأفكر به.
- ما الكتاب الذي تقرئينه في الوقت الحالي؟
أقرأ دائما أكثر من كتاب في وقت واحد. لدي كتاب لكل فترة من اليوم. هذه الأيام أقرأ بريد الليل لهدى بركات صباحًا، ورباعية الإسكندرية للورانس دوريل بعد الظهر. أما في المساء ترافقني رسائل ألبير كامو وماريا كازاريس. أحب خلط العوالم واللغات كي أسافر كل يوم إلى عدة أماكن وأختصر الوقت.