05-نوفمبر-2015

جاءت نتائج الانتخابات التشريعية التركية المُعادة والتي جرت في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني، مخالفة ًومغايرة لكل التوقعات والتكهنات التي سبقتها، كل استطلاعات الرأي وتحليلات المهتمين والمختصَّين بالشأن التركي، كانت تشير وتنحو باتجاهين، إما نتائج مشابهة للجولة التي سبقتها بأغلبيةٍ طفيفة لا تؤهّل الحزب الحاكم من تشكيل حكومة بمفرده وتُبقي حالة الفراغ السياسي قائمةً، أو خسارة حزب العدالة والتنمية لمزيد من المقاعد في البرلمان الجديد جرّاء الأوضاع السياسية والاقتصادية غير المستقرة التي تشهدها البلاد.

لكن الأتراك الذين شاركوا بنسبة عالية وفاعلة في هذه الانتخابات وصلت لحدود 87%، قلبوا الطاولة على كل التحليلات والتوقعات ومنحوا العدالة والتنمية أفضلية ًمريحة ليحوز على الحصة الأكبر من المقاعد البرلمانية، والتي بلغت حصتهم فيها 316 مقعدًا من أصل المقاعد الــ 550. وبهذه المقاعد الإضافية التي كسبها سيتمكن "العدالة والتنمية" من تشكيل حكومة بمفرده ويعيد البلاد إلى حكم الحزب الواحد.

فوزُ ليلة الأول من نوفمبر كان مفاجئًا بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى؛ حتى داخل أوساط حزب العدالة والتنمية نفسها وهذا ما تطرَّق له الكاتب التركي المعروف "مراد يتكين" بمقاله في جريدة «حرييت» تحت عنوان:" لماذا كانت نتيجة الانتخابات مفاجئة ًحتى لحزب العدالة والتنمية"، إذ يمضي الكاتب بقوله: أنّ نجل الرئيس التركي الأكبر بلال أردوغان كان متفاجئًا أيضًا من نتيجة الانتخابات الأخيرة، وهذا ما ينسحب على قيادات الحزب ذاته، فالسياسي والعضو البارز في الحزب الحاكم "بولنت أرينتش" أحد الثلاثة الذين أسّسوا حزب العدالة والتنمية في العام 2001 مع زميليه الرئيس السابق عبد الله غول والحالي رجب طيب أردوغان قال لوسائل الإعلام ليلة الانتخابات:" أنّه متفاجئ من التأييد الجارف الممنوح لحزبه"، وأضاف عندما كانت نتائج الاستطلاع تظهر أننا تحصلنا على نسبة 47.3 بالمئة وجدتها مرتفعة جدًا وغير مقبولة، لكنّ الحزب فاز بالنهاية بنسبة 49.5 بالمئة بحسب أرينتش.

يمكننا عزو هذا النصر غير المتوقع للعدالة والتنمية إلى أسباب مختلفة، من أهمها نجاح  الاستراتيجية "الأردوغانية" في اللعب بورقة استقرار البلاد

اقرأ/ي أيضًا: تركيا..السلطان يعود من جديد

وفي الوقت عينه كانت جلُّ استطلاعات الرأي قبل الانتخابات تشير إلى إمكانية حصول الحزب الحاكم على معدل أصوات يتراوح ما بين الـ 40-43%، وهي النسبة التي لا تخوَّلهُ امتلاك الأغلبية المطلقة التي تتيحُ له حكم البلاد منفردًا، بيدَ أنّ كلَّ الاستطلاعات والتحليلات ذهبت أدراج الرياح بانقضاء ليلة الأول من نوفمبر/تشرين الثاني والتي أسفرت عن النصر المفاجئ للعدالة والتنمية الذي لم يتوقعه أحد من المُحلِّلين والمتابعين للشأن التركي، بكونهم مشغولين بحسابات وإمكانيات التحالف القادم بين العدالة والتنمية والشركاء المحتملين في الحكومة الائتلافيّة والتي كان الجميع في تركيا يتخيّل كيفية ولادتها وتشكيلها.

يمكننا عزو هذا النصر غير المتوقع للعدالة والتنمية إلى أسباب وتداعيات مختلفة، من أهمها على ما يبدو نجاح  الاستراتيجية "الأردوغانية" في اللعب بورقة استقرار البلاد ومنعتها تجاه التحديات الخارجية التي تجلَّت في التفجيرات التي ضربت البلاد ووجهت أصابع الاتهام فيها لتنظيم «داعش» الإرهابي، مُضافًا إليه العمليات العسكرية التي شنّها حزب العمال الكردستاني "PKK" على نقاط عسكرية ومراكز أمن في مناطق مختلفة من البلاد والتي سقط على أثرها العديد من العسكريين ورجال الأمن الأتراك، وهذا ما عبّر عنه "سونر چاغاپتاي" الباحث في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى بتغريدة له على تويتر يقول فيها: "ما ساعد في هذا الفوز هو الخوف من زعزعة ‏الاستقرار في تركيا، إضافة إلى استراتيجية أردوغان التي قدم نفسه فيها ‏على أنه الرجل القوي القادر على ضمان الحماية".

كما أنّ الأداء السياسي الهزيل لحزب الشعوب الديمقراطي "HDP"، الحزب الذي دخل البرلمان التركي وحاز على 80 مقعدًا انتخابيًّا في الانتخابات الماضية في السابع من حزيران/يونيو الماضي وحرم حزب العدالة والتنمية من الأغلبية النيابية، وعدم قدرته على رسم خط واضح بين سياساته التي أعلن عنها في برنامجه الانتخابي السابق، والهجمات التي قام بها حزب العمال الكردستاني "PKK" وإعطاء صورة أوحت أنّ فوزه السابق هو نصرٌ -للمحور الإيراني- المضاد للدور التركي، هذا كلّه حرمه من قسم من المصوتين السابقين، وأدى إلى فقدانه لـ 21 مقعدًا نيابيًا وبقائه بشقِّ الأنفس ضمن البرلمان التركي ليصب ذلك كلّه في مصلحة العدالة والتنمية الذي تحصّل على هذه الأصوات واستفاد من تراجعات وخسائر خصومه.

في الناحية الأخرى، لم يستطع أقطاب المعارضة التقليديين -حزب الشعب الجمهوري "CHP" والحركة الوطنية القومية "MHP "- من إنجاز أي اختراق أو تقدم يُذكر في انتخابات الإعادة، فالأول بقي ثانيًا من حيث النتيجة التي ظلت بحدود ال 25% فيما تراجع القوميون بشكل واضح ليحصلوا على 11.90% ويخسروا 39 مقعداً من تركيبة البرلمان الجديد، وهذا ما سيعرض قادة الحزبين لانتقادات وتساؤلات عدة في مؤتمراتهم وجلساتهم الحزبية الخاصة.

وعلى الرغم من الفوز الكاسح للعدالة والتنمية والذي لم يكن يتوقعه الجميع ومن ضمنهم كوادر الحزب ذاته، تبقى مهمة الرئيس التركي أردوغان المتهم "بالنزعة السلطوية" في تعديل الدستور وتحويل نظام الحكم إلى نظام رئاسي يثبّت الصلاحيات في يديه، بعيدة المنال أو صعبة التحقيق وهو الذي دعا بعد هذا النجاح المُلفت" لحزبه" الأطراف السياسية جميعًا إلى إقرار دستور مدني جديد للبلاد بدلًا عن دستور 1980 الذي وضعه الجيش للبلاد بعد الانقلاب على السلطة المدنية وقتذاك، آملًا من جميع الفُرقاء السياسيين الجلوس إلى طاولة واحدة لحل هذه المعضلة.

اقرأ/ي أيضًا: هوامش الانتخابات التركية