19-نوفمبر-2018

بسيم الريس/ سوريا

ما من مرة يُعلن عن اسم الفائز بنوبل للآداب إلاّ وأعيد طرح سؤال: ما هو النص الذي يستحق الجائزة بجدارة؟ بمعنى آخر: ما هي مواصفات النص العظيم؟

أصبحت الرواية اليوم مصدرًا للثراء الفاحش، ومصدرًا لإنتاج رؤوس أموال ونشاطات موازية

نشعر دائمًا أنّ الجائزة قد تجنبت عن قصد، أو عن غير قصد، أسماء نظنها مبدعة في مجال الرواية، ويحدث أن نسقط في نوع من المقارنات من قبيل: لماذا لم يفز بها روائي آخر؟ هناك أسماء تظل ملحة في مثل هذه المناسبات، وتُطرح بوصفها الجديرة بالجائزة، والسبب أنّها كتبت روايات عظيمة. يعني أنّه في غياب هذه الأسماء فإنّ منح الجائزة لأسماء مغمورة هو ظلم للعظمة الروائية. هل يمكن أن نقارن بين روائي وآخر على أساس الأحقية في نيل نوبل؟ تبدو لي المقارنة، مهما كان الطرفان المقارنين مجحفة وغير عقلانية كذلك، فهل يعقل مثلًا أن نقول إنّ دوستويفسكي أفضل من تولستوي؟ أو سكوت فيتزجيرالد أفضل من همنغواي؟ أو أن موراكامي أفضل من كارلوس زافون؟ أو أن محمد ديب أفضل من كاتب ياسين؟ هذا النوع من المقارنات لا مبرر له أساسًا، والسبب أنّ لكل روائي أسلوبه وجمالياته ومناطق قوته وضعفه. إنّ المقارنة على أساس أنّ الروائي (أ) أفضل من الروائي (ب) توحي بضبابية معايير تحديد الأفضلية الجمالية.

اقرأ/ي أيضًا: 5 مفاتيح أساسية للدخول إلى عالم تشيخوف الأدبيّ

هل من تطابق بين عالمية الرواية وبين رواجها؟ أظنّ أنّ الرواج له علاقة بالانتشار وبآليات التسويق للسلعة الروائية، وهذا في ذاته يمثل تحولًا جذريًا في طبيعة الإدراك العام للرواية، لا بوصفها عملًا فنيًا، بل بوصفها سلعة. فالانتقال من الجمالي إلى النفعي يمثل علامة في غاية الأهمية لفهم التحولات التي طرأت على تلقي الأعمال الروائية والفنية بشكل عام في الحياة المعاصرة. والمقصود بالنفعي أنّ الرواية اليوم أصبحت مصدرًا للثراء الفاحش، ومصدرًا لإنتاج رؤوس أموال ونشاطات موازية؛ فرواية هاري بوتر، مثلًا، استطاعت أن تخلق وظائف عديدة، وأن تتحول شخصياتها إلى علامات تجارية تباع على ألبسة الأطفال أو في ألعابهم.

لم يعد الجمالي حبيس نرجسيته أو استقلاليته عن أي غرضية، بل أضحى إحدى أقوى أدوات الترويج التجاري الذي يحمل في طياته رؤية نفعية للجمالي، بما هو حالة إبهار بصري الغرض منه التأثير الآني على المستهلك. إذ نلاحظ هنا أن القارئ يتحول إلى مستهلك. ما يستدعي التأمل كذلك في تحولات الذات القارئة إلى ذات مستهلكة.

هل يتعارض الرواج التجاري لرواية ما مع قيمتها الأدبية والفنية؟ هل البيست سيلر هي ظاهرة سلبية؟ ينبغي التفريق بين القيم العالمية والقيم المعولمة.

يعرّف محمد برادة القيم العالمية في الرواية أنها تلك القيم التي كرستها روايات تألقت على امتداد تاريخ الرواية، وأصبحت نموذجا لتمثيل صراعات الانسان وتطلعاته.

هل يتعارض الرواج التجاري لرواية ما مع قيمتها الأدبية والفنية؟ هل البيست سيلر ظاهرة سلبية؟

يتحدث برادة عن "التكريس"، أي عن القيم التي يثبتها الزمن، أو تلك التي لا تتأثر بالتاريخ لأنها قيم كونية وعابرة للتاريخ. التكريس يعني اعتراف بقيم ما أنها قيم كونية إنسانية.

اقرأ/ي أيضًا: هاروكي موراكامي في "قتل قائد الفرسان".. الأدب والسحر

يبقى السؤال: من هي الجهة المخولة لتكريس تلك القيم؟ هنا تلعب المؤسسة الأدبية دورًا في ترسيخ مجموعة من القيم، أما الآن يمكن الحديث عن دور المؤسسات الاقتصادية في تكريس قيم جمالية محددة، بل وفي صياغتها. لم يعمد الجميل حكرًا على المؤسسة الأدبية. يمكن أن نلاحظ من جهة أخرى أنّ القيم الفنية اليوم تكرس قيمة الجليل (le sublime) هي القيمة التي ما فتئت تكرسها الوسائط الجماهيرية الجديدة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

"سجين السماء".. جزء جديد من رباعية "مقبرة الكتب المنسية"

خطايا الترجمة العربية