27-سبتمبر-2016

عمال مصريون في تونس (الأناضول)

لم تعد الجنسية عنوان انتماء بل باتت وسيلة لجذب الاستثمار، حيث قُدّمت خلال الفترة الماضية مشاريع قوانين في مصر وتونس لمنح الجنسية للمستثمرين الأجانب وذلك تحت عنوان تشجيع الاستثمارات الأجنبية، وذلك في ظلّ الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها البلدان.

يطرح ما يفضّل العديد تسميته بإجراء "بيع الجنسية مقابل الاستثمار" أسئلة حول المشروعية الأخلاقية لمنح جنسية البلاد مقابل مصلحة مادية صرفة

ويطرح ما يفضّل العديد تسميته بإجراء "بيع الجنسية مقابل الاستثمار" أسئلة حول المشروعية الأخلاقية لمنح جنسية البلاد مقابل مصلحة مادية صرفة بما يضعف تمثل الجنسية كرابطة للشعور الوطني أساسًا بين المواطن وبلده، خاصة وأنه غالبًا ما تتشدّد القوانين في ضبط شروط منحها لغير حامليها بالولادة.

اقرأ/ي أيضًا: مجلة الاستثمار.. خفايا القانون الأكثر ريبة في تونس

في نهاية شهر تموز/يوليو المنقضي، اعتمدت الحكومة المصرية مشروعًا لتعديل قانون الجنسية المصرية، يسمح بمنح الجنسية للمستثمر الأجنبي بعد إقامته في مصر إقامة بوديعة لمدة 5 سنوات. حيث استحدث مشروع القانون فئة جديدة من الأجانب اسمها "الأجانب ذوو الإقامة بوديعة"، الذين يتم منحهم الجنسية بقرار من وزير الداخلية بعد موافقة مجلس الوزراء. وبيّنت المذكرة الإيضاحية حينها أن هذا المقترح يأتي في إطار "السياسة التي تنتهجها الدولة في تشجيع استثمار الأموال العربية والأجنبية في المشروعات الاقتصادية".

أما في تونس وفي إطار مناقشة قانون مجلة الاستثمار، قدّم نواب من حزب نداء تونس الحاكم مقترحًا لمنح الجنسية التونسية للمستثمر وأفراد عائلته، الذي يتولّى تحويل أموال بالعملة الصعبة إلى تونس بمبلغ لا يقلّ عن 20 مليون دينار (زهاء 9 مليون دولار) شريطة عدم تحويل هذا المبلغ طيلة سنتين.

وإن يتأسس المشروعان المقترحان حول تشجيع الاستثمار الأجنبي لتنشيط الدورة الاقتصادية، فإنهما يختلفان على مستوى مضمونهما ومدى تبنّي السلطات للتعديلات المقترحة. حيث وإن تم تقديم المقترح في تونس من نواب الحزب الحاكم، فإنه لم يحظ بموافقة بقية الأحزاب البرلمانية وهو ما أدى لإسقاطه حين مناقشة قانون مجلة الاستثمار. وعلى خلاف ذلك، فإن المشروع المصري تمّ عرضه من الحكومة في مشروع شامل ومفصّل ما يعكس بوضوح جديّة طرحه للمصادقة عليه.

ويبيّن عمومًا مقترح منح الجنسية للمستثمر الأجنبي مقابل الاستثمار حجم الأزمة الاقتصادية في مصر وتونس وسقف حزمة الإجراءات التحفيزية التي تسعى السلطات في البلدين لتقديمها من أجل دفع الاستثمارات الأجنبية. غير أن تساؤلًا يطرح حول مدى ضرورة وضع إجراء منح الجنسية للمستثمر الأجنبي وكذلك مدى نجاعته في تحقيق الأهداف المرجوة؟ وألا تكفي شهادة الإقامة التي تُمنح للمستثمرين الأجانب؟

اقرأ/ي أيضًا: الجنسية المصرية للـ"بيع".. مقابل وديعة بنكية!

يثير قانون منح الجنسية للمستثمر الأجنبي تخوّفات على المدى المتوسط والبعيد في علاقة بمسألة الأمن القومي بما في ذلك الأمن الاقتصادي

بغض النظر عن غياب دراسات جدوى دقيقة حول نجاعته، يثير هذا الإجراء تخوّفات على المدى المتوسط والبعيد في علاقة بمسألة الأمن القومي بما في ذلك الأمن الاقتصادي، وذلك عبر المساواة المطلقة بين المستثمر الأجنبي صاحب الجنسية والمستثمر المحلّي، خاصة وأن مشاريع القوانين المعروضة تحدّثت عن منح الجنسية دون تمييز. ولذلك، يطرح البعض خيار منح الجنسية بسقف معيّن كأن لا تشمل الحقوق السياسية، أو تُحدد بموجبها حرية الاستثمار للمشاريع الاقتصادية ذات الصبغة السيادية، وذلك كخيار أكثر أمنًا وحماية في حالة تمّ إقرار هذا الإجراء.

وممّا ورد في المذكرة الإيضاحية للمشروع المصري، وردت إشارة خاصّة للمستثمرين العرب وهو ما يكشف عن توجّه هذا الإجراء للمواطنين من الدول العربية وتحديدًا الخليجية بصفة أساسية. وقد أشار رئيس لجنة الإسكان بالبرلمان المصري معتز محمود، وهو داعم لمشروع قانون منح الجنسية، إلى وجود 50 ألف طلب من مقيم عربي للحصول على الجنسية المصرية. وهو ما يطرح الخشية من استغلال المستثمرين العرب هذا الإجراء لدون الأهداف المعلنة له، وذلك حينما لا يحرصون على الحصول على الجنسية لتسهيل استثماراتهم، بقدر ما تمثّل مكسبًا لهم من زاوية تطبيق قوانين الأحوال الشخصية بل وكذلك ممارسة الحقوق المدنية والسياسية دون أي قيد.

لم يكن ممكنًا حصر الحديث عن منح الجنسية للمستثمرين حين طرحه منذ الوهلة الأولى في الإطار الاقتصادي المحض دون المرور على المناخ السياسي العامّ في مصر وتونس. وفي هذا الجانب وفي ظلّ صعوبة تبيان النجاعة الاقتصادية، تظلّ الخشية أن يكون هذا الإجراء مؤشرًا جديدًا لمدى انخراط الطبقة السياسية الحاكمة في المسّ من "الثوابت" وإن كان الظاهر نفعيًا بحثًا، غير أن الباطن قد لا يكون إلا مؤشرًا لمدى اتّساع مساحة "البيع والشراء".

اقرأ/ي أيضًا:

"إعلان تونس للتشغيل".. أما بعد؟

مشاريع تونس الكبرى.. الوعود المُنتظرة