23-فبراير-2016

من صور جنازة "دربكة" الذي قتل على يد أحد أفراد الشرطة (Getty)

حملة إعلامية وسياسية ضخمة ضد مجدي عبد الغفار، وزير الداخلية، الصحف انقلبت عليه فجأة، برامج التليفزيون تهاجمه، الدولة تقف ضده، أجهزة رقابية رفعت تقارير للرئيس تتهم ثمانية وزراء بالتقصير، وتسهيل الفساد داخل وزاراتهم هو واحد منهم، أجهزة أمنية دخلت على الخط، وأمسكت بطرف الخيط، ورفعت ملف الوزير الأسود بين يدي الجنرال السيسي، والملف الأسود ليس أوراقًا سرية وصورًا فاضحة، إنما معلومات وأسرار اجتماعات واتفاقات خاصة تجري من وراء ظهر عبد الغفار داخل الوزارة.

السلطة المصرية تغسل أياديها من تجاوزات الداخلية، قبل أن يتحول الغضب إلى ورم سرطاني لا ينفجر في الوزارة فقط.. إنما يهدد السيسي ومجمل نظامه

جهاز الأمن الوطني وحده يساند الوزير، يحاول أن يحميه من السيرك المنصوب حوله، والمشنقة التي تنتظر رقبته، ولكن باستراتيجية مختلفة، لا يدافع عنه على الهواء، ولا يوجّه أحدًا بالدفاع عنه.. يهاجم من هاجموه، ويطعن في ذمة من طعنوا في ذمته، ويطلق رجاله على "الإبراشي"، وإبراهيم عيسى ويوسف الحسيني قبل أن يصلَ تصعيدهم ضد "الداخلية" إلى درجة لا يمكن معها إنقاذ الوزير.

اقرأ/ي أيضًا: الدم خيار الداخلية المصرية

محاولة للضرب تحت الحزام بهدوء، لعبة تجيدها الأجهزة في مصر.

الطفل ابن الأربع سنوات، المطلوب القبض عليه بتهمة القتل العمد، حرَّك ثورة ضد وزارة فشلت في التحقق من قضيته، وتقديم تحريات صحيحة، ولهذا السبب طاردته أربعة أشهر للقبض عليه.. وإذا اقتربت من الصورة قليلًا، ستجد عائلة خدعت أجهزة المعلومات، وأحرجت "الداخلية" أمام الرأي العام بلعبة "تشابه الأسماء".

جرائم أمناء الشرطة أصبحت، فجأة، متداولة على الصفحات الأولى بالجرائد، وبرامج التوك شو. لأول مرة، لا تتستر الدولة على جرائم أفراد الداخلية، التي وصلت في الأقسام إلى القتل، بل فتحت لهم الملفات القديمة، وقبضت على بعضهم، ولا تخفي استعدادها لمحاكمتهم، والحيرة الآن.. هل يتم تقديمهم لمحاكمة عسكرية أم مدنية؟

ما الذي تغيّر في تغطية الإعلام للأزمة؟.. ستكتشف الإجابة في نقل قناة "سي بي سي" لاحتجاجات (تجاوزت عشرة آلاف متظاهر) الأطباء ضد "واقعة أمناء الشرطة" في دار الحكمة بشارع قصر العيني، وقتها قررت القناة أن لا احتجاجات ولا اعتصام ولا متظاهرين، ولا غاضبين، وسلّطت الكاميرا على ركن فارغ من كل شيء، ماعدا لافتات الاحتجاج، كانت تريد أن تقول: لا أحد تظاهر اليوم.. ووراء الدعوة الفاشلة أجندات أجنبية (يديرها حسين خيري ومنى مينا).

اقرأ/ي أيضًا: دربكة مات..انتظروا جمعة الغضب

كان المشهد يشبه تسليط كاميرات التليفزيون المصري على النيل خلال مظاهرات 25 كانون الثاني/يناير بينما نقلت "الجزيرة" مجازر وقنابل وجثث الثورة على الهواء مباشرة.

هل كان التصرف تلقائيًا؟ لماذا قررت "سي بي سي" أن تضلل المشاهدين ولا تنقل الحقيقة؟.. ابحث عن الأوامر، وتحسس مسدسك، كان هناك من وجّه القنوات بعدم نقل الصورة الحقيقية في التليفزيون، قال لهم: كرروا سيناريو ماسبيرو.. لا نريد للمظاهرات أن تدخل البيوت مرة أخرى.

يعد خروج وزير سيادي من الحكومة حدث "ضخم" في مصر

في "مقتل دربكة"، قرر النظام أن يضحي بالداخلية لكي يعيش، لكي يضمن استمراره على جثة الوزير، ومنح الجميع رخصة النشر والبثّ المباشر، والضرب في الداخلية. هنا، في مصر، أدمن النظام، أي نظام، لعبة "الكراسي الموسيقية"، وزير يجلس مكان وزير، على اعتبار أنه يحمل رؤية جديدة وطريقة مختلفة، وكل شيء سيكون "تمام". لكن لا شيء يتغير، محمد إبراهيم خرج من الوزارة لأنه فشل في الإدارة، وعبد الغفار فشل أيضًا. والحقيقة أن "الداخلية" لا رغبة لديها في أن تتغير، ليست مسألة قدرة.

"عبد الغفار" يتحمّل الآن الغضب وحده، الأجهزة الرقابية والأمنية لا تقدم تقارير إدانة لأمناء الشرطة أو الضباط إنما تستهدفه شخصيًا، ومن بين ما قدمته للرئيس معلومة تقول إنه متمسك بخلية إخوانية داخل الوزارة على رأسها المتحدث باسم "الداخلية".

الدولة تغسل أياديها من تجاوزات الداخلية، قبل أن يتحول الغضب إلى ورم سرطاني لا ينفجر في الوزارة فقط.. إنما يهدد السيسي.

"عبد الغفار" يحاول غسيل يديه من أمناء الشرطة، وتقديمهم "كبش فداء" له، لكن النظام قرر التضحية به شخصيًا، فخروج وزير سيادي من الحكومة حدث "ضخم" في مصر، وقرار الإقالة على مكتب شريف إسماعيل، رئيس الوزراء، يحمل تأشيرة السيسي. أحدهم يقول إنه ينتظر نهاية مؤتمر شرم الشيخ للإعلان عنه، ومصدر آخر يؤكد تأجيل الإعلان لحين موافقة مجلس النواب عليه، فالرئيس لا يريد أن يكون القرار قراره وحده.

على أي حال، مجدي عبد الغفار قد يرحل خلال أيام.

اقرأ/ي أيضًا: 

المقرئ النصاب..موسم سقوط نجوم العمائم

تكلفة بقاء نظام السيسي