16-فبراير-2016

شرطة مكافحة الشغب 2013 (Getty)

"ألن توجد أي انفراجة في الأجواء؟"، هكذا همست لصديقي وأنا أنفث في وجه الشاشة البعيدة دخان سجائري. سألته لأنني أعرف أن ذكاءه سيقربه من الإجابة، بينما صبري الشخصي على كل ما يحدث قد نفد بالفعل وبدأت أتعامل مع الوقائع اليومية لنا كمصريين: خطف، قتل، اختفاء قسري، إعدامات بالجملة. وقائع أصبحت خبزنا اليومي. طوبى لمن يحافظ على سلامته العقلية واتزانه النفسي، وهو يحضر جنازة صديق آخر تعرض للقتل لأن له سجلًا معارضًا.

طوبى لمن يحافظ على اتزانه النفسي، وهو يحضر جنازة صديق تعرض للقتل لأن له سجلًّا معارضًا

شيئان في مصر ليسا حكرًا على أحد، الموت والكلام في السياسة. سادت أحاديث على السوشيال ميديا تمسّ نزاهة السيد الزعيم، الذي خرج يطلب التقشف من الشعب ويبشره بالجوع ويورط نفسه في كارثة قد تودي به إلى العطش، ثم تمشي سيارات موكبه على سجاجيد حمراء.

بالنسبة لمن هم مثلي، لمن تجاوز قصة الاشتباك على السوشيال ميديا، بدأت أرى أن موضوع بقاء السيد الزعيم أصبحت فاتورته باهظة جدًا. باهظة على من يدعمونه في الخارج من "الخليج" ومن يدعمهم هو في الداخل؛ الجيش والشرطة والقضاء وملحقاتهم. 

وفقًا لما ورد عن تقرير لـ"الجزيرة" فإن رقم المساعدات الخليجية لمصر تخطى الـ23 مليار دولار، ليصل إلى 30 مليار دولار، حسب التسريبات الأخيرة لمكتب السيسي، و47.5 مليار دولار طبقًا لأرقام غير مدققة، وهو ما لم يظهر له أثر ملموس؛ سواء في الموازنة العامة للدولة التي استمر العجز الحاد بها؛ بل وزاد العجز بعد وصول المساعدات لمصر لتصل قيمته 253 مليار جنيه في العام المالي الأول لما بعد "3 يوليو".

منذ شهر آب/أغسطس 2013، وحتى شهر نيسان/إبريل 2014، لم تكشف السلطات المصرية عن تلقِّي مساعدات خليجية أو خارجية جديدة باستثناء الـ12 مليار دولار التي حصلت عليها عقب عزل الجيش للرئيس محمد مرسي في الثالث من تموز/يوليو، واستمرَّ الوضع حتى قبل موعد الانتخابات الرئاسية؛ التي تنافس فيها عبد الفتاح السيسي وزير الدفاع السابق، وحمدين صباحي السياسي "المعارض".

من المنطقي القول أن لهذه الدول يدًا في ما حدث في "3 يوليو"، وأنها تتدخل بشكل حتمي في دفع فاتورة الرجل الذي يشكل الواجهة للسياسيات المرضي عنها في مصر، وأيًا كانت الطريقة التي تدير بها الأجهزة التنفيذية في مصر -والتي لها اليد العليا- ملفات الحقوق والحريات فإن المهم ألا تكون هناك نغمة نشاز لما يجب أن تكون عليه الدولة المصرية في الأعوام القادمة. 

في سابقة مثيرة للأسى، زيدت رواتب العسكريين في مصر، حين قامت ثورة احتجاجًا على ممارسات هذه الفئة!

المشكلة أن ملفات العجز في الموازنة والبطالة والفقر والكوارث الناتجة عنها جميعًا أخذت تتفاقم بشكل لا يمكن تجاهله، وأن كل هذه الفاتورة الباهظة التي يكلفها النظام للخليج لا يمكن أن تستمر بحكم المنطق، بحكم سوء إدارته البالغ للأوضاع في الداخل المصري البائس. 

أما المدفوع له فاتورة البقاء وأعني بها فئات مثل: الجيش والشرطة والقضاء، فهي على الأرجح أدوات النظام لتثبيت حكمه وضمان الولاء له على أرض الواقع، وهي تكلفة كبيرة جدًا، بدأت تثير حفيظة فئات أخرى اعتقد النظام أنها سوف تبتلع غضبها رغم أنها لم تفعل من قبل مثل فئات العمال وغيرها . 

ورد عن صحيفة "يناير" أنه في تشرين الثاني/نوفمبر من عام 2013 عقب توليه الحكم، أصدر عبد الفتاح السيسي قرارًا بزيادة رواتب الحرس الجمهوري، بمقدار 2000 جنيهًا زيادة عن باقي زملائهم من نفس الرتب في الأسلحة والتشكيلات المختلفة بالقوات المسلحة.
 
وعلى الرغم من أن رأس الدولة، أشار في أكثر من مناسبة إلى سعيه في اقتراض قرض بمقدار 3.5 مليار جنيه من البنك المركزي، لا سيما عقب تقلص إيرادات مشروع "تفريعة قناة السويس" (زعم السيسي أنها ستزيد من الدخل المصري عقب شهر واحد من بدء العمل فيها) إلا أنه أصدر قرارًا في منتصف شهر آب/أغسطس من عام 2015 يقضي بتعديل الحد الأقصى لنسبة بدل طبيعية العمل لدى العسكريين، ويعد هذا القرار بمثابة معاش إضافي لهم، وذلك وفقًا للقانون رقم 51 لسنة 1984. وهي سابقة فكاهية مثيرة للأسى والحزن، وهي أن تزيد مرتبات فئة قامت ثورة بلد بأكمله احتجاجًا على ممارساتها. 

أخيرًا، لا يمكن اعتبار كل هذه الفاتورة الباهظة قابلة للاستمرار مهما كان حجم التوازنات الذي تخضع له القاهرة، خاصة وهي تتجه في مجملها إلى استمرار الاعتماد على الاقتراض وليس التقليل منه. سيبدو النظام عاريًا تمامًا بعد أن يتوقف خرطوم الدعم عن ضخ المزيد من الحياة في شرايينه المحتضرة. الحقيقة أن القاهرة تبدو مبتذلة ومستهلكة جدًا، وليس في يدها أن تقدم أي شيء على الإطلاق بعد أن أحرقت كل ما يمكن أن تقدمه على حساب الداخل المحتقن.

اليوم، وبعد أن تورطت دول الخليج في كل هذا الدعم، وبعد ما تأكد سوء الإدارة الداخلية لكل الأزمات التي يعيشها المصريون، والذي بدأ يؤثر على الخارج بطريقة الأواني المستطرقة، كيف سيتخلص داعمو النظام من كل هذه الفوضى؟ 

اقرأ/ي أيضًا:

في الغباء كما لم يرد في كتب السياسة!

الاختفاء القسري "للورد الي فتح في جناين مصر"!