قالت وكالة بلومبيرغ إن مصر ستضطر إلى إضعاف عملتها مجددا ليخسر الجنيه المصري حوالي 23% من قيمته، استجابة لضغوط فرضها صندوق النقد الدولي على البلاد.

  الوكالة ذكرت أن إبداء المزيد من المرونة من قبل الحكومة المصرية أصبح ضرورة إن أرادت البلاد أن تحصل على قرض جديد من صندوق النقد الدولي الذي اشترط تعويم الجنيه المصري، وأضافت أن تحليلات لكل من "دويتشه بنك" و"غولدمان ساكس" و"سيتي جروب" أظهرت ضرورة اتخاذ قرار إضافي بتخفيض قيمة الجنيه المصري مرة أخرى، حتى بعد تخفيضها بأكثر من 15%  في آذار/ مارس الماضي.

وصل الدين الخارجي المصري إلى 157.8 مليار دولار، أي ما يعادل ثلث الناتج المحلي الإجمالي

كبير اقتصاديي الأسواق الناشئة في بلومبيرغ، زياد داوود، قال إنه "قد يشعر صانعو السياسة بالقلق بشأن الآثار الجانبية لتخفيض قيمة العملة، مثل ارتفاع التضخم عندما يكون بالفعل في خانة العشرات، وخطر الاضطرابات الاجتماعية. وقد ينتهي الأمر بمصر إلى تخفيض قيمة عملتها، لكن بأقل مما يحتاج إليه الاقتصاد."

ما الذي يعنيه تخفيض قيمة الجنيه؟

تراجع قيمة الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي كان له أثر مباشر على قيمة مدخرات المصريين وعلى أسعار السلع في مصر، وذلك أنها دولة تعتمد على الاستيراد لتوفير احتياجاتها من الغذاء والطاقة والتكنولوجيا الحديثة، إذ قدرت فاتورة الاستيراد وفقا لأرقام صدرت في شباط/ فبراير الماضي بـ 9.5 مليار دولار شهريا.

كانت السوق المحلية قد شهدت ارتفاعا في أسعار العديد من السلع الأساسية، وصل ببعضها إلى 50%، وهو ما أدى، جنبا إلى جنب مع أزمة الاعتمادات المستندية، إلى زيادة معدل التضخم الأساسي الذي وصل في تموز/ يوليو الماضي إلى 15.6%، وهو أعلى مستوى له منذ أربعة أعوام، ويتوقع خبراء أن يصل إلى 20% مع نهاية هذا العام في حال استجابت الحكومة المصرية للشروط التي يمليها صندوق النقد الدولي.

أما معدل التضخم الأساسي فيرجّح أن يؤدي بدوره إلى اتخاذ إجراءات من قبيل رفع سعر الفائدة، بهدف إيقاف موجة هروب الاستثمارات التي كلفت البلاد هذا العام حوالي 20 مليار دولار، وفقا لبيانات حكومية.

يشار إلى أن محافظ البنك المركزي، طارق عامر، استقال من منصبه يوم الأربعاء، أي قبل يوم واحد فقط من اجتماع لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي للنظر في أسعار الفائدة، لتبدأ موجة من عمليات البيع للسندات الحكومية المصرية في أسواق الدين الدولية.

عامر كان قد شغل منصبه عام 2015،  وقاد خلال فترة عمله العديد من الإجراءات من أهمها تعويم الجنيه وإبرام اتفاق مع صندوق النقد الدولي عام 2016، قبل أن يجدد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي فترة عمله حتى عام 2023.

الخبير الاقتصادي، عبد الحافظ الصاوي، كان قد قلل في تصريح له من تأثير استقالة عامر على السياسة النقدية في مصر، وقال إن استقلالية البنك المركزي في مصر "شكلية" كي تتوافق مع القانون والدستور، ولكن في الواقع تُتخذ القرارات بتوجيه من الحكومة والرئاسة في ظل تهميش القيادة السياسية في مصر لكل المؤسسات.

كيف وصل الجنيه إلى هذه الحال؟

رغم أن مصر دخلت في سلسلة من المشاكل الاقتصادية بعيد ثورة 25 يناير، إلا أن الانتكاسة الكبرى والتي امتد تأثيرها حتى يومنا هذا، حدثت في نهاية عام 2016 عندما اتخذت الدولة قرارا بتعويم الجنيه ثم ثبتت تقريبا سعر الصرف بعد ذلك، واعتمدت على الأموال الساخنة لتغطية العجز الذي نتج عن أزمات دولية ومحلية كان من أهمها أزمة كورونا والحرب الروسية- الأوكرانية.

تشير الأرقام إلى أن سعر صرف الجنيه كان قبل اندلاع ثورة يناير يبلغ حوالي 5.70 جنيه مقابل الدولار الواحد، ثم بلغ في أقصى انخفاض له 8.86 جنيهات قبيل التعويم عام 2016، ليهوي بعدها إلى 18.89 جنيه، ثم ليستقر في الفترة ما بين عام 2019 و2022  بين 16 إلى 15.6 جنيه، ثم ليعاود الهبوط مجددا إلى 18.30 في آذار الماضي.

انخفض الاحتياطي من النقد الأجنبي في مصر بنحو 20% ليصل إلى 33.14 مليار دولار

ورغم أن العديد من البنوك الاستثمارية والمحللين شددوا على أن الجنيه المصري مقيّم بأكثر من قيمته، وقد كان الأمر كذلك حتى قبل الحرب الروسية- الأوكرانية، إلا أن البنك المركزي المصري كان يتبع سياسة "التعويم المدار" والتي تعني أنه هو الجهة الوحيدة المخولة بتحديد سعر صرف الجنيه، بغض النظر عن آليات العرض والطلب، الأمر الذي أدى أخيرا إلى نتائج عكسية وزاد من الضغط على الجنيه.

من جهة أخرى، مع أن تخفيض قيمة الجنيه هو واحد من الشروط الأساسية التي يفرضها صندوق النقد الدولي من أجل الموافقة على تقديم قروض للحكومة المصرية، إلا أن الصندوق ليس المسؤول الرئيسي عن الحال التي آل إليها الجنيه، إذ يقول الخبير الاقتصادي إبراهيم نوار إن المحافظة على سعر منخفض للدولار وتحديد أسعار الصرف إداريا من قبل البنك المركزي لا يقبله صندوق النقد، ويؤدي إلى تشوهات في السوق، ويتسبب في نشوء تغيرات حادة ومفاجئة كما حدث في نوفمبر/تشرين الثاني 2016.

يضيف نوار في تصريح للجزيرة نت أنه "إذا أرادت الحكومة تحديد سعر صرف الجنيه مقابل العملات الأخرى، فيجب أن تمتلك سيولة كبيرة من العملات الأجنبية تستطيع من خلالها التحكم في قيمة الجنيه إداريا بدلا من اللجوء إلى صندوق النقد الدولي."

من ناحيته، وضح كبير المحللين الاقتصاديين في بلومبيرغ، زياد داوود، في سلسلة تغريدات على حسابه على موقع تويتر كيف أن اعتبارات سياسية كان لها دور كبير في تدهور العملة المصرية.

يذكر أن الدين الخارجي لمصر وصل إلى 157.8 مليار دولار، أي ما يعادل ثلث الناتج المحلي الإجمالي، في حين انخفض الاحتياطي من النقد الأجنبي بنحو 20% ليصل إلى 33.14 مليار دولار. من ناحيتها، لجأت الحكومة المصرية في آذار/ مارس الماضي إلى صندوق النقد الدولي للحصول على مساعدة إضافية، كما حصلت على تعهدات بأكثر من 22 مليار دولار من الودائع والاستثمارات من السعودية والإمارات وقطر.