10-مارس-2016

هل يصل الدولار إلى 15 جنيه مصري؟(Getty)

ليلة إعلان البنك المركزي إلغاء حد سحب وإيداع الدولار، كان مروان يحمل في محفظته 800 دولار، حوالة من "ويسترن يونيون"، يتجول بها على "صرافات" القاهرة، محاولًا الحصول على أفضل سعر. على قصاصة ورق قديمة، قام مروان باحتساب المبلغ الذي ينتظره بالجنيه المصري، الدولار وصل 10 جنيهات في السوق السوداء، ضرب 800 في 10، فكانت حصته ثمانية آلاف جنيه بفارق ثلاثة آلاف عن سعر الدولار قبل أسبوعين.

تعود أزمة الزيت والأرز التي تعاني منها مصر الآن إلى عجز المستوردين عن دفع عقود الصفقات بالدولار ما أدى إلى عدم وفاء الأطراف الأخرى بوعودها

فوجئ مروان بجميع مكاتب الصرافة تحسب سعر الدولار بـ7.80 جنيه، نفس السعر الذي حدّده البنك المركزي، اعتقد أن ما تكتبه الجرائد تهويل، وحرب على الحكومة والجنيه، حوّل دولاراته في السوق السوداء بأقل سعر ممكن دون فارق في المبلغ عن تحويله من بنك حكومي.

خسر مروان مبلغًا ضخمًا وفقًا لحسابات الحياة في مصر، لكنه يشعر أن البلد صامدة، تقف وجهًا لوجه أمام المؤامرة الأجنبية، التي يديرها الإعلام، ضد البنك المركزي، والاقتصاد المصري، بأخبار انهيار الجنيه أمام الدولار في السوق السوداء، كان أفضل تعويض له عن خسارته.

روى مروان قصته لـ"الترا صوت"، إلا أنه، حسبما قال الخبير الاقتصادي، رائد سلامة، لم يكن يعرف أن "مكاتب صرافة وسط البلد تتعمّد إعلان السعر الرسمي، وفقًا لنشرة البنك المركزي اليومية، لكل من يدقّ بابها لتحويل دولارات، خوفًا من وقوعها في فخ مباحث الأموال العامة".

كيف؟.. يقول سلامة لـ"الترا صوت": "أحيانًا، تقوم مباحث الأموال العامة بحملات لضبط الصرافات التي تضارب في سعر الدولار، وترفعه عن سعره الرسمي، عن طريق مواطن مدني، أو ضابط يرتدي زيًا مدنيًا، يطلب تحويل دولاراته ويبحث عن أفضل سعر، ويناقش، حتى يحصل على سعر مخالف لسعر البنك المركزي، فتقوم بالقبض عليه. لهذا السبب، لا تحويل بأسعار السوق السوداء إلا لأقارب وتجار عملة وشخصيات معتمدة".

ما الذي خسره مروان؟

وفقًا لحسبة سلامة، فإن مروان خسر ثلاثة آلاف جنيه جرّاء عدم تحويله بسعر السوق الطبيعي بعد انهيار الجنيه، وخسر مرة أخرى من قيمة الستة آلاف جنيه، الـ800 دولار بعد التحويل، بسبب تراجع قيمتها الشرائية.

يشرح الخبير الاقتصادي تحليله لـ"الترا صوت": "بسبب انخفاض سعر الجنيه أمام الدولار.. ما كنت تشتريه بقيمة دولار أصبح الآن بدولار وربع.. وهو ما ينعكس على أسعار السلع في مصر بشكل غير ملحوظ تعوّضه الشركات بتقليل كميات ما تقدمه، الأرز مثلًا، أو رفع سعره قليلًا". وينطبق ما يقوله سلامة على أموال مروان، التي انهارت قيمتها الشرائية من 8 آلاف جنيه إلى 4 آلاف وخمسمائة جنيه بالضبط، ما يعني أن إجمالي الخسارة بلغ أكثر من ثلاثة آلاف وخمسمائة جنيه.

اقرأ/ي أيضًا: الدولار والجنيه وأزمة وزير ومحافظ

حروب القيمة الشرائية تنسف الأجور

بعيدًا عن خسارة مروان، التي تعتبر خسارة لكل مواطن مصري، سيجد مرتبه ناقصًا آخر الشهر، ليس لأن هناك من اختلس منه شيئًا، إنما لأن قيمته الشرائية انخفضت الربع. يحاول الخبير الاقتصادي رائد سلامة قراءة المشهد من خبر نشر هذه الأيام، وهو إعلان بنك مصر زيادة عائد الشهادات الدولارية إلى 5.25 في المائة، الذي يعني أن البنوك الحكومية "تقاتل" وتقامر بأموال المصريين، لتحصيل أكبر كمية من الدولارات تزامنًا مع تصريح المستشار الاقتصادي لهيئة قناة السويس، الدكتور عبد التواب حجاج، تقديم تخفيضات ضخمة للسفن العابرة لمنع هروبها إلى رأس الرجاء الصالح، ومجموعة من المعابر والقنوات الجديدة، التي تطرح اسمها وتقدم خدماتها للشركات الكبرى، لتحويل الدفة إليها من قناة السويس، ما أدى إلى انهيار العائد الدولاري لقناة السويس أيضًا.

تقارير أمريكية: الزيت والأرز تعرضا لخسائر قديمة سرًا

توقع تقرير بنك استثمار إماراتي أن يتجه البنك المركزي المصري نحو مزيد تخفيض قيمة الجنيه

يكشف سلامة كواليس أزمة الزيت والأرز التي تعاني منها مصر الآن، خاصة أصحاب البطاقات التموينية، مرجعًا السبب إلى عجز المستوردين عن دفع عقود الصفقات بالدولار، ما أدى إلى عدم وفاء الأطراف الأخرى بوعودها، ومن هنا، انطلقت أزمة الزيت والسكر.

ويتضح من آخر تقارير وزارة الزراعة الأمريكية عن سوق المحاصيل الزيتية بمصر، الصادر في شباط/فبراير 2015، بدء تأثير أزمة نقص الدولار على قطاع الزيوت منذ فترة غير قصيرة، فقد خفضت الوزارة تقديراتها لحجم الواردات المصرية لعام 2014-2015 من زيت عباد الشمس من 850 مليون طن إلى 810 مليون طن بسبب هذه الأزمة، كما توقعت واردات بـ800 مليون طن فقط في عام 2015-2016.

وبحسب تقرير الوزارة الأمريكية، فإن الحكومة المصرية تعد المستورد الرئيسي لمحاصيل عباد الشمس لاستخدامها في زيت التموين المدعم. ولا يواجه الأرز نفس التحديات نظرًا لإنتاج مصر الكثيف منه، فوفقًا لتوقعات وزارة الزراعة الأمريكية من المفترض أن تنتج مصر في 2015-2016 أربعة ملايين طن من الأرز مقابل استيرادها لحوالي 25 ألف طن فقط.

ولكن الإنتاج المصري من الأرز لعام 2015-2016 تعرض لخسائر بحسب تقرير للوزارة الأمريكية، صدر في يناير الماضي، والذي قال إن "إنتاجية العام تقل عن متوسط الإنتاجية في الخمس سنوات الأخيرة بـ4.3 مليون طن".

اقرأ/ي أيضًا: عودة الدينار

عودة غربان مبارك الهاربة..

كشفت مصادر لـ"الترا صوت" أن الحكومة لكي تتجاوز الأزمة الحالية استعانت بالخبير الاقتصادي المصري محمد العريان، المستشار الاقتصادي لأوباما، الذي قدم لها خطة نجاة من كارثة الدولار التي تنتظرها مصر، كان على رأسها قرار اتخذ منذ يومين، بإزالة حدود الإيداع والصرف للعملات الأجنبية في البنوك المصرية، كما نصح سلطات القاهرة بالاستعانة بخبرات يوسف بطرس غالي، ومحمود محيي الدين (رموز نظام مبارك، الأول هارب إلى لندن، والثاني نائب رئيس البنك الدولي) في ضبط الأسعار خلال الفترة المقبلة.

الإمارات تتوقع: انهيار أسطوري للجنيه

على الجانب الآخر، كشف تقرير بنك الاستثمار الإماراتي "أرقام كابيتال" أن الوقت يعمل ضد البنك المركزي المصري، خاصة بعد انخفاض دعم وتزويد مصر بالدولارات من جانب الشريك السياسي الإماراتي، والشريك السعودي، الذي حوّل دفته إلى السودان، نظرًا لمشاركتها في عاصفة الحزم باليمن.

وتوقع التقرير، الذي يحلل أوضاع الاقتصاد المصري، أن يتخذ المركزي خطوة تخفيض قيمة الجنيه مرة أخرى، وهذه المرة ستشهد انهيارًا أسطوريًا، عندما يؤمِن الموارد الكافية من العملات الأجنبية، من مؤسسات التمويل الدولية والدول المانحة والسوق المحلي، ليتمكن من ضخ الكميات الكبيرة التي ستكون مطلوبة من العملات الأجنبية عند اتخاذ القرار.

الدولار.. إلى 15 جنيه

البحث وراء أسباب تحويل الجنيه إلى "قزم" أمام الدولار، يكشف جنون النظام في سرعة إنجاز مشروع قناة السويس الجديدة، ما أدى إلى تكلفة ضخمة

نقلت مواقع إخبارية مصرية عن رئيس شعبة المستوردين أحمد شيحة، توقعه ارتفاع سعر الدولار إلى 15 جنيه في السوق السوداء نهاية الأسبوع المقبل. ربما يكون التصريح صحيحًا، وربما يكون خاطئًا، لكن البحث وراء أسباب تحويل الجنيه إلى "قزم" أمام الدولار، يكشف جنون النظام في سرعة إنجاز مشروع قناة السويس الجديدة، ما أدى إلى تكلفة مضاعفة، وسريعة، لم يتحملها الاقتصاد المصري.

هل سدّدت القناة الجديدة مصاريفها؟..بالطبع لا. مجموعة قنوات جديدة افتتحت خلال الفترة الماضية، بالإضافة إلى تقديم تسهيلات جذبت السفن إلى الشرق والغرب، ورأس الرجاء الصالح. أما السبب الثاني فهو انخفاض تحويلات المصريين بالخارج بشكل ملحوظ خلال العامين الماضيين، بالإضافة إلى الأزمة الكارثية المستمرّة منذ ثورة 25 يناير، وهي انهيار السياحة، خاصة بعد تفجير الطائرة الروسية في سماء سيناء، مع توقف الإمارات والسعودية عن تمويل النظام المصري بـ"الرز"، حسب تسريب السيسي.

السبب الثالث لا يجد رواجًا في الأوساط الرسمية المصرية بعدما تبنته صحيفة الدستور كانفراد، وهو أن البنك المركزي طبع 30 مليار جنيه خلال الفترة الأخيرة في غير الإطار الشرعي لسك العملة المحلية، وهو ما أدى وسيؤدي إلى حالة تضخم، ربما تطيح بالجنيه وتنزل به إلى أسفل سافلين.

اقرأ/ي أيضًا:

الاقتصاد في حلب.. مهن الحرب أم مهن القسوة؟

السودان.. ضد الشعب في لقمته