25-أبريل-2016

ربعي المدهون

في روايته "مصائر: كونشرتو الهولوكوست والنكبة" (المؤسسة العربية للدراسات)، يقدم الروائي الفلسطيني ربعي المدهون جوانب من الحياة اليومية للفلسطينيين الذين ظلوا في فلسطين التاريخية بعد النكبة. هي سيرة للفلسطيني الهامشي والمنسي، البعيد عن المركزية التي أرستها منظمة التحرير. 

كانت البداية الحقيقية لـ"مصائر" عند إميل حبيبي، الذي بدا وكأنه شارك في كتابة النص

تستعير الرواية، بأسئلتها، تجربة فلسطينية سابقة قدمها إميل حبيبي في محاولته كتابة التغريبة الفلسطينية داخل فلسطين نفسها. وبهذا المعنى، كانت البداية الحقيقية لـ"مصائر" عند حبيبي لا المدهون، وهذا يعني أيضاً أن صاحب "المتشائل" ساهم، بشكل أو آخر، في كتابة "مصائر"، طبعًا مع اختلاف اللغة والأسلوب والنزوع الأدبي لكاتب الرواية. 

اقرأ/ي أيضا: مديح لنساء العائلة.. العشيرة تدخل الحداثة

يؤكد المدهون الصيغة التي وصل إليها حبيبي من قبله، من حيث سقوط معادلة الفلسطيني مزدوج الانتماء من الذين بقوا في فلسطين، لكن مشكلة الرواية أو الراوي، هذه المرة تأتي من كونه/ها لم يجد معادلة أخرى تشكل بديلًا عن صيغة التعايش التي أسقطها حبيبي من المعادلة قبله، وقدم بديلًا عنها في الفلسطيني الفدائي أو المقاوم. هكذا ظل هناك فراغ ما الفضاء الفكري للنص.

الرواية التي جاءت في قالب الكونشرتو الموسيقي، المكون من أربع حركات، في كل منها حكاية تنهض على بطلين اثنين يتحركان في مساحتمها السردية الخاصة، قبل أن ينتقل بهما الكاتب إلى شخصيتين ثانويتين، في الحركة الثانية، أمام بطلين آخرين، يرتبطان بأبطال الحركة الأولى. وليد وزوجته جولي ابنة ايفانا أردكيان الأرمينة، التي هربت مع ضابط إنجليزي قبل النكبة وتزوجت به وأوصت بنشر رمادها بعد أن تموت بين لندن وفلسطين. وصولًا إلى الحركة الثانية، التي تأتي كرواية تروى داخل الرواية نفسها، وعلى لسان جنين، ابنة محمود دهمان الذي عاد متسللًا من غزة إلى "إسرائيل" بعد قيامها، وأسس عائلة فلسطينية في فضاء اللد. 

اقرأ/ي أيضا: حارس الموتى.. لو لم تحدث الحرب

هكذا حتى يصل الراوي في قصص الجميع إلى الحركة الرابعة، عبر زيارة وليد إلى متحف الهولوكوست في القدس، دون أن يقدم لنا اقتراحه، إذ يترك بطله وليد يغادر المطار دون أن يجب على اقتراح زوجته جولي البريطانية، ابنة إيفانا، التي تنحدر من عائلة أرمنية في عكا، في أن يعيش معها في حيفا.

تبرز مشكلة "مصائر" في خلوها من الدلالات والمواقف على بالرغم من جمالية الأسلوب

ليست مشكلة الرواية أنها تتحدث عن الإنسان الإسرائيلي الذي نجا من المحرقة النازية، وجاء ليستوطن في فلسطين، ولا في تعاطف الفلسطيني معه أو سخريته من مصيره. وليست في محاولة تقديم إجابة على سؤال الضحية للضحية، ولا في الأخطاء المكانية والزمانية التاريخية فيها؛ المشكلة كانت في عدم وجود صيغة فكرية يقدمها الكاتب، كانت هناك حكايات أكثر، مصائر مختلفة لفلسطينيين شردتهم النكبة، أتاح لها قالب الكونشرتو الموسيقي أن تكون حيزًا للقاء، لكن الرواية لم تحمل مقولة، مع أنها امتلكت أفقًا لذلك، وكان من الممكن لكاتبها أن يجمع الاجتهادات في فضائها، لكي يقول التاريخ نفسه من وجهة نظر الرواي، أو من وجهة نظر أبطالها.

وإن كانت الروايات الفلسطينية السابقة كـ"عائد إلى حيفا" و"المتشائل"، سجلت حضورها المستمر في المشهد الروائي الفلسطيني، فهي فعلت ذلك من قدرتها على جرأة الخيار، وطرق الباب بالتوازي مع الجرأة في طرح الواقع والبديل،  بحيث مثلت هذه الروايات إضاءات مبكرة على الفلسطيني الذي طرد مع النكبة والفلسطيني الذي بقي هناك، إذ قدمت رؤيتها الخاصة وسيرتها ولغتها، بالتوازي مع مواقف الكاتب نفسه مما يجري حوله. وبهذا تبرز مشكلة "مصائر"، في خلوها من هذه الدلالات والمواقف، فعلى بالرغم من جمالية الأسلوب ومتعته الذي وفره القالب، إلا أن الرواية جاءت كدلالة أخرى على التيه الفلسطيني وعدم قدرته على المجابهة، أو تقديم أجوبة جديدة لإسئلة قديمة. 

اقرأ/ي أيضًا:

نوميديا.. سرديات من المخيال الأمازيغي

سماء قريبة من بيتنا.. مرايا الأمكنة والشتات

عطارد.. القتل من وجهة نظر قناص الداخلية