04-أبريل-2023
لقطة من المسلسل

لقطة من المسلسل

لا نُضيف جديدًا في قولنا إن الهجوم الذي تعرّض له "ابتسم أيها الجنرال"، الهجوم لا النقد، مردّه إلى مواقف كيدية خرجَ أصحابها بكمٍ هائل من الأسباب غير المفهومة لمهاجمته قبل عرضه، ثم وجدوا في أخطائه الفنية والإخراجية التي لا يخلو منها أي عمل درامي، وهو أمرٌ طبيعي، فرصة لمواصلة الهجوم على المسلسل والتقليل من شأنه.

"ابتسم أيها الجنرال" عمل استثنائي لا يضاهيه أي عمل آخر في فضحه للنظام السوري من الأعلى، من داخل قصر رأسه

لكن ما يستدعي العودة إلى الحديث عن المسلسل هو لجوء بعض مهاجميه إلى طرق جديدة للانتقاص من قيمته، منها مقارنته بأعمال أخرى يزعمون أنها تتفوق عليه. ولعل أول ما تجدر ملاحظته في هذه المقارنة الكيدية لا أنها تُعقد بين أعمال يدعمها النظام وأول عمل معارض على الإطلاق فقط، بل بين مسلسلات قوامها حكايات متخيّلة وعابرة تنأى بنفسها عن الواقع وعما يعني السوريين ويشغلهم، ومسلسل يروي حكايتهم من وجهة نظرهم ويفسّر أسباب ما آلت إليه أحوالهم.

تفوّقت الحكاية المتخيّلة المسليّة والعابرة، بما تنطوي عليه من بطولات وهمية جذّابة وأبطال خارقين على شاكلة روبن هود، على التي تسعى إلى محاكاة الواقع وتجسيده لدى هؤلاء لأسباب واضحة تدور مدار النيل من المسلسل، الذي جلسوا إلى مشاهدته محمّلين بتوقعات هائلة وغير مبررة، ولا يبدو أنها بريئة، زعموا أنها خابت منذ أولى دقائق حلقته الأولى. والخيبة هنا معدّة مسبقًا إلى جانب التوقعات، بل يبدو أن الأخيرة هي الوسيلة لبلوغ الأولى.

المفارقة أن هذه المسلسلات التي لجأوا إليها لمهاجمة "ابتسم أيها الجنرال"، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، لا تخلو من أخطاء فنية وإخراجية لم ينتبه لها سوى قلة قليلة لسبب بسيط هو أن الجميع هنا مأخوذ بالحكاية والأداء وليس هناك نوايا مسبقة تجاهها تدفعهم إلى ترصد أخطائها، على عكس "ابتسم أيها الجنرال" الذي لا يعني هؤلاء منه سوى ما يمكّنهم من مواصلة هجومهم عليه، دون أخذ قوة القصة والأداء بعين الاعتبار.

الملفت أيضًا في بعض هذه المقارنات أنها تسعى إلى أخذ العمل إلى سياقات، بعضها طائفي، تصرف أو تحرف الأنظار عن حكايته وغايته. لكن ذلك لا يغيّر حقيقة أن "ابتسم أيها الجنرال" عمل استثنائي لا يضاهيه أي عمل آخر في فضحه للنظام السوري من الأعلى، من داخل قصر رأسه وكبار أعوانه. وأنه أول عمل يغوص في أعماق هذا النظام ويكشف تناقضاته وطبيعة علاقات أركانه ببعضهم البعض.

أصوات من تحت الركام

وهو كذلك أول مسلسل يحمّل الرئيس، لا معاونيه ومستشاريه وكبار ضبّاط مخابراته، مسؤولية القمع والاستبداد والفساد. أول عمل يشير، بجرأة، إلى أن الشر الذي اعتادت المسلسلات السورية حصره في مكاتب المسؤولين وضبّاط المخابرات، مصدره مكتب الرئيس، أصل الخراب. وما يحدث خارج قصره، على اختلاف أشكاله ومسمياته، غايته واحدة: ترسيخ حكمه.

الحكم الذي ورثه عن والده وانتزعه بالدم حين حاول بعض جنرالات الجيش انتزاعه منه. وبالدم كرّسه داخل قصره وخارجه، وبه كذلك يسعى إلى الحفاظ عليه في وجه تهديدات شقيقه الذي يتوسّل بدوره القوة والدم لسحبه منه. هذه هي، ببساطة، البيئة التي بناها الرئيس القائد، ويسعى خلَفَه للحفاظ عليها، ويستند شقيقه إليها للوصول إلى كرسي الرئاسة.