09-أكتوبر-2022
طفلة في دقيقة صمت على الضحايا في المدرسة

طفلة تشارك بدقيقة صمت على ضحايا الهجوم في المدرسة (Getty)

جريمة قتل جماعي مرعبة شهدتها بلدة أوتاي ساوان في جمهورية تايلاند، ذهب ضحيتها 37 شخصًا على الأقل من بينهم 23 طفلًا.

وبحسب ما أوردت وكالات أنباء محلية وأجنبية، فإن شرطيًا سابقًا في تايلاند أقدم على اقتحام إحدى الحضانات التي تختص برعاية الأطفال بين عمر سنتين وخمس سنوات، في البلدة التي تبعد حوالي 500 كيلومتر عن العاصمة بانكوك، وقام بطعن وإطلاق رصاص على الموجودين فيها. وبعد مغادرة الجاني دار الحضانة حيث تبعثرت جثث قتلاه، عاد الشرطي السابق إلى منزله، وأقدم على قتل زوجته وابنه بالرصاص، ومن ثم قتل نفسه، بحسب ما أفادت وكالة بلومبيرغ.

THAILAND-SHOOTING-CHILDREN

وأشارت الشرطة إلى أنها تعرفت على المهاجم واسمه "بانيا خامراب"، 34 عامًا، وهو برتبة رقيب في الشرطة تم تسريحه من الشرطة ويخضع للمحاكمة بسبب اتهامات تتعلق بالمخدرات. لكن تقرير الشرطة أشار بعد تشريح جثة خامراب إلى أنه لم يتعاط المخدرات في اليوم الذي أقدم فيه على جريمته. وقال رئيس الشرطة دامروجساك كيبراهات أن "الدوافع على الأرجح هي البطالة، الإفلاس من المال، إضافة إلى مشاكل عائلية"، مضيفًا إلى أن المهاجم وزوجته كانا يعانيان من "مشاكل مستمرة"، بحسب ما نقلت وكالة رويترز.

وتتراوح أعمار الأطفال بين العامين والخمسة أعوام، وقد طعنوا بسكاكين فيما قتل الأشخاص البالغون بواسطة الرصاص، بينما نجا من المذبحة ثلاثة صبية وفتاة واحدة تم نقلهم إلى المستشفى لتلقي العلاج. وبحسب العاملين في المركز، فقد تصادف أن يوم ارتكاب الجريمة قد شهد عاصفة مطرية، لذا كان هناك غياب عدد كبير من الأطفال.

THAILAND-SHOOTING-CHILDREN

وأفاد أحد الشهود بأنه رأى الجاني يخرج بهدوء من مركز الحضانة بعد المذبحة مباشرة "كما لو كان خارجًا في نزهة عادية". وأما والدة الجاني فقالت في إفادتها "لا أعرف لماذا فعل ذلك، لكنه كان يتعرض لضغوط كبيرة" مستشهدة بالديون التي تراكمت على ابنها، وكذلك تعاطيه للمخدرات. وأشارت الوالدة بالقول "الجريمة كانت قاسية جدًا، ولقد رأيت صورة جثة طفلي، وأنا منهارة كليًا بسبب ما حدث"، وأضافت "كنت على معرفة بالقاتل منذ صغره، وكان أداؤه جيدًا في المدرسة، لكنه انحرف إلى المجهول وجعل حياتنا كالجحيم".

THAILAND-SHOOTING-CHILDREN

وقد نكست المباني الحكومية أعلامها حدادًا على الضحايا في تايلاند. وقالت المتحدثة باسم الحكومة، أنوتشا بوراباتشيسري، إن الحكومة ستبذل قصارى جهدها لرعاية عائلات الضحايا، وطلب رئيس الوزراء من الجميع "أن يكونوا أقوياء لتجاوز هذه الخسارة الكبيرة". فيما زار الملك، ماها فاجيرال ونكورن، المستشفى حيث يتواجد المصابون الناجون من المذبحة بحسب ما وصفت الجريمة في وسائل إعلام محلية وعالمية.

وفي أبرز مواقف التضامن من المجتمع الدولي، أعلن الفاتيكان في رسالة بأن "البابا فرنسيس يشعر بحزن شديد بسبب الهجوم المروع"، وأدانت رسالة الفاتيكان الجريمة واعتبرتها "عملًا من أعمال العنف التي لا يمكن التعبير عنها ضد الأطفال الأبرياء". وكذلك أعرب البيت الأبيض عن صدمتهما بالهجوم، وعبر في بيان عن التعازي لأسر الضحايا، وهو الموقف ذاته الذي صدر عن الأمم المتحدة على لسان أمينها العام، أنطونيو غوتيريش. 

انكسارات كبيرة

بعد يوم على وقوع المذبحة، توجه أهالي وأقارب الضحايا إلى الحضانة وحملوا ألعاب أطفالهم وأشياءهم ونثروا الورود في المكان، وسط حالة من البكاء سيطرت على الموقف، وهذا في وقت عمت مشاعر الحزن والغضب والذهول أرجاء البلاد. عمة أحد الأطفال هرعت إلى المكان بعد سماعها الخبر ورأت جثة ابن أخيها الذي ترعاه فيما والداه يعملان في العاصمة بانكوك، وبدات بلملمة ألعابه وضمتهم إلى صدرها. كثيرون من الأهالي والأقارب دخلوا في حالة من الانهيار وقدمت لهم الإسعافات الأولية في مبنى المدرسة، في الوقت الذي باشرت السلطات بالتحضير والعمل على إقامة الجنازات ومراسم الدفن.

حكايا كثيرة لا تعد ولا تحصى تناقلها الأهالي والأقرباء وكل من عرف الضحايا. والدة أحد الأطفال البالغ من العمر 4 سنوات، صرحت بالقول أن طفلها كان نائمًا حين تلقى طعنة سكين في وجهه.

THAILAND-SHOOTING-CHILDREN

إحدى الجدات قرأت اسم حفيدها في لائحة الضحايا فأغمي عليها. وأشارت إلى أن حفيدها طفل مرح ومتحدث بارع. وأما بيسنا تانا، وهي أم لتوأم في الثالثة من العمر، ولقيا مصرعهما في الحادثة. قالت بيسنا وزوجها يجلس إلى جانبها "توأمي أحبا الرقص، وكانا يحبا الاستماع للقصص الخيالية، وكانا يحبان اللعب مع بعضهما البعض"، وأضافت "إنه أمر شديد القساوة، وأنا غاضبة لأن المسلح فعل هذا للأطفال الذين ليس لديهم القوة لحماية أنفسهم"، بحسب ما أوردت صحيفة الغارديان البريطانية.

هذا ويشار إلى أن هيئات طبية بدأت بتقديم الدعم في مجال الصحة العقلية والنفسية للأهل، حيث عانى منهم من الامتناع عن الأكل والشرب فيما أصيب آخرون بأشكال مختلفة من الانهيارات النفسية والجسمانية. وقد عمد العديد من السكان إلى تقديم المعونات للأهل كالأغطية وغيرها من المستلزمات طوال فترة تواجدهم في محيط مركز الحضانة.

مذبحة من بين الأفظع من نوعها

شهد التاريخ العديد من المجازر البشعة التي راح ضحيتها عشرات الأطفال على يد شخص واحد. ففي النرويج عام 2011، قتل الأستاذ أندرس بريفيك، 69 شخصًا، معظمهم من المراهقين، في إحدى المخيمات الصيفية. وقد طال القتل 20 طفلًا في مدرسة ساندي هوك الابتدائية في نيوتاون كونيتيكت في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2012، وفي مدرسة دانبلين في اسكتلندا لقي 16 طفلًا حتفهم عام 1996، وفي مدرسة تكساس في الولايات المتحدة الأمريكية قتل 19 طفلًا مؤخرًا. لكن البعض وصف جريمة مدرسة تايلاند يكونها من الجرائم الأسوأ في تاريخ البلاد، بالرغم من كونها جرائم نادرة الحصول. وتجدر الإشارة إلى أنه عام 2020، قام جندي غاضب بالهجوم على عدة مواقع في نفس المحيط وقتل 29 شخصًا وبينما أصيب حوالي 60 آخرون في الحادثة، إلا أنه لم يسبق وقوع هجوم مماثل ضد أطفال. 

في كل مرة، تفتح هذه الجرائم باب النقاش على تفشي السلاح الفردي بين الناس بحسب كل بلد والقوانين المعمول بها

وفي كل مرة، تفتح هذه الجرائم باب النقاش على تفشي السلاح الفردي بين الناس بحسب كل بلد والقوانين المعمول بها، وهامش الحرية المتاح لشراء واقتناء أسلحة فردية في بعض الدول، في مقابل التضييق على امتلاك السلاح في دول أخرى. ففي تايلاند، فإن قوانين الأسلحة صارمة، حيث يعاقب بتهمة حيازة سلاح ناري غير قانوني بالسجن لمدة تصل إلى 10 سنوات. لكن امتلاك الأسلحة مرتفع مقارنة ببعض دول جنوب شرق آسيا، والأسلحة غير المسجلة شائعة، حيث يتم تهريبها عبر الحدود من الدول المجاورة. يضاف إلى ذلك أن المخدرات رخيصة جدًا في البلاد وتتطلب مكافحتها جهودًا أكبر من قبل الأجهزة المعنية في البلاد.