09-يونيو-2020

محمد رشيد رضا (هارجا سابوترا)

قدّم المؤرخ اللبناني وجيه كوثراني في هذا الكتاب شريحةً من شرائح تاريخ المشرق العربي وأهمّ القضايا الفكرية المحورية التي مرّ بها من خلال تحليلٍ واستعراضٍ وثائقيّ حول إحدى الشخصيات التي عاصرت مقدمات الحرب العالمية الأولى وما بعدها من تشكل الكيانات العربية، الشيخ الفقيه محمد رشيد رضا.

من ملامح تقلب محمد رشيد رضا في مراحل حياته أنه كان رهنًا للتبرير للوجود الاستعماري في مصر وبذات الوقت كان لا يؤلّب الناس على سلطان الدولة العثمانية في إسطنبول

تأتي الدراسة تحت عنوان:  مختارات سياسية من مجلة "المنار" لرشيد رضا، عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2019، وتتكون من قسمين أولهما يحلل فيه كوثراني المحتوى العام للوثائق تحت الدراسة في مقدمة طويلة للكتاب، وفي القسم الثاني نرى عرض تلك الوثائق في خمسة فصول والتي هي عبارة عن إحدى وعشرين مقالة مختارة بعناية من مجلة المنار (1898-1935) بحيث تؤدي غرض الدراسة.

محاور شخصية رشيد رضا

يختار كوثراني تلك المقالات من أجل تسليط الضوء على مراحل رشيد رضا الحرجة في حياته، دون حياته العامّة على وجه التحديد كما يوضّح، والتي "بدا" فيها متقلّبًا في الانتقال بين ثلاثة محاور رئيسة أولها المحور السياسي الداخلي ثم المحور الاستعماري الغربي ثم الفكري الإصلاحي. كانت هذه المحاور هي المحركات الرئيسة في تسيير رشيد رضا من مرحلة لأخرى.

اقرأ/ي أيضًا: كتاب "مختارات سياسية من مجلّة المنار لرشيد رضا".. أفكار مبكرة في الإصلاح

يمكن الحديث عن المحور السياسي الداخلي حين تقلبه في المدى الإسلامي والوطني عندما انتقل من جمعية الشورى العثمانية نحو هوى حزب اللامركزية الذي ضم العديد من التوجهات الفرعية وحتى وصوله إلى المؤتمر العربي السوري والتوجّهات العروبية المختلفة من مشروع الشريف حسين وأبنائه، وعلى وجه الخصوص فيصل واضطرابات رشيد رضا معه إلى عبد العزيز بن سعود وابنه فيصل.

وأمّا محور الاستعمار فقد بنى رشيد رضا من خلاله موقفين بارزين، الأول عند إقامته في مصر خلال وجودها تحت الهيمنة الإنجليزية، بالخصوص اعتباره اللورد كرومر يسير في طريق "استعمار" مصر بالمعنى الإيجابي وأن مسير الغوغاء من الشعب ومن يحشدهم يؤدي لتخريب هذا "الاستعمار"، والموقف الثاني هو حين "تكشّف" له "الوجه السلبي" من هذا الاستعمار فيما بعد.

وعند الحديث عن المحور الفكري فإنّه كان متماهيًا مع المحورين السابقين دونما فصل له عنهما، فكان من خلال التنظير للبقاء تحت ظلّ خلافة غير القرشي ومن ثمّ العودة لبناء الدولة ضمن ما يسمّيه "المسألة العربية" في الخلافة المترددة بين أكثر من انتماء منه للأشراف أو للسعوديين، ولكنّه خصصه في الحجاز لمكانتها الدينية، ثم العودة للحديث عن تعاون تركيّ 1923 مع الكمالية ثم الرجوع عن هذه الفكرة في 1926.

لذلك فإن تقلبه في مراحل حياته كان رهنًا لهذه المحاور التي رسمت انتقاله من التبرير للوجود الاستعماري في مصر وبذات الوقت كان لا يؤلّب الناس على سلطان الدولة العثمانية في إسطنبول، إذ كان يرى في استقرار الأوضاع على ما هي عليه مع إصلاحها في الجانبين المصري والعثماني أولى من أية "قيامة" وكانت هذه المرحلة الأولى في أوائل صدور مجلة المنار كون الدراسة أصلًا لا تخرج عن بيئة هذه المجلة.

مراحل رشيد رضا الحرجة

في المرحلة الأولى كانت إقامته في مصر، هي ما جعلته يختار عدم تثويّر نفسه على سلطة الإنجليز إذ كان من أصله لا يودّ الإقامة في بيروت ونواحيها لكونه تبنّى الكتابة ضد النظام الحميدي المستبد، فليس من قدرته الكتابة ضد الإنجليز لو كان يريد استمرار مسيرته الإصلاحية الفكرية العثمانية، حيث يبدي انكماشه عن الكتابة في السياسة المصرية الإنجليزية. 

تمامًا كما جعل نفسه قدوة لمحمد عبده إذ يبين أن له مساقًا سياسيًا تركه لصالح الاشتغال بالفكر والتربية، لذلك جعل من "الأستاذ الإمام" له قدوة، وانتقد مع ذلك اشتغال الأفغاني بالسياسة وعلل بذلك عدم نجاحه كما نجح محمد عبده في دعوته، ومع اضطرابات الانقلاب الدستوري الناعم 1908 في الأستانة كان لابد له أن ينتقل إلى مرحلته الثانية.

في المرحلة الثانية بدا له أن هواه الإصلاحي في التخلص من الاستبداد السلطاني ظهر أمامه، ومع ذلك بالتوازي استشعر أكثر معنى الوجود الاقتصادي وانتشار الرأسماليات في الشرق الأوسط، لكونه خالط الأحداث الساخنة في بيروت حيث بعد عام من الإعلان الدستوري يتم الانقلاب على السلطان عبد الحميد الثاني 1909 وخلعه ليدخل رضا مرحلة البحث عن طرق تثبيت هذا الإصلاح والتنظير له.

في هذه المرحلة لا يلبث فيها إلا نحو سنتين ففي عام 1911 يبدأ يخرج عن دفاعه المستميت في الوحدة بين العرب والأتراك و"محاولة" التنظير للتشبيك بين سائر تيارات الوصال مع العثمانيين و"اللامركزية"، والتي لا يتبنى فيها موقفًا مماثلًا لأمير البيان شكيب أرسلان بشكل ثابت، بل ينتقل منقبضًا نحو الداخل العربي، وهنا تخرج لنا بوادر المرحلة الثالثة التي هي أكثر تعقيدًا، ولا تبدو مجرد البحث عن "عصبية عربية" ما.

انفصمت هذه المرحلة إلى ثلاثة عصبيات، عصبية تأييده للشريف حسين وأبنائه بالعموم 1916، ثم العصبية السورية 1919 التي عارض فيها انشقاقات مسيحية ولاقى فيها مصاعب جمّة نقلته إلى "العصبية السعودية" (ما بعد 1920)، وما حصل بين ذلك من اضطرابات/اجتهادات في آرائه حول تأييد تعاون ما مع الأتراك الكماليين بتردد لكونه استشعر بعد ذلك منهم ما قد ذاقه العرب من الاتحاديين ليرجع عن هذا كما يبينه في مخاطبة لشكيب أرسلان.

متغيرات رشيد رضا التي تكتنز ثابتًا ما

كان هذا التقلّب، وفق ما يشير كوثراني، له ما يفصح عنه كون رشيد رضا فقيهًا ينتهج مسلك التبرير الفقهي الكلاسيكي للسلطان المتغلب، سواء أكان مستعمرًا غربيًا أو مسلمًا، وليس لديه استراتيجية سياسية مستقبلية يرسمها، فلم يكن رجل سياسة له خطة عمل سياسي ما أو انتماء حزبيّ، وأنّه عاش يومه وظرفه بناء على التأثر بالفعل ورد الفعل.

يمكن تسليط الضوء على كون محمد رشيد رضا صاحب نزعة سلفية إصلاحية بالعودة إلى التراث أكثر من انتمائه لتيار سلفي ما كالوهابية 

كان تأثر رشيد رضا ليس فقط بمحمد عبده بدرجة أساسية، ولكنّه أخذ من جمال الدين الأفغاني وإن لم يكنّ لطريقته في الإصلاح الودّ، فهو وإن اتّعظ بـ"عبده" أكثر كان قد أسس مجلة المنار اقتداء بالأفغاني الذي أسس "العروة الوثقى" فهي استكمال لمشروع سياسي على أي حال، وإن كان مسلكه "ليس سياسيًا"، كما يحب أن يصف نفسه، فتنظيره منها سياسي واضح، أو هو يريد تبنّ موقفًا سياسيًا وإن كان ليس ذلك الشخص الذي يُسمع له كما يشير المفكّر خالد زيادة.

اقرأ/ي أيضًا: كتاب "السلطة والمجتمع" تفكيك الذاكرة ورصد التاريخ السوري

كذلك هنا يمكن تسليط الضوء على كونه صاحب نزعة سلفية إصلاحية بالعودة إلى التراث أكثر من انتمائه لتيار سلفي ما كالوهابية مثلًا، فلمّا يؤلّف كتابًا قبل ولوجه مصر تحت عنوان «الحكمة الشرعية في محاكمة القادرية والرفاعية» من أجل محاربة أفاعيل "شيخ السلطان" أبو الهدى الصيادي الرفاعي ومحاربة "التصوّف الشعبي" الذي يستلب يقظة مجتمعية تعطي لمحةً عن أسبقية هذا الاتجاه عنده قبل بكثير من تأييده للسعوديين.

ومن المحرّكات التي كانت تتحكم برشيد رضا هو سير الأحداث، فبينما كان أقرانه ثبتوا على موقف سياسيّ واحد في أي من تلك المراحل المذكورة، كانت له تجربة في كل تلك المراحل كما تقدّم.

من الأمور الواضحة في شخصية رشيد رضا هي كونه ليس برجل سياسة مع حديثه فيها، حيث كانت من ترشيحاته الأكثر تفضيلًا فيما بعد هي الأمير فيصل بن عبد العزيز لرئاسة سوريا، تحت حكم ملكيّ، حيث اعتبر "تقاه وورعه وأنّه من عائلة طيّبة" أمرًا كافيًا دونما أخذٍ لعوامل أخرى أكثر أهمية في المجتمع السوري بمعناه العام، يضاف إليه أنّه اقتصر المشكلة السورية في هذا الموضع على قضية اختلاف البدو فيها وأن فيصل خير من يوفّق بينهم مع إغفال الكثير من البِنى المجتمعية الأخرى.

الاستبداد الجماعيّ بطانة الاستبداد الفرديّ وسلاح الفقه التبريري 

كانت معادلة محاربته للاستبداد كذلك واضحة جليّة، فهو قد وجّه سهامه نحو إصلاح النظام العثماني ما قبل إعلان الدستور، كما كان هذا الأمر شائعًا آنذاك في الصحف والمدوّنات، ولكن ما إن زال هذا الاستبداد الفردي، حتى تكشّف من وراءه "استبداد الجماعة"، الذي يبدو أن رشيد رضا وغيره الكثير لم يحسب حسابه حيث انفجرت التفسّخات الفرعية في سائر التيارات العربية على أشدّها.

تتضح مسألة حشد الأدلة ضد/مع أي مشروع من المشاريع التي ناصرها عند التنظير لها في المنار، فعندما كان مع "العثمانية" جمع ما يمكن من إيجابيات "الجامعة الإسلامية" وندّد بسلبيات ما يضادّها، وكذلك فعل عند مناصرته للعصبية العربية بأشكالها "الشريفية" والسورية والسعودية.

مثل ذلك نراه في التبرير للاتحاديين في بداية ممارساتهم قبل توحّشها بين (1909-1912) بأن "الشوفينيّ منهم ليس من أصل تركي"، من أجل حشد الرابطة بين العرب والأتراك، ثم لا يفتؤ التركيز بعدها على خطاب الكراهية العنصري ضد العرب في الصحف المختلفة من مصر "جريدة الترك" وفي إستانبول "طنين" و"إقدام" ووسمه الاتحاد والترقي بـ"الافتراق والتدلي".

كما ليعود بعد عهد الاتحاديين لتقديم استعداد للتعاون مع الأتراك بتبريره أن «في الترك قابلية حكم ودراية أقوى منها في سائر الشعوب العثمانية»، ولكنّه يغيّر أقواله فيما بعد ليبين أن الأتراك أصبحوا "لا دينيين" ويجب التمايز عن مشروعهم.

فقه الاستعانة بالكافر والتأسيس للثورة الحديثة

وعند الحديث عن بريئته الفقهائية التي فيها يتخيّر ما يشتهي من استدلالات لكي يبرر ما يراه الأنفع لمصلحة الأمة، تعرض علينا مشكلة جدّ مهمّة، وهي الحديث عن تغلّب واستيلاء غير المسلم على المسلم، والتي قد تعود في أصلها في التاريخ الحديث للاحتلال الفرنسي لمصر، هنا يبين لنا كوثراني أن خلفية رشيد رضا ليست الوحيدة آنذاك في هذا الحال، بل كانت لدى الشريف حسين وابن سعود كذلك.

يذكر رشيد رضا في معرض هذا الأمر النص التالي: «ذلك شأن القوة، تقول وتفعل ما تشاء، ولا تخشى معارضًا، فجازى الله رؤساءنا الذين أذلونا بظلمهم وجهلهم واستبدادهم! واضعفوا حجتنا وسلطتنا؛ حتى "صار بعض الأجانب أرحم لنا منهم" فهو [الأجنبي] يدل علينا بعدله الإضافي، ولولا ذلك الإذلال لما كان هذا الإدلال»، قد يكون تَرَك التبرير للإنكليزي في مصر، ولكن مثل هذه العقلية تفسّر بيئة فقهية منتشرة من هذا النمط آنذاك. 

وضمن هذا السياق التبريري لثورة الشريف الحسين بن علي يبيّن أنّ ثورته قامت من أجل حماية الحجاز من الغزو الغربي وحقن دماء المسلمين وحمايتهم من استبداد الأتراك، ولكنه يقول بعدها أن «المُلك والخلافة يتوقفان على الثروة والقوة، وأين هما من الحجاز وأين الحجاز منهما؟!» ليصدّق الشريف الحسين على جملته وقتها وأنّه اضطر في سبيل حماية الأمة لهذا الأمر.

كذلك يبدو أنّه لم ينتظر أحدٌ منه رأيًا ما، فخطبته في دمشق أو في مكة كانت كالذي يضرب ضربته ثمّ يهرب، يبدي رأيه في الأحداث ثم لا يجد ثمار ما يريده تطبّق هنا أو هناك، قد يكون هذا لعدم حيازته المكانة السياسية أو القبلية التي تجعل منه مسموع الكلمة، ولو كان، لأضاف إلى جموع التيارات العديدة اختلاف مع اختلافهم وقتها.

لكن من المواقف المثيرة له عند انقلابه على الأشراف وتنظيره في المنار لدعم "العصبية السعودية"، حيث يبيّن أن الأشراف لم يكونوا أهلًا لحماية المسلمين وأن مشروعهم ليس كما يجب وأنّهم أخذوا الدعم من الإنجليز، وهو في ذات الوقت يرى السعوديين تحصّلوا على الدعم من ذات الجهة الإنجليزية. 

فقيه يحاول صعود منبر السياسة بتردد

يتّضح من توتّر مواقف رشيد رضا أمرًا آخر مهم، قد يكون هو المُجلّي لسلوكه هذا، فهو في خطبته بمنى مكة يعرض عليه الأديب الشيخ عبد الملك الخطيب مبايعة الشريف حسين وقتها، ولكنه يتحرّز من ذلك، لكون الشريف أصلًا لم يعلن ذاته خليفة وقتها. وتوتّر آخر ناتج عمّا رآه من ضوضاء حكومات الدول المتعددة لما اتّجه ناحية العصبية السورية ليفجع بتياريّ "الاحتلاليين والاستقلاليين"، أي أنصار الاستعمار وأنصار الاستقلال ويتردد بعدها من تقديم دعم واضح.

يمكن اعتبار تنظير محمد رشيد رضا لدعم "الوحدة العثمانية" في الوقت ذاته الذي يستعمل عبارات من مثيل "الفرد المصري والفرد العثماني"، حالة تنظيرية مثيرة للجدل 

كما أنّه يرى الدعم الشحيح والبخيل لتأسيس التربية والتعليم الإسلاميين قبالة انتشارٍ متفشٍّ لمدارس الإرساليات المسيحية التي "تلعب بها أصابع الاستعمار في سوريا"، حتى أنّه لا ينجح بتأسيس مشروع وطني؛ لا إسلامي ولا مسيحي، كنوع من العلمنة، نتاج التصدّع في الجسد السوري آنذاك، يقابله سطحية/عدم وضوح في "التنظير" لمشروع سوريا أيكون "ملكية أم دستورية" وميله إلى كون الملكية أكثر استقرارًا.

اقرأ/ي أيضًا: كتاب "حرب حزيران".. من أجل جمع خيوط الرواية العربية للحرب

ثمّة منحىً آخر مثير للجدل لدى رشيد رضا ألا وهو تنظيره لدعم "الوحدة العثمانية" في الوقت ذاته الذي يستعمل عبارات من مثيل "الفرد المصري والفرد العثماني"، يعني كأنّه يقرّ بوجود فرقة بين المسلمين أو المواطنين في المشرق العربي بين مصريين وآخرين عثمانيين في الشام والعراق والحجاز واليمن والأناضول ولكنّ لسان ظاهره لا يعرب عمّا في باطن الأمر الذي فيه تبدو الفرقة بائنة.

من أوجه المفارقات التي يكشف رشيد رضا ضمن هيئته السلفية الإصلاحية هي دعوته للشكل النظيف والنقيّ من الشورى، أي تلك المقيِّدة، وكما يسمّيها محمد حسين النائني في مدوناته بـ"المشروطة"، وهي في الأدبيات العثمانية "المشروطية"، التي عرفت بالشورى المُلزمة الدستورية، لا المُعلمة، فالمفارقة، كما يشير، أن المسلمين اكتشفوها نتاج التأثر من أوروبا لا من ذواتهم، ولعل هذا ساهم في تعميق المشكلة بوجه من الوجوه. 

ومع أن موقفه ليس مساندًا تمامًا لفيصل بن الحسين في سوريا نتاج تعدد التيارات فيها، ولكنه تغاضى عن مشاكل العصبيات في الجزيرة العربية واليمن كوجود الإدريسي والرشيد بحيث ساند آل سعود فقط لأن لهم تغلّب ما على الجزيرة، دون اعتباره أن تغلّبهم هم الآخرين كان إنجليزيًا، وأن "الثروة والقوة" التي نعاها على الأشراف يأتي هنا ليتجاهل عدم وجودها لدى السعوديين.

حيث اعتبر أن تغلّب آل سعود هو من ذاتهم وأنّهم لم يجلبوا استعمارًا ما، دون استحضاره لمسألة البترول على سبيل المثال، والذي قامت القيامة عليه بين الإنكليز والفرنسيين في العراق والموصل حيث كانت ساحة الصراع الحقيقية المركزية للاستعمار، فلم يسلّط الضوء على هذه القضايا المحورية بالنسبة لشركات الاستعمار؛ واقتصاره تقديم قضية حماية المقدّسات في الحجاز مهما كان الحامي لها، دونما التركيز على ربطها بالمناطق الشمالية للجزيرة ذات العمق الاستراتيجي للحجاز، أو هو هوى فقيه يروم السياسة. 

نجد مثل هذا الموقف الذي لا ينمّ عن رجل له استراتيجية سياسية واضحة هو تقريعه الاتحاديين في حقنهم الدولة العثمانية بالألمان، وهو لم يعرف أن الاتحاديين تعلّموا هذه العادة من السلطان عبد الحميد الثاني، ولكنّه اختار توجيه سهام نقده للاتحاديين كونه يلعب دور الفقيه الذي لابد أن يجد تبريرًا ما لبيان سلبيات الاتحاديين ليسهل تنظيره في بناء "عصبية عربية". هذه التجلّيات التي تظهر على الأقل من المقالات تحت الفحص في هذا الكتاب، كما يشير كوثراني، بأنه بحثٌ يفيد طرح ومضات تستلزم التنقيب اللاحق.

 

اقرأ/ي أيضًا:

بورديو "عن الدولة".. التفكير في العصي على التفكير

4 مداخل للمهتمين في العلوم الاجتماعية

كتاب "بلاد الشام في مطلع القرن العشرين".. تشريح المكان والتاريخ