26-مايو-2020

كتاب "حرب حزيران/يونيو 1967 مسارات الحرب وتداعياتها" (ألترا صوت)

يوافق الخامس من شهر حزيران/ يونيو المقبل مرور ثلاثة وخمسين عامًا على حرب 1967؛ إذ قامت إسرائيل بالاعتداء على كل من مصر والأردن وسوريا خلال الفترة 5 – 10 حزيران/ يونيو 1967، واستطاعت احتلال ثلاثة أضعاف مساحتها حيث بسطت كامل سيطرتها على كل من سيناء وقطاع غزة والضفة الغربية وهضبة الجولان، وقامت بتهجير معظم سكانها.

باستثناء تكرّس مقولة إنّ الحرب مثّلت بنتائجها صدمةً للوعي والوجدان العربيين، ما زالت الكتابات العربية عن حرب 1967، بعد مرور نصف قرن ويزيد عليها، محدودةً

باستثناء تكرّس مقولة إنّ الحرب مثّلت بنتائجها صدمةً للوعي والوجدان العربيين، ما زالت الكتابات العربية عن حرب 1967، بعد مرور نصف قرن ويزيد عليها، محدودةً. لذا، جاء هذا الكتاب الذي يحمل عنوان "حرب حزيران/يونيو 1967 مسارات الحرب وتداعياتها" (المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2020) كي يجمع خيوط الرواية العربية للحرب، ويحاول تقديم معالجات جديدة لمجريات الحرب، في سياق وضعٍ حرج، من ناحية إيستوريوغرافية، يواجهه المؤرخ العربي، متمثل بغياب الأرشيف العربي لهذه الحرب، وبغياب أي روايات رسمية عربية عنها. وعلى الرغم من كثرة الكتابات العربية عن حرب حزيران/ يونيو 1967، فإنها ما تزال معدودة بالنسبة إلى حدث مفصلي تاريخي ترك آثاره، وما يزال، في المصير العربي برمته.

اقرأ/ي أيضًا: كتاب "السلطة والمجتمع" تفكيك الذاكرة ورصد التاريخ السوري

إن فصول هذا الكتاب الذي تقع في اثني عشر فصلًا خطها أكاديميون وباحثون عرب قارب كل منهم الحرب من زوايا علمية محددة تعيد تركيب المشهد العسكري والسياسي والاقتصادي للحرب بعيون عربية، تلك الحرب التي عدها المفكر العربي عزمي بشارة في بحثه في هذا الكتاب أنها تاريخ نشوء إسرائيل الحقيقي، فقد كانت إسرائيل قبل مشروعًا غير مستقرٍّ في نظر الحركة الصهيونيّة وما سُمّي "يهود الشتات" الذين أقنعتهم حرب 1967 أنّ إسرائيل أكثر من مغامرة، وأنها مشروعٌ مضمون؛ فتكثّفت الهجرة إليها بعدها، وتدفقت الاستثمارات أضعافًا مضاعفةً، وانتقلت إسرائيل من اقتصاد القطاع العامّ الاستيطاني التعبوي إلى اللبرلة الاقتصادية.

كما تناولت فصول الكتاب مسارات الحرب على الجبهات الثلاثة المصرية والسورية والأردنية، حتى تجيب عن سؤال ما الذي جرى عسكريًا على تلك الجبهات؟ وهل كانت الهزيمة حتمية؟ وما هي العوامل التي قادت إلى انهيار جيوش تلك الدول أمام جيش الاحتلال الإسرائيلي، لا سيما أن معظم الكتابات العربية عن مسارات الحرب عسكريًّا جزء من المعركة الأيديولوجية والسياسية بين الأنظمة والقوى السياسية الحزبية العربية، كما أنها هدفت، في إجمالها، إلى تبرئة طرف وتحميل طرف آخر مسؤولية الهزيمة فيها، سواء أكان هذا الطرف نظامًا سياسيًا أم تيارًا سياسيًا/ أيديولوجيًا؟

لذا يأتي هذا الكتاب كي يسدّ بعض جوانب هذه الثغرة، إلى حدٍّ ما، في الدراسات العربية ذات الصلة؛ وذلك عبر البحث في الحرب ذاتها من زاوية نظر التاريخ العسكري والتحليل الاستراتيجي، مع محاولة تقديم معالجات جديدة لآثارها وتداعياتها على القضية الفلسطينية حيث صعدت الفصائل الفلسطينية المسلحة "حملة البنادق" بعد الحرب مباشرة، والتي سيطرت على منظمة التحرير الفلسطينية، كما كان للحرب تداعيات على اقتصاد الضفة الغربية وقطاع غزة وبعث القوى المقاومة فيهما.

ولم تغفل فصول الكتاب التطرق إلى عملية صنع قرار الحرب داخل إسرائيل وتأثير البيئة الإقليمية والدولية على مسارات الحرب، فقد ركزت إحدى فصول الكتاب في دراسة دور الأمم المتحدة وقوات الطوارئ وحول إمكانياتها تطويق الحرب والحؤول دون نشوبها، بعد أن كانت مصر قد طلبت عشية اندلاع الحرب انسحابها من الحدود المصرية مع فلسطين المحتلة، ومن ثم إعلانها إغلاق مضيق تيران في 22 أيار/مايو 1967 من العوامل الأساسية في نشوب الحرب. كما عالج أحد فصول الكتاب الموقف الأمريكي من الحرب، من خلال البحث في أرشيف الوثائق الأمريكية الصادرة عن الخارجية الأمريكية ووكالة الاستخبارات الأمريكية قبل الحرب وخلالها.

يخال المراقب القرارات الأمريكية التي صدرت خلال السنوات الماضية من حكم ترامب قد صيغت بعقول وأقلام صهيونية يمينية في إسرائيل

وليس بخاف على أحد أن الأساس السياسي والقانوني الذي قامت عليه الاتفاقات السياسية بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية هو انسحابها من الأراضي المحتلة عام 67 وإقامة الدولة الفلسطينية المنشودة عاصمتها القدس، وهو ما لم يتحقق بفعل ممارسات الاحتلال الإسرائيلي وفق منهج منظم بالتغول والتوسع في الضفة الغربية التي باتت تقطع أوصالها الكتل الاستيطانية الكبرى وجدار الفصل العنصري، أما قطاع غزة الذي انسحبت منه إسرائيل عام 2005 فقد فرضت عليه حصارًا خانقًا وغير إنساني يكتوي بناره أكثر من مليوني مواطن فلسطيني في مساحة لا تزيد عن 360 كم²، إضافة إلى شنها ثلاثة حروب مدمرة على القطاع أعوام: 2014، 2012،2008.

اقرأ/ي أيضًا: عزمي بشارة في الإجابة على سؤال "ما العمل؟" إزاء صفقة ترامب-نتنياهو

اليوم تحاول إسرائيل طمس كافة الحقائق السياسية والتاريخية وفرض واقع جديد مستفيدة من تحالف اليمين في إسرائيل مع إدارة دونالد ترمب الشعبوية اليمينية المنحازة بشكل سافر لتوجهات وسياسات إسرائيل في المنطقة، إلى درجة تخال فيها أن القرارات الأمريكية التي صدرت خلال السنوات الماضية من حكم ترامب البيت الأبيض قد صيغت بعقول وأقلام صهيونية يمينية في إسرائيل، وصفقة ترامب نتنياهو خير دليل على محاولات إسرائيل تصفية القضية الفلسطينية، وهضم ما تبقى من فلسطين التاريخية والعمل مستقبلًا على تهجير سكانها.

 

اقرأ/ي أيضًا:

كتاب "بلاد الشام في مطلع القرن العشرين".. تشريح المكان والتاريخ

الانتقال الديمقراطي في روسيا.. حين تكون الثقافة والنخبة عائقًا