27-أكتوبر-2015

محمد قريقع

لم يكن محمد في معرضه الأخير الذي أقامه بقرية الفنون والحرف قبل أسابيع، أبعد بكثير عن الاسم الذي أطلقه عليه، كيف لا والفنان قريقع كان ولا يزال "الطير الحر" وصاحب الريشة الأدهى والأمر بمدينة غزة.

بيكاسو العرب، هكذا أطلق جمهور محمد عليه، وبقدر حبه لبيكاسو الرسام المبدع، بدا محمد فخورًا وسعيدًا بهذا اللقب، خاصة وأنه تشابه مع بيكاسو بأكثر من صفة، فكلاهما يرسم باليد اليسرى من ناحية، وكلاهما عصفور يغرد باسم الإنسانية من ناحية أخرى. طبعًا، الوصف فضفاض، لكن الأمل بمحمد كبير.

يتحدث محمد عن معرضه الأخير، "طير حر"، قائلًا: عملت أكثر من عام على تجهيز اللوحات، والتي بلغ عددها خمسًا وأربعين لوحة، عرض منها خمس وثلاثون لوحة فقط، لصغر مساحة المكان، وعدم توافر الإمكانيات اللازمة لعرض أكثر من ذلك.

بيكاسو العرب هكذا أطلق جمهور محمد قريقع عليه

ويضيف: اشتملت الرسومات على مواضيع متنوعة جدا، منها الوطنية ومنها الإنسانية، ومنها الأفكار الخاصة والمتميزة جدا، ولكنها صعبة في الوقت ذاته.

محمد الذي خط رسوماته الأولى بعمر خمس سنوات، كان لديه فريق عمل كامل في معرضه، الذي أقامه قبل أسابيع، وهو بعمر الأربعة عشر عامًا، ليكون بذلك حالة نادرة في التاريخ، وسابقة لا تنسى في عهده، لطفل مبدع ينفذ معرضًا وهو بهذا العمر. يشير محمد إلى تسميته المعرض بهذا الاسم قائلًا: "طير حر" يعني لي الكثير، ويختصر الكثير أيضًا، لتجربة معاشة في واقع قطاع غزة"، يضيف: "حرية العمل وحرية الرأي والعقيدة وحرية التنقل، كلها حريات مقيدة ومفقودة في غزة التي يحاصرها الاحتلال ويكبت أنفاسها، فأردت بذلك أن تكون ريشتي طيرًا حرًا رغمًا عن كل ما سبق".

ومع أن طموح قريقع وخطته التي أفشلتها الحرب والحصار، كان أكبر بكثير من معرض صغير يقام في غزة، حينما بدأ بالرسم، إلا أن النجاح الكبير الذي حققه المعرض، والذي استمر ثلاثة أيام متتالية، وصل عدد الزوار فيها إلى ثلاثة آلاف وستمائة زائر، عبروا عن إعجابهم الكبير وثمنوا جهوده الرائعة التي بذلها في معرضه، كان بمثابة تطييب خاطر بالنسبة له.

أكثر ما يؤسفه هو أنه استطاع التغلب على كل الحريات المقيدة في غزة إلا حرية الحركة.. "كنت أخطط لعمل جولة فنية كبيرة حول العالم، بهذه الأعمال لكن الحصار حال دون تحقيق ذلك". ويسترسل قريقع بذات الموضوع: "العالمية طريقي وأنا أعلم جيدًا كيف أسلكه وأستعد له، المشروع القادم لم يبدأ بعد وحلمي تنفيذ أكبر جولة فنية في التاريخ، يجب على العالم أن يعرف أن في فلسطين شعبًا يحب الحياة".

 

وعن أكثر الصعوبات وأشدها ألمًا، فلم يفلت محمد كأي غزيّ من حاجز العائق المادي، ووصفه "بالعائق القاتل"، يضيف: "لا أحتاج إلى تشجيع ودعم معنوي، أستطيع أن أدعم كتيبة من الفنانين "نفسيًا"، لكن هذا الدعم لن يرسم لوحات، والمشكلة المادية في ظل الحصار، شيء لا يمكن تحمله. 

ولأن القادة بطبيعتهم يؤثرون ببعضهم البعض، فقد بدا قريقع متأثرًا جدًا بكلمات الراحل ياسر عرفات الذي قال يومًا: "إن المقاومة بندقية ثائر، وقلم شاعر، وريشة فنان". والفن هو السلاح العصري واللغة العصرية التي يحارب بها المقاوم محتله.

يقول محمد معقبًا: "لقد أخذت على عاتقي أن أخاطب العالم باللغة التي يفهمها، هناك من يحارب الاحتلال بلغته الخاصة كلغة السلاح، وهناك من يحارب بالحوار والمفاوضات، وهناك من يحارب بموهبته، ونحن علينا أن نحارب على جميع الجبهات، عدونا ماكر ويستعمل كل الطرق لتصويرنا "كإرهابيين" ونحن لن نقل ذكاء عنه في كشف الحقيقة". محمد ما زال صغيرًا لكنه يتحدث كالكبار. ولعل وجود محمد على مواقع التواصل الاجتماعي، ووصول عدد معجبيه ومتابعيه إلى أكثر من ألف متابع، إضافة إلى إصراره على تعلم الإنجليزية، هي أدوات جيدة استخدمها محمد للتمهيد لطريق العالمية التي يحلم بها.

أما عن دراسته، فمحمد طالب متفوق لم يسمح لموهبته بأن تؤثر عليه أكاديميًا، بل على العكس فعلاماته المدرسية تزداد كل عام عن سابقه، خاصة في ظل وجود أخيه الأكبر الذي يساعده ويشجعه ويقف إلى جانبه دومًا.

يذكر أن قريقع شارك بعدة معارض محلية ودولية، أهمها دوليًا: مهرجان المحرس للفنون التشكيلية بتونس، أما على المستوى المحلي، فهو يؤكد أن معرضه الخاص "طير حر" كان الأنجح والأجمل على الإطلاق.

اقرأ/ي أيضًا:

فنانو غزة.. تهريب الأمل
سيتي إن.. من أبواب الانتفاضة الثالثة