12-مارس-2021

محمد عفيفي مطر وأعماله الكاملة

ألترا صوت – فريق التحرير

نُشرت هذه القصيدة في ديوان "من دفتر الصمت" للشاعر المصري الراحل محمد عفيفي مطر (1935 – 2010)، الذي صدر عن "منشورات وزارة الثقافة والسياحة والإرشاد القومي" في دمشق عام 1968، إذ كان ممنوعًا من النشر في مصر بسبب خلافه في الستينيات مع مواطنه صلاح عبد الصبور، الذي قال: "لن أنشر له ديوانًا، وعلى جثتي".

يقول الناقد المصري محمد عبد المطلب في وصف شعرية مؤلف "أوائل زيارات الدهشة"، إنها: "شعرية التراكم لا القطيعة، كأن قصائده عمرها ألف عام، مع أنها بنت لحظتها، وهذا البعد الزمني المتوهم جاء لأن الإنسانية كلها حاضرة في هذه الشعرية، حاضرة بعقائدها وأساطيرها وخرافاتها وفلسفاتها وأحلامها وتاريخها، ولا يمكن في أي حال من الأحوال أن نفصل هذه الشعرية الحضارية عن ذاتية عفيفي وهمّه الوطني والقومي والإنساني".

ويلفت محمد عفيفي مطر إلى أن في قصيدته هذه: "إحالات وإشارات كثيرة من شعر لوركا ومأساة حياته وموته، وليس هدفي من القول أن أسجل مراحل حياة وحكاية موت فحسب، ولكنني أجعل الموضوع الرئيسي للقصيدة تكأة أستند إليها لأقول ما أقول، راجيًا أن تحمل الكلمات في طواياها غمغمة قلبي أنا، وليس الموضوع إلا منطلقًا للإفضاء".


(مقطع)

غرناطة

غرناطة

وَتَرٌ مشدودٌ في قرنْي ثورٍ تخنقُه،

تسحبُه للموت الأنشوطة

فرسُ في الكوكب مربوطة

غجرٌ يخفون خناجرَهم في القلب

وعْدٌ برجالٍ في الليل القاسي يلدون

فصلٌ خامس

غنتْ عيناه، روائحه طافتْ بالدرب

دقت يمناه البابَ وصافح "ماريانا"

   - ماريانا.. أين الأبناء؟!

   - عفوًا سيدَنَا.. ماريانا عذراء

   - ماريانا.. وجهي لم تُخْلَقْ بعدُ ملامحُه،

صدري عريان

أو.. لا بأسَ.. سأرتحل الآن

سأمرُّ على أقرب خان

أبتاع خيولًا وخناجر.. لكنْ.. أين الأبناء؟!

ماريانا.. أين الأبناء!!

 - عفوًا سيدنا.. ماريانا عذراء.

 

الغجرُ عيونٌ سوداء

أيدٍ تشتدُّ على الخنجر كي تنحتَ عينًا سوداء

في الصخر، وتنحتَ وجهًا للفصل الخامس.

ماريانا تنسج ثوبًا تصبغه بالدم

والدرب يضيق بسيل الأبناء

غنوا ساعاتٍ.. لكن الطفلَ المهدولَ الخصلات

غنى.. غنى نفسَ الكلمات

فانهمرتْ أعينُهم فرحًا بالطفل الجنّيِّ الصوت

نظروا في قلب الطفل فراعتْهم أقمارٌ خضراء

نامت في خيمة غجر مطوية

رقصوا.. لكن الغجريَّ المهدول الخصلات

راقص في الريح خناجر ملوية

اختضن الثورَ وخاصره واصطاد النجمَ بأنشوطة

غرناطة

غرناطة

من ألفٍ تحلمُ بالطفل الغجريِّ القلب

تَتَشَهَّي لو جاء وغني واحتضن الثور..

 

ماريانا ترسم نارًا في عين

تستلْهم من أرض النسيان تَنَفُّسَ بئرين

تغترف الألوان المسكوبة في العصر على أيدي الطرقات

زيتًا مخْضوبًا يمتزج بحبات العرق المخضوب

يتوهج بالماء المنسيَّ على طرف الفرشاة

بثلاثة ألفاظ غصت بالرعب

وزجاج الشباك المكسور الصارخ بالريح الثلجية

وأيادٍ تمتد من الظلمة في الدرب

تعتصر الشمعةَ، والريحُ المجنونةُ تعوي

في ليل الأرصفة السوداء:

فرناندو.. فرناندو.. فرناندو..

ماريانا تحتضن الثوب تواريه بين النهدين

في الدُّجْية إنسانٌ مجروح الجبهة

ترتعش بعينيه الأقمار

يتحسس آثار القيد الدامي فوق الرسغين

نادى مجروحَ الصوت حزينًا بمشارف غرناطة:

"ماريانا.. مِنْ غيرِ الضوء الثابت في

ليل الأعمق

مِنْ غير الأقمار الخضراء

منْ غير الأجراسِ الضاحكةِ بريح الحرية

مَنْ نحنُ؟! وماذا تُصبح في الليل ملامحُ غرناطة؟!

هل يصمد للحب الإنسان؟!".

ثلجٌ ورياحٌ تعوي في ليل الأرصفة السوداء

وأيادٍ تمتد من الظلمة في الدرب

وتمزق أغنية هَاربةً بين النهدين

ماريانا تتكئ على بحر دماء

مارينا تصرخ: "يا بدرو.. أهواك

ارفع قنديلَكَ.. من أجل القنديل أموا

بدرو.. يا بدرو.. يا بدرو.."

قمرٌ نهداه من القصدير

يمشي في شرفة غرناطة

يتلوّى، يشهق: يا طفلي القادم

هات الأقلامَ وأدركْ ثاراتِ الأرصفة السوداء

بدرو ما زال يخاصر ماريانا في ظل الموت.

 

اقرأ/ي أيضًا:

رفعت سلّام: أرعى الشِّياه على المياه

أنسي الحاج: الرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع