05-مارس-2021

رفعت سلّام وأرعى الشِّياه على المياه

ألترا صوت - فريق التحرير

رفعت سلّام أحد أبرز الشعراء المُجددين في قصيدة النثر العربية. هو الشاعر والمترجم المصري المولود سنة 1951، والذي غادر عالمنا أواخر العام الفائت 2020، استطاع أن يحفر لنفسه مكانةً مميزة في المشهد الشعري العربي عمومًا، والمصري خصوصًا، باعتباره مغامرًا دائمًا، في إشارةٍ إلى رغبته اللانهائية بالتجديد، والخروج عن القواعد التي تُفرضُ عادةً على الشاعر من خارجه، كما لو أنها أسلاك شائكة، تُحيط به رغمًا عنه، بحسب تعبيره.

ارتبط اسم سلّام بما عُرفَ بـ"جيل السبعينيات"، الذي أخذ على عاتقه مهمة تجديد القصيدة، والتأسيس لسياقاتٍ جديدة لها، تَفرزُ بدورها أصواتًا خاصة تختلف عما كان سائدًا في تلك الفترة، بحيث يخرج عن المألوف، ويستطيع التطور واحتواء ما يظهر من تجارب شعرية جديدة.

وعلى الرغم من أن شعراء "جيل السبعينيات" كانوا مغامرون ومجددون وخارجون عن المألوف، إلا أن تجربة رفعت سلّام بدت مغامرة إضافية، أو مضاعفة، داخل مغامرة هذا الجيل، إذ سرعان ما افترقت عنه لصالح سياقاتٍ جديدة وخاصة بها، بدت قائمة على: "تعدد الأصوات، وتعدد البنية، وإعادة صياغة الصفحة الشعرية على غير مثال، وفتح فضاء القصيدة على مصاريعه، بلا قيود أو حدود. مغامرة حتى الحدود القصوى الممكنة"، كما جاء في كلمة غلاف أعماله الشعرية التي صدرت في جزأين عن "الهيئة العامة المصرية للكتاب" عام 2014.

صدرت القصيدة-الديوان "أرعى الشَّياه على المياه" عام 2018، وهو أخر دواوين الشاعر الراحل الذي اعتبره امتداد أو تطوير، في آنٍ معًا، لمشواره الشعري، لا سيما ديوانه "حجر يطفو على الماء" (2008). فهو: "ليس ديوانًا يتألف من قصائد منفردة، حسب المعتاد؛ بل هو "عمل شعري" كامل، يبدأ، ويتواصل – حتى نهايته – في سياق شعري واحد، متصل".

إنها، وبحسب تعبيره، قصيدة أقرب إلى: "غابة عارمة من الأصوات والحيوات الصاخبة، المتقاطعة، المتداخلة، المتصارعة، مخترقة فضاء الصفحة إلى الكون، الجغرافيا والتاريخ، الماضي والراهن والقادم، الأدبي والتشكيلي؛ بلا انتهاء".


(مقطع)

أيُّها القَطيعُ الذي أسُوقهُ،

على حافَّةِ الجُرفِ، إلى حتفه؛

هل قَضمتَ الآن ما يكفي من أعشابِ النَّدم؟

هل ارتويتَ بما يكفي من ماءِ الهذيان؟

ليلُنا الآنَ خمرٌ، وغَدُنا خمرٌ،

إلى أن تنفدَ كُرُمُ الأرض والسَّماء؛

فأنتَ مَنذُورٌ لي، وأنا لَكَ؛ إلى آخر الشَّوطِ؛

فَارتَفع كما تبغي، فَحَبلي لَكَ ممدودٌ إلى مُنتهاه؛

كُلَّما شَدَدتَه أرخَيتهُ، كُلَّما أرخَيته شَدَدتُه؛

ارتَع في غيبوبة النّسيانِ، أو نشوة السُّكر الأخير،

أيَّها القطيعُ المرير، الضَّرير

قَطيعٌ من غُبار، أنفُخُه فيصيرَ هباءً،

غيمةً كامدةً في سماءٍ ذاهلةٍ،

لا تُمطرُ أو تُرعِد،

ساكنةً لا تريمُ في بَصَري؛

لا تقشعها رياحُ أو فُصُولٌ عابرةٌ؛

إلى من أتكلَّمُ اليوم، في الأرضٍ الخراب؟

أطلالٌ هي الآن فراديسُ الآلهةِ،

ومَعَابَدُها ينعبُ فيها البُومُ،

وتَسَكُنُ الغِربَانُ، تَمرَحُ السَّعالي والسَّحالي،

العَقَاربُ والثَّعابين، تصعدُ التَّماسيحُ من النِّيل تَقتَنصُ المَارِّين،

والنُّواحُ في كلِّ مَكَان؛

فَمَن يُوقف الزَّمان؟

بُرهَةً أو بُرهَتَين، كي أنظُمَ مَرثيتي، وأُصُوعَ كوابيسي؟

من يوقف الأَرضَ عن دَوَرَانهَا ساعةً لأُعيدَ تَرتيبَ الخرائط والتَّقاويم قليلًا؟

لماذا تَهرُبُ اللُّغاتُ من الذَّاكرة، وتسكُنُ المستحيل؟

وَقتٌ وبيل

أُحملُه على كَاهلي، وَأَمضي في الأزقَّة والشَّوارع،

في المدائن، وَالقُرى، والنُّجوع؛

غُنوني خرساءُ في صدري،

وكلامي بلا صوتٍ، لا يُغادرُ شَفَتيَّ،

وبَصيرتي نقرَتها الغِربَانُ والطُّيورُ الجارحة؛

تَنزِفُ الرُّؤى والخَيَالاتِ الجَامحة

وَالبِلادُ في مأزقٍ أَثيم، بَعدَ أن هَجَرتها الآلِهَةُ،

وأدارت ظَهرَها للدَّعواتِ المتَوسَّلة؛

فَهيَّا، على الحَافَّةِ،

هَيَّا، نَرتَجِلُ رُقصةً هَمجيَّةً، أو غُنوَةً بَربَريَّةً،

قبل القفزة المُرتجلة

أيَّتُها اللَّحظةُ المنتَحَلَة

هَل تأخَّرنا طويلًا، أم هو الوقتُ؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

أنسي الحاج: الرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع

فرناندو بيسوا: دكان التبغ