19-نوفمبر-2015

بشار الأسد في باريس (باتريك هرزوغ/أ.ف.ب/Getty)

التوقيت الذي نفذت فيه القاعدة وأخواتها الاعتداءات الإرهابية الشنيعة ضد الأبرياء، مستهدفةً الضاحية الشمالية في العاصمة الفرنسية وأحياء شرق باريس هو توقيت أساسي. كانت توقيتًا متزامنًا مع فعل لحظي من الإرهاب تمارسه آلة حرب نظام بشار الأسد ضد المدنيين الأبرياء على امتداد الجغرافية السورية منذ اندلاع الثورة السورية. كان من الطبيعي أن يخرج سيل من الإدانات الدولية بحق الجريمة البشعة التي استهدفت باريس الملونة بالحياة في انتظار الأعياد، وكان من الطبيعي أن يسارع السوريون الموجودون في فرنسا لإدانة الاعتداءات. إنه التضامن الذي لا يحتاج لتبرير أو تفسير من قبل ضحايا عاشوا إرهاب العصابات الأسدية.

لكن من غير الطبيعي أن يخرج رئيس العصابات الأسدية بشار الأسد في حوار مع مجلة "Valeurs actuelles" اليمينية في فرنسا، قائلًا إن "إسقاط النظام في سوريا هو إسقاط لآخر دولة علمانية في المنطقة"، في الحوار الذي نشر أمس الخميس في أكشاك الصحف. يستغل الأسد صعود اليمين واليمين المتطرف، بعد كل "اعتداء إرهابي" تقوم به جماعات عنفية لا تمثل الإسلام بل هي تقتل المسلمين وتسيئ لصورتهم في العالم، أكثر من عنفها الذي يطال الأبرياء في فرنسا.

يستفيد من التجاذبات السياسية الفرنسية قبيل انتخابات الأقاليم والانتخابات الرئاسية المقبلة. الدولة العلمانية التي يتحدث عنها الأسد هي عصاباته. وسياستها الوحيدة التي تمارسها منذ اندلاع الثورة السورية هي قتل السوريين وتهجيرهم واعتقالهم وتغييبهم قسريًا وتجويعهم وهدم منازلهم. بينما برنامج اليمين الوحيد في فرنسا، هو الحديث عن تحميل الجاليات العربية والمسلمة مسؤولية أي عمل إرهابي تقوم به جماعات يعتنق شخوصها الإسلام. يحمّل هذا اليمين المسؤولية الجنائية والقانونية والأخلاقية للمسلمين ككل، ويدعو لسحب جنسياتهم منهم وحرمانهم من العيش في كرامة.

أليس من المعيب على مجلة فرنسية أَن تحاور قاتلًا وتطلب منا الإنصات إليه في وقت رائحة النار والدم تطغى على العاصمة الفرنسية؟

هكذا وصف رئيس العصابة في حواره مع المجلة اليمينية، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه: "يدافع عن قيم المسيحية في العالم". أما الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند في خطابه أمام مجلس النواب ومجلس الشيوخ في قصر"فرساي"، فدافع عن وحدة التنوع الفرنسي، رافضًا الحديث عن صراعات حضارات. الحديث هنا عن المسيحية يقدم فيه رئيس العصابة نفسه شخص مدافع عن قيم الحضارة في وجه الظلامية. ويبدو الحديث صادرًا عن مجرم كاذب لا يفترق سلوكه الإجرامي عن هويات منفذي اعتداءات باريس، فاتحًا حدود سوريا لعبور مليشيات حزب الله، ومرتزقة المليشيات الشيعية والحرس الثوري الإيراني.

رئيس العصابة يبحث عن ربح سياسي عبر بوابة اليمين واليمين المتطرف الذي لا يحظى بشعبية. رخيصون بين بعضهم البعض. والحال أن اليسار الفرنسي، حتى الآن، لا يمنح فرصةً لليمين المتطرف للعبث بالتنوع الفرنسي، ومنع مارين لوبين رئيسة "الجبهة الوطنية" ذات التوجهات اليمينية المتطرفة من المشاركة في مسيرة باريس عقب اعتداءات شارلي إيبدو.

رئيس العصابات الأسدية الذي يعتبر استراتيجيته الداخلية حيال شعبه هي البراميل المتفجرة والقنابل والأسلحة المحظورة منها وغير المحظورة، ونهجه السياسي إزاء معارضيه الذبح والسحل والاعتقال يعظ سيد الإليزيه: "أنصح الرئيس الفرنسي بالعمل بما فيه خير الشعب الفرنسي". يبدو رئيس العصابة هنا مثيرًا للاشمئزاز، ولكلماته سقف غير محدود من الوقاحة. المجرم الذي قتل ما يزيد عن 300 ألف مواطن من شعبه -وكأن عشرات الآلاف الذي قتلهم في سوريا ليسوا بشرًا- يعظ رئيس إحدى الديمقراطيات الأكثر عراقةً واحترامًا للإنسان وحقوقه في العالم. أليس من المعيب على مجلة فرنسية حتى لو كانت ذات توجهات يمينية، أَن تحاور قاتلًا، وتطلب منا الإنصات إليه في وقت رائحة النار والدم تطغى على العاصمة الفرنسية؟

الأسد رئيس العصابة لا يستنكر الجريمة البشعة بحق الأبرياء من المواطنين الفرنسيين

رئيس العصابة لا يستنكر الجريمة البشعة بحق الأبرياء من المواطنين الفرنسيين، شركاؤنا في محنة الإرهاب التي يصدرها نظام تسلطي وقهري مشعلًا فيها النيران في الداخل ودوّل الجوار وما بعد الجوار. إنها إساءة للضحايا كل الضحايا بغض النظر عن معتقداتهم الإثنية والعرقية والدينية والقومية، خاصةً عندما يقول المجرم بصريح العبارة للأوربيين، إنكم تدفعون ثمن سياستكم الخارجية العدائية نحو عصابتي التي أتزعمها، قائلًا في حواره للمجلة: "قلنا للأوربيين أن ما يحدث في سوريا سيكون زلزالًا يهز العالم".  هذا الحوار عار على جبين البشرية، حينما يسمح للمجرم أن يخاطب عائلات الضحايا وذويهم والمجتمع الفرنسي، مبديًا قدرًا كبيرًا من الشماتة بمصاب فرنسا، بلغة الوعيد والتهديد.

بلغته الكريهة، يتحدث رئيس العصابة الأسدية للمجلة: "عن استعداده للتعاون مع فرنسا بشريطة أن تكون  جادة بمحاربة الإرهاب". معتبرًا في حواره للمجلة اليمينية أن التغيير في سوريا يتم عن طريق مجلس الشعب لا عن طريق المؤتمرات.

والمجلة اليمينية "Valeurs actuelles"، مقربة من حزب الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي، الذي عاد أخيرًا للحياة السياسية بعد خسارته الانتخابات الرئاسية الأخيرة، متزعمًا حزب "الاتحاد من أجل حركة شعبية". وبعد فوزه بانتخابات الحزب، أصبح اسم الحزب الجديد بعد التصويت على التسمية من الأعضاء حزب "الجمهوريون". ساركوزي الذي يعتزم الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة. قام عدد من نواب حزبه، العام المنصرم، بزيارة إلى دمشق والتقوا بشار الأسد. الزيارة التي أثارت حينها سخط الإعلام الفرنسي، قائلًا إن النواب جلسوا وجهًا لوجه أمام ديكاتور.

إقرأ/ي أيضًا:
رشيدة داتي.. شابة مثيرة بشعرها الأسود الطويل!
جائزة إسبانية لراديو"روزنة" السوري