15-أغسطس-2016

لينة عطفة

صدرت المجموعة الشعرية الأولى للسورية لينة عطفة "على هامش النجاة" (المؤسسة العربية للدراسات، 2016). الكتاب الذي جاء غلافه بتصميم الفنان التشكيلي يوسف عبدلكي، ضم سبع عشرة قصيدة، تتناول معظمها تفاصيل المأساة السورية والحرب والهجرة القسرية، في نصوص تنوّعت بين شعر التفعيلة وقصيدة النثر. 

مرسيل خليفة: فاجعة السقوط تمدّنا إلى القصيدة وتفصلنا عنها

اقرأ/ي أيضًا: هندسة الفتن لجورج كدر.. لعبة الحروب والسيطرة

كتب الفنان مرسيل خليفة مقدمة طويلة للمجموعة، نقتطف منها: "لينة.. ممسوح شعرها بالدهشة، دهشة ممّا تراه، دهشة كالجناح المحطّم، تصرخ وتقول لا، دهشة كالسهم فتضيء، سريعة باهرة وتقذف صورًا غريبة تلمسها. في شِعرها حرب وألم يعتصر القلب، القلب المطعون بالخيبة والزمن والمفتوح على المستحيل، في شِعرها رائحة الحديد والبارود والأجساد والعصافير المحروقة والأرض الرطبة والماء المجروح. وحيدة معقوفة إلى دواخلها بوحشة أمام لا مبالاة العالم فتصطدم بالعبث، تستدرج القصيدة من حرب، من صدفة، من فرح مكبوت، من عشبة تنبت في الجدار، من ذاكرة من عصفور، من بلاد ماتت مخنوقة بالحروب، من سراب تبتلعه العيون، من جلاد وحشيّ، من طفلة مذبوحة تملأ رؤياها رحاب العين، من لا شيء، فاجعة السقوط تمدّنا إلى القصيدة وتفصلنا عنها، تخوض الحرب على طريقتها، تعيش الجزء كله وتعاود خلقه، تكشفه، تعيد صياغته وتمثله، تأكل الزمن الذي يأكلها، كلّ ذلك من أجل الحريّة، حريّة الطائر في الفضاء!".

يذكر أن الشاعرة المقيمة في ألمانيا، وهي خرّيجة كلية الآداب قسم اللغة العربية من جامعة دمشق، وقد حازت على جائزة وجيه البارودي، وتنشر في عدة مواقع وصحف عربية، كما أنها شاركت في مهرجان القصيدة السورية الأول في ألمانيا مع مجموعة من الشعراء السوريين.


قلعةٌ خارجَ السوْر

*إلى سلميّة

لن أخاطبكِ بعد اليوم..
أنتِ التي جعلتِ قلبي مثل خيام البدو لايكسره الترحّل ولا الحنين..
لا هواء يقودني إلى رائحتك..
والذكريات التي نثرتها كفتات الخبز لأجد طريقًا إلى يبابك
لفظت فتنتها الأخيرة واستحالت رمادًا..

أيتها الجاحدة التي تستدرّ عقوقنا!
هل رأيتِ غلاصمنا المتيبّسة ونحن نسبح في جسدٍ غير جسدك؟
هل شعرتِ بأظافرنا الهشّة المغروسة بعظامك؟
هل سمعتِ نحيبنا ونحن نتوسّد العواصف لنحلم بكِ؟
أكتب لأثأر منكِ
وأعود من ثأري قتيلةً وقد تنازعتني الآفاق حدّ العدم..
الموت يقول أنكِ الجنة
وحين أرفع أستاره أراكِ كما أنتِ
شاحبةً كالمقامرين.. توزّعيننا كأوراق اللعب وتتثاءبين

تقاسمين العواصم أسرارها
قلعةٌ خارج السور
أمراؤك المجانين المبدّدون في طرقاتك
بملابسهم الموشّاة بالرّقع وأصواتهم التي تهزم اللغة والكتابة
شعراؤكِ يتقلّدون حزنكِ وبشجاعة اليائس يكتبون...
منذ استبدلتِ كرمتك العالية بشتلات القطن
وأنتِ تتمرغين بالعطش

تعقدين هدنة مع الصحراء فتكون المحاصيل شكلًا من الرمل.

يهذي بنا الجوع 
نلتوي على اللغة ونعضّ الكلام
خيبتنا خيبة قرمطيّة
وبكاؤنا بكاءٌ فاطميّ..
نسمع الربابة فنمتدح عائلة الكمان
نشرب العرق البلديّ فنمتدح سلالات النبيذ
وحين تخوننا النهايات نلوذ إليكِ..

نتلمّس عزلتنا التي غزلتِها بنَول الصدى
نرتّب الحيَل، نُجهد خيالنا لنراكِ خارج أقداركِ
خيبةُ المطر
خيبةُ الأرض
خيبةُ الأنثى التي تلعق مدائحها النازفة...

لا تذكّرنا الأمكنة بكِ، ولا الورد
ولا ما يُذكّر الناس بأوطانهم
نذكركِ إذ تُطيح نظرة بقلوبنا..
إذ يخرّب عازفٌ بنشازه سرب الأغنية

هاشلون على حواف المدن
مذ شردتنا وانتصبتِ بأسمائنا كشاهدة قبر

جيوب نواطيركِ تزرب ذئابًا
وأنت عزلاء إلا من صدفة خلاص قد لا تأتي..
يشرعون بوّاباتك للمذبحة 
كي يُشهروا انتصارهم لكِ

لا تغفري لهم
وأنت ترتُقين لحمكِ المتهتّك
لا تغفري لهم...

ثمّة رعيانٌ زرعوا لهبًا في جوف شجرة البطم 
وجبال البلعاس وشاعر تهذي بالنار
حزنكِ لا يَشِي بالفجيعة 
والمشيئةُ أعجز من أن تُخلّ الرهانات..

تهرقين المراثي لأنهارٍ لم تحظي بها..
تهرقين الأخيلة والحبر والهواجس..
أيّ مدينةٍ أرأفُ بالشّعر منك؟!
أيّ مدينة تتخثّر عتباً؟!
والعتب إذا تخثّر صار أغنية 
والأغنية إذا تخثّرت صارت حكاية
والحكاية إذا تخثّرت صارت أنتِ
أكتب وأكتب لأجد اسمكِ 
اسمكِ الهارب من القصيدة..

اقرأ/ي أيضًا:

خاثينتو بينافينتي.. البرجوازي القِلق

باسكار شاكرابورتي.. شاعر يكتب الصمت