25-أغسطس-2015

علم النفس في الملعب! (Getty)

في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 2012 صرّح المدرّب الايرلندي لفريق ليفربول الإنجليزي برندن رودجرز "لقد قمنا بالتعاقد مع رجل هو الأفضل في مجاله، واحد من الأوائل على مستوى العالم في ما يفعله. أنا أرى هذا الجزء أساسيا في عملية تطوّر اللاعبين، اللعبة الحديثة تعتمد كثيرًا على النواحي النفسية. أقوم بالعمل الكبير على الصعيد التكتيكي والخططي والبدني خلال التدريبات مما قد يؤثر على التركيز الذهني والراحة النفسية للاعبين خاصةً في المباريات الكبرى". كان هذا التصريح بمثابة بطاقة تعارف بين عشاق ليفربول بشكل خاص ومتتبعي الكرة عمومًا، مع الإنجليزي ستيف بيترز بروفيسور علم النفس، المولود عام 1954. بدأ بيترز مسيرته المهنية في 2001 بدوام جزئي مع فريق الدراجات الهوائية للمملكة البريطانية قبل أن ينتقل إلى العمل معهم بدوام كامل عام 2005. يقرّ السير ديف بريلسفور المدير المسؤول عن هذا الفريق "ستيف بيترز هو أفضل تعاقد قمت به خلال كل مسيرتي". كان لبيترز أيضًا دور كبير في النجاحات الكبيرة التي حققها روني اوسوليفن أسطورة السنوكر بتحقيقه بطولة العالم لعامين متتاليين 2012 و2013.

عند تلقيه اتصالًا من ليفربول للانضمام إلى فريق عملهم كان بيترز مترددًا بحسب تعبيره وطلب المشورة من قائد الريدز ستيفن جيرارد الذي كان يستعين بخدماته ويزوره لمساعدته على البقاء في مستوى ثابت، إذ يقول جيرارد عنه "هو لا يستطيع تعليمك كيفية القيام بتمريرة من 40 مترًا لكن بإمكانه مساعدتك على تصفية ذهنك والتركيز في المباريات". وافق البروفيسور على دراسة العرض وذهب لمقابلة براندن رودجرز متسلحًا بتشجيع جيرارد. اعترف بيترز لاحقًا "عندما التقيت برودجرز اكتشفت أنه رجل رائع، صاحب نظرة ثاقبة، منفتح ومريح في التعامل معه. إنه يعرف ماذا يريد، ودائمًا يحاول تطوير نفسه وتطوير فريقه. إنه لمن الشرف لي العمل معه".

البروفيسير الذي كان سبب عودة اللاعب الويلزي كريج بيلامي للتألق بعد الضياع الذي عاشه بعد وفاة صديقه وملهمه غاري سبيد، كان له التأثير الواضح على نتائج الفريق وعلى اللاعبين الذين عملوا معه، فخدماته كانت اختيارية للاعبي ليفربول بطلب من المدير الفني ولم تكن ملزمة، ففي الموسم الكروي 2012/ 2013 وقبل التحاق بيترز بالعمل رسميًا كان ليفربول قد بدأ مسيرته بشكل متواضع وحقق انتصارين اثنين فقط وثلاثة تعادلات وأربع خسائر، لكن أداء الريدز تطوّر بعدها بشكل واضح واستطاع الفريق تسجيل سبعة انتصارات وخمسة تعادلات وأربع خسائر خلال ست عشرة مباراة. كان التغيير واضحًا، خاصةً على اللاعبين الذين عملوا تحت إشراف بيترز كخوسيه انريكيه، جوردن هندرسون، ستوارت داونينج، مارتين سكيرتل ورحيم ستيرلنج.

في الموسم الكروي الفائت 2013 /2014 قدم ليفربول أفضل عروضه خلال ربع قرن وخسر اللقب في الأمتار الأخيرة، مع العلم أن الفريق امتلك في بعض السنوات الماضية تشكيلات أقوى من تشكيل الموسم السابق. وكان رحيم ستيرلنج قد تطرّق لهذا الموضوع في تصريح له في نيسان/ أبريل من العام 2014 واعترف بتلقيه نصائح من البروفيسير بيترز "الطريقة التي يعمل بها رائعة، في بداية الحديث معه. أحسست أن الكلام ليس موجهًا لي ومن الخارج تظن أن الموضوع معقد لكن كلامه مباشر، إنه يفهم اللاعبين والجانب العاطفي للمباراة، ما يقوله يساعدك كثيرًاً". نجاحات هذا البروفيسور في مهمته مع لاعبي ليفربول جعلت له اسمًا كبيرًا في عالم كرة القدم الإنجليزية، الأمر الذي دفع بمدرب المنتخب الإنجليزي روي هودسون لطلب خدماته وضمه لبعثة المنتخب المشاركة في كأس العالم 2014 على أمل مساعدة اللاعبين في مواجهة مخاوف الضربات الترجيحية التي أصبحت عقدة للإنجليز، لكن المنتخب خرج من الدور الأول لسوء الحظ .

مما لا شكّ فيه أن كرة القدم الحديثة وازدحام جداول المباريات والقوانين الصارمة التي تفرضها الأندية على لاعبيها والمتعلّقة بكل تفاصيل حياتهم، تساهم إلى حدٍ بعيد في زيادة الضغوط النفسية على اللاعبين، تفطّن ليفربول إذًا لهذه النقطة ولجأ لفكرة الطبيب النفسي وإن بشكل اختياري حتى الآن، فهل يفرض ليفربول مع الوقت على جميع لاعبيه حضور جلسات نفسية مع الطبيب استنادًا إلى التحسن الملحوظ على مستوى الأداء والنتائج؟ وهل ستحذو الفرق الأخرى حذو ليفربول فيصبح الطبيب النفسي جزءًا لا غنى عنه من طاقم الفريق كالمدرب والمعالج البدني؟ فلننتظر ونرَ.