18-يونيو-2016

في بيروت 2015 (الأناضول)

بدت انطلاقة يورو فرنسا 2016 باهتة لبنانيًا على المستويين الإعلامي والجماهيري، على عكس ما جرت عليه العادة في السنوات السابقة. ربما ضعف الاهتمام هذا، مردّه إلى تزامن موعد انطلاق البطولة مع بداية شهر رمضان حيث إن اهتمام المستثمرين والمعلنين انصبّ على تسويق المنتجات الرمضانية من مواد غذائية واستهلاكية إلى الترويج للأعمال الدرامية التي تغزو الشاشات خلال الشهر. في الوقت الذي غابت فيه أعلام الفرق المشاركة عن شرفات المنازل وأسطحها بشكل واضح.

لم ينجح نجوم الدراما في حرف أنظار عشاق الكرة عن معشوقتهم وتوجيهها نحو أعمالهم الرمضانية

إذن، وعلى عكس مونديال البرازيل السابق الذي انتظره اللبنانيون بلهفة وشغف كبيرين، لم تحظ انطلاقة اليورو بذلك الزخم الذي نعرفه. إلّا أنه لم يكد يُلعب عدد محدود من المباريات، خاصة مع بدء مباريات الفرق التي تتمتّع بشعبية كبيرة في صفوف الجمهور اللبناني كألمانيا وإيطاليا، حتى بدأ الإقبال على مشاهدة المباريات ينحو منحى تصاعديًا ليصبح اليورو تدريجيًا سيد الشاشة الأول. 

اقرأ/ي أيضًا: أمم أوروبا في الجولة الأولى.. صمود الكبار

جولة ليلية على المقاهي المتناثرة على طول طريق صيدا القديمة ستظهر لك شابات وشبّانًا تسمرّوا خلف الشاشات لمشاهدة مباريات السهرة. في أحد المقاهي رضخت قلّة من متتبعي أحد المسلسلات ذائعة الصيت بعد جهد إلى قرار أغلبية الرواد المطالبة بعرض مباراة المنتخب الإنجليزي على الشاشة الرئيسية. لم ينجح نجوم الدراما في حرف أنظار عشاق الكرة عن معشوقتهم وتوجيهها نحو أعمالهم الرمضانية. كرة القدم تقول كلمتها مرة جديدة، ليست كرة القدم هي الأكثر شعبيةَ بين الرياضات الأخرى -ممارسةً ومشاهدةً- فحسب بل إنها أكثر شعبية من أي حدث آخر جديًا كان أم ترفيهيًا. إنها الفكرة الأكثر انتشارًا.

الأجواء على مواقع التواصل لم تختلف كثيرًا. حرارة المباريات تتسرّب تدريجيًا إلى تلك الفضاءات الواسعة بعد برودة الأيام الأولى. أعطى الفيسبوك لمستخدميه فرصة دعم منتخباتهم المفضّلة من خلال تطبيق يتيح تعديل الصور الشخصية عبر إضافة شعارات هذا المنتخب أو ذاك. الصورة الشخصية هنا تتحول إلى بطاقة هوية كروية يعلن صاحبها من خلالها، وعلى الملأ، انتماءه الكروي. التطبيق الذي لاقى إقبالًا كبيرًا بين المستخدمين من شأنه أن يشكل قاعدة بيانات علمية تساعد في تنفيذ إحصاء دقيق إلى حدّ بعيد يتيح لنا معرفة شعبية كل منتخب في بلد معيّن. 

أصبح اليورو فسحة يأوي إليها الجميع هربًا من المشاكل الاجتماعية والسياسية التي تلقي بظلالها على معظم النقاشات

بالتزامن، شهدت منصّات هذه المواقع مناوشات وتراشقات كلامية بين جماهير الفرق حيث حاول كل طرف إظهار قوة فريقه المفضل عبر تقديم التحليلات والمعطيات متسلحًا تارةّ بأمجاد الفريق الغابرة وطورًا بقوة الواقع فيما اختلط الجد بالهزل وانتشرت بسرعة الصور واللقطات التي تمجد قوة الفريق وتسخر من لاعبي الفرق الأخرى، خاصة مع انتشار الصفحات المتخصصة في مجال السخرية الكروية (ساركازم سوسايتي). 

اقرأ/ي أيضًا: الفن الأسود الإيطالي يخنق بلجيكا

في نفس السياق، أعاد مشجعو المنتخب الألماني إحياء وسم (هاشتاغ) "# مش_قاريينك"، والذي انتشر خلال المونديال الأخير الأمر الذي خلق ردود فعل لدى جماهير الفرق الأخرى، فاستعان كل طرف بالمعطيات التي تعلي من شأن فريقه وتحطّ من قدر الفريق المنافس موظّفين أصغر التفاصيل في معركته الافتراضية.

بهذا المعنى، يصبح اليورو الفسحة التي يأوي إليها الجميع هربًا من المشاكل الاجتماعية والسياسية اليومية والتي تلقي بظلالها على معظم النقاشات والحوارات اليومية، وبارقة الأمل التي ينتظرها بلهفة عشاق الكرة ويخشون مسبقًا الخواء الذي سيعيشونه بعد انتهاء منافستها. 

قبل ثلاثين سنة وعقب انتهاء مونديال المكسيك توجّه محمود درويش في إحدى مقالاته إلى مارادونا الذي أبهر العالم في تلك البطولة سائلاً إياه: "ماذا فعلت بالساعة؟ ماذا صنعت بالمواعيد؟ ماذا سنفعل بعدما عاد مارادونا إلى أهله؟ إلى أين سنذهب هذا المساء؟". في الحادي عشر من تموز/يوليو القادم سنتساءل بدورنا "إلى أين سنذهب هذا المساء؟ ".

اقرأ/ي أيضًا:

سقوط التكنولوجيا في ليلة انهيار البرازيل

5 دروس إنجليزية من مواجهة روسيا