17-فبراير-2016

فلسطين المُحتلة/رام الله 2015 (أ.ف.ب)

هي ليست مباراة نهائي كأس العالم أو حتى بطولة قارية، بل مباراة التاريخ بالنسبة للجزائريين، فاليوم يمكن القول أن المناضلين التاريخيين الذين كتب عنهم التاريخ التقوا على أرض الواقع لمزج التاريخ بلعبة كرة القدم، لكن جماهير أصحاب الأرض عكست الآية، وتريد أن تساند التي لم تتحرر بعد، فوقفت لتشجعها، ليس فقط تشجيع، بل زينت ملابسها ومدرجاتها بأعلام البلد الخصم، وهكذا كانت مباراة الفدائيين مع بلد المليون ونصف أو كما يسمونهم معلقو المباريات أسود الصحراء.

جماهير الجزائر أصحاب الأرض المحررة أرادت أن تساند البلد التي لم تتحرر بعد، فوقفت لتشجعها، بل زينت ملابسها ومدرجاتها بأعلام فلسطين

صباح يوم المباراة كان عيدًا بالنسبة للجزائريين، فالكل يستعد لاستقبال منتخب فلسطين الذي لطالما حلموا به ليشاهدوه ويتحدثوا عن نضالهم على الأرض وبالكرة، وحلموا أن تكون حدود بلادهم معها ليحرروها. وبدأت مع ساعات الصباح الأولى سباقات الجزائريين وأعلام فلسطين بأيديهم مسرعين إلى استاد 5 يوليو لحجز المقاعد لرؤية الفدائيين، ولو كانت البرازيل زارت الجزائر لما سارع الجزائريون لرؤيتهم في الملعب هكذا، كما تحدث أحد الجزائريين على فيسبوك.

وللمرة الأولى التي تحصل في تاريخ الكرة، وضعت الجزائر اسم فلسطين قبل اسمها، واعتبرت أن صاحبة الأرض هي فلسطين، وهكذا امتلأ الاستاد، وفاق عدد المتفرجين مائة ألف جزائري في ملعب يتسع لتسعين ألف متفرج وهو ما لم تشهده الملاعب الجزائرية منذ سنوات.

التلفزيونات الجزائرية بدأت تعد معلقين وشعراء في نفس الوقت لتتغزل أفواههم بالمحبة الفلسطينية والكلمات المليئة بالمحبة، وكما قال المعلق الجزائري: "اليوم أيها الجزائريون، الفدائيون وصلوا أرضهم، وأعلامنا نبدلها بأعلامهم، ولنا كل فخر أن هذه الأرض تطهرت بالمحبة". وقابله معلق تلفزيون أمواج الرياضي الفلسطيني، ليقول: "تتزين أعلامنا في أرض لطالما عشقناها وتعلمنا في مدارسنا كفاحهم وصمودهم، وأحمرنا فلسطين وأبيضنا الجزائر".

وبدأ السلام الوطني الفلسطيني يعلو بالملعب وتقف الجماهير معه، وتركز الصورة على الجزائري الذي يحمل العلم الفلسطيني ويحييه بنشيده، وتنطلق الصافرة بعدها ليبدأ الأخوة في اللعب وقلبهم واحد وهدفهم واحد، ينادون بالحرية والتحرر من العدو الواحد لأمتهم الواحدة، ويبدأ الحماس في دمهم والمباراة تجري بسرعة، وترتطم الكرة في العارضة الفلسطينية، وبعدها بدقائق يرد الفلسطيني تامر صالح بفرصة ذهبية لكن أضاعها، ويستمر الشوط بمتعته وهتافات الجماهير التي لم تصمت وهي تحيي فلسطين، ويصفر لانتهاء الشوط الأول.

واستراح اللاعبون ربع ساعة لكن في هذا الوقت لم تسكت الجماهير وهي تصنع صورة النضال والمساندة للفلسطيني في مدرجاتها، ويبدأ الشوط الثاني بقوة سعيًا من الجزائريين، لكن انعكست الصورة، وفي الدقيقة 62 نجح محمد أبو مهية في ترجمة إحدى هجمات منتخبه إلى هدف في شباك الحارس البديل شعال، بعد أن وجد نفسه وجهًا لوجه، ويسدد الكرة وسكنها في الشباك، وتبدأ فرحة الجماهير، وكأنها تقول افعليها يا فلسطين فأنتِ الوحيدة التي نكون معها ظالمة أو مظلومة، ولو خسر منتخبنا.

كل جزائري كان حاضرًا بالملعب كان يحمل الحب والوفاء لأرض الرباط الفلسطينية، وبمحبته، لم يتحرك عربي ليغار منه ويساند فلسطين بهذه المحبة البسيطة

وانتهت المباراة والجماهير لا تريد أن تفارق الملعب، لأنها تعتبر هذه المواجهة تاريخية بالنسبة لفلسطين والجزائر، لأنها الأولى من نوعها في يوم الشهيد من عام 1962 تاريخ استقلال الجزائر.

ولم يكن الجزائريون ليودُّعوا الفلسطينيين من دون شيء، بل وقع رئيس اللجنة الأوليمبية الفلسطينية جبريل الرجوب، مع نظيره الجزائري مصطفى بيراف، اليوم الأربعاء، أول اتفاقية تعاون رياضي بين البلدين، في مقر إقامة جنان الميثاق التابعة للدولة، وبحضور شخصيات رفيعة المستوى في الرياضة الجزائرية، وقالها بيراف أمام الحاضرين، "نشعر بالفخر والاعتزاز كونها الدولة العربية الأولى التي توقع اتفاقية تعاون رياضي أوليمبي مع دولة فلسطين"، مؤكدًا أن الاتفاقية تعبير صادق عن المحبة والعلاقات التاريخية المتجذرة التي تربط البلدين. واتفاقه ليس بالشكلي فقط بل سيفتح باب الجزائر على مصراعيه أمام كل الرياضات الفلسطينية، للاستفادة من خبرة الجزائر، والعمل على المساهمة بتطوير رياضة فلسطينية قادرة على النهوض والتطور، رغم كل المعوقات التي تحيط بها وعلى رأسها الاحتلال الصهيوني.

وهكذا يمكن الإجابة على استفسار الكثيرين من الوطن العربي الذين يتعجبون من الفلسطينيين، عندما يحملون أعلام الجزائر عندما يواجهون الاحتلال في الضفة الغربية وعلى الحواجز، أو في غزة على الشريط الحدودي للأراضي المحتلة، فالجزائر اليوم بمحبتها وجماهيرها فعلت ما لم يشهده تاريخ كرة القدم من قبل عندما شجعت الفريق الخصم على فريق بلادها، وكل جزائري كان حاضرًا بالملعب كان يحمل الحب والوفاء لأرض الرباط الفلسطينية، وبمحبته، لم يتحرك عربي ليغار منه ويساند فلسطين بهذه المحبة البسيطة.

اقرأ/ي أيضًا: 

السلطة الفلسطينية تقدم درسًا دكتاتوريًا للمعلمين

قناة فلسطين..جرعات تثبيط الانتفاضة