14-يناير-2016

(محمد هويس/أ.ف.ب/Getty)

يبدو أن ما تربينا عليه كجيلٍ سابقٍ ومعاصرٍ لتنظيم "داعش" بات من الماضي، فلا "الجنة تحت أقدام الأمهات"، ولا هنّ نصف المجتمع، بل يمكننا القول اليوم، وفي زمنٍ أعلن الإرهاب فيه أن له دولة، وأنّ "الجنّة تحت أقدام الأمير"، وباب الجنّة مفتاحه.. رأس "أمّي".

علي صقر، شابٌ عشريني، من سكّان الرّقة، عاصمة دولة "داعش" المفترضة، استيقظ في الصّباح، وقرّر، بمباركة التّنظيم ووجوهه الشّرعية، أن "لينا قاسم" يجب أن تٌعدم بتهمة الرّدة، ذنب لينا أنّها أرادت الهرب من مناطق سيطرة تنظيم "داعش" هي وابنها الشّاب، أرادت له مستقبلًا بعيدًا عن القتل ومشاهد الموت. مهندس، طبيب أو أي مهنةٍ مستقبليةٍ، غير الخادم لحدّ السّيف. قُتلت لينا على الملأ، لم تكن مجرد قتيلة. كانت درسًا ورسالةً أرادها التّنظيم أن تصل للجميع، مجردّ التّفكير في الرّدة يعني الموت المحتّم، قتل علي صقر الشّاب الضّحية لينا قاسم، حرمها من أحلامها، وجعل منها القتيلةُ برصاص ابنها.

في داعش أشخاص أعدموا أمهاتهم وآباءهم بدمٍ بارد

لا تخلو يوميات تنظيم "داعش" من أخبار القتل، بهدف إقامة الحدّ طورًا وإيصال الرّسائل تارةً. التّنظيم الدّموي يعمد من خلال "دائرة التّوحّش"، أو ما يصطلح تسميته بوزارة الإعلام "الدّاعشية"، إلى رسم صورةٍ أسطورية للتنظيم، صورة المقاتلين الأشدّاء، أبناء "سبارتا" المستعدّين لقتل أمّهاتهم وآبائهم فداءً لدولة "سبارتا" الجديدة، دولة تنظيم "داعش".

محمّد الغامدي، العشريني أيضًا، أراد لوالده أن يكون ضحيّته الأولى، فقتله في السّعودية لأن الوالد حاول ثني ابنه عن اعتناق الفكر الإرهابي. قتل الولد الوالد، بينما مرّت أمام الوالد مشاهدُ من شريط ذكرياتٍ جمعته مع ابنه، محمّد، ضحيّة الفكر الإرهابي كغيره من الشّباب المضلّل.

محمود الحسين، أبٌ طرابلسي (شمال لبنان) ساقه القدر إلى الرّقة، جمع ما يحتاجه من منزله في طرابلس ومضى إلى الرّقة، علّ يحيى، ابنه، يعود إلى رشده ووطنه ومنزله في حي "المنكوبين" الفقير في طرابلس، لم يعرف محمود أن ليحيى رأي آخر، ظنّ أن الأعوام الثمانية عشر التي جمعته وابنه، ستكون كفيلةً بلعب دور خشبة النّجاة والجامع الجديد لعائلةٍ فرّقها الإرهاب، لكن فور وصول الوالد إلى الرّقة، اعتقله التّنظيم بعد كمينٍ مدبّر وحقّق معه لمدّة يومين، قبل قتله بغطاءٍ من ابنه، الذي اتهمه بالعمالة للدولة اللبنانية.

يحيى، علي ومحمد نماذج من الجيل الذي سيشكّل الجبهة التي سنحاربها، ونحارب أبناءها من بعدها، تاريخ التّنظيم واستراتيجيته محكومة بالاستمرار والانتقال الفكري من جيلٍ إلى آخر، فالتّنظيم يفرز جهدًا كبيرًا لتدعيم قطاعه العلمي-الفكري، بالتّوازي مع الجهد في التّأهيل العسكري لصغار السّن، حتّى يُصبح الموت في مفهومهم وسيلة وصولٍ لا نهاية طريق.

 الأخطر من كون التّنظيم بأفكاره خطر جدّي على سمعة الإسلام، هو قدراته الفائقة على الاستقطاب وغسل الأدمغة، هل يعقل أن يقتل ابن أباه أو أمّه؟ فعلها الدّاعشيون ولم يرفّ لهم جفن. صحيحٌ أننا نعيش أيامًا صعبة، لكن، ومع الأسف، الآتي ظلاميٌ أكثر.

اقرأ/ي أيضًا:
هل سيحارب العالم داعش؟
المؤشر العربي: داعش في نظر الرأي العام العربي