11-فبراير-2016

نذير إسماعيل/ سوريا

* إلى شيلان أو يادى

"في الغِياب، تُشَلَّ قَدَمَاي، أَسْمَعُ الأُغنيَةَ الصَّاخِبة، الدَّربُ طَويلَةٌ يَا أمّي"، 
هَكَذَا أهْمُسُ لَكِ عَن المَرَضِ وَعَن أُناسٍ أحْبَبْنَاهُمْ.
عَلَى الطَّاولَةِ كِتابُ الأخِّ الفُصاميِّ وَلا أجِدُ مَا يُمكِنُ أن يَمنعَني عَن الجنون في هَذا المَسَاء، كِلانَا يَعي الجُنونَ والمَوتْ، غَيرَ أنَّ الحُزْنَ ضَخْمٌ كَالقَمَرِ العَالِقِ في السَّمَاءْ، وَكَطِفلَينَ أنَا وَأنْتِ نَبْتَسِم لمَن يَمرّونَ خِلسَةٍ، نُبْصِرُ المارّينَ دونَمَا أيّ حَرَكَةٍ ، فَقَط نَبْتَسِم، أَوَ ليسَت الابتِسَامَةُ حَركَةً عَجيبَة؟!!
الجَلُوس وحيداً أو رَمي الزُّجاجَةِ العَاشِرَة مِن النَّافِذَةِ المُعَطَّلة كانتِقَامٍ مَن رَيبِ الماضي.
في الأنْحَاءْ ثمَّتَ أشْجَارٌ عَلِقَت أغْصَانُهَا في ذاكرتي، في الطَّريق لباب توما أو السَّيرِ بُمفردي عَلى أوتستراد المزّة، كُلُّهَا أشْجَارٌ لَا زَالَت تَنمو لِوحْدِهَا، مَاءُها الذكرياتْ.
أَحْرَقْتُ أصَابعي وَأنا أُنضِدُّ كُلّ هَذه الآلام.. خَسِرتُ الأوقَاتَ كُلَّهَا وأنا أدوِّنُ ألقابَ من غابوا، ليسَ المَوتى في الغياب ..إنمَّا نحنُ .. أو ربمَّا أنَا مَن هوَ في عُمقِ الغياب الذي كَكَهفٍ أسَودٍ قَاتِمْ... أحيطُوني بالأرقَامِ الكثيرَة .. كُلُّ دَمْعَةٍ رقَمٌ.. كُلُّ دَمْعَةٍ بُكَاءٌ أزليٌّ عَلَى اللّاشيء، هَذا الكَامِنُ بينَ أَضْلاعي الرَّقيقَة. 
هَكَذا كنتُ أكتبُ في الماضي : "على صَدري... نَامي على صَدري... سَتَشعرينَ بالوجَع وَسَأشْعُرُ أَنَا بِشيخوخَتي... سَيشعرُ العَالَم بِذْنبهِ إزاءي وَسيتوقَّفُ عَن إزعاجي بشخيرِهِ كُلَّ فَجر... 
عَلى صدري... فلتنامي على صدري"... الآنَ أكتُب للفَرَاغِ الهائِلْ!!، أَوَ ليسَ الفراغُ رأفَةً؟!!
قُصَاصَاتُ الورَق لا تعنيني في شَيء سِوى أنَّني أَتَمَتَّعُ بِمَنْظَرِ الهَواءِ يَتَلَقَّفُهَا كَالمَسعورْ، أعْقَابُ السّجائرِ كَذلِكَ الأمر تُعينُني على الضّحِكِ مِن ذكرياتٍ غابَرَة... فلنكُنْ واثقينْ.
رقَّقَنا الشِّعرُ، والموسيقَى روّضَتْنَا، الغيابُ وردَةُ العُمرِ الذَّابِلَة، القُرَى نائيَةٌ ، تلكَ القُرَى السَّابِحَة في دماغي الوَسيمْ.
في الصَّباحْ، في المَساءْ، 
في عُمقِ الورقِ الأبيضِ الذي مِثْلَ قَلبِكْ، 
لا تضغطي بأسنانِكِ على عُقبِ السّيجَارَة.
عَلَى الطَّاولَةِ فناجينُ قديمة، أتخيَّلُكِ الآنَ، أغمُضُ عيني اليُمنى، أرى ما لا يمكنُ لنبيِّ أن يراه: أصيصُ الوردِ على حافَّةِ النَّافِذة يدنو من وَجهِكِ، يختلِطُ الأمرُ عليّ، لا، ليسَت وروداً في الأصيص، إنَّهَا صُورٌ أُخرى لملامِحِكْ.
 قَلبي يابِسٌ!! تَضْحَكُ الطِّفلَة للتعبيرِ السَّاذَجْ، وَأنَا لا أملُكُ أيَّ تفسيرٍ لِهَذَا الكَلَامِ السَّاذَجْ، أقولُ: كَفَى، تُردِّدُ الجُدرانُ صَوتيَ اليَابِسْ، أعيْ كلامَهَا جيِّدَاً حالَ تفكُّرٍ بسيطْ، ليسَ قلبي يابِسَاً إنَّهُ صوتي يا ابنتي!!
الألْحَانُ... الألْحَانُ... الألْحَانْ... إصغي جيِّداً وقارِني وجهَكِ بِتِلْكَ الألحَانْ..
ربمَّا كانَ علينا أن نتكلَّم في الشِّتاء وليس في هَذا الصيف الذي يماثِلُ صحراءَ أعمارِنَا، كُلُّ شيءٍ قاحِلٌ هُنَا سِوى قُلوبِنَا..
الضَّجَرُ يملُكُ أنيابَاً لا مرئيَّة، ونحنُ أيضَاً نملكُهَا ونُظْهِرُهَا، لكن في أوقَاتٍ غَيرِ مُلائِمَة!!
ماذا لَو أنَّني بَكيتُ الآنْ كثيرَاً، هَل سأتمكَّنُ من الذكريَاتِ التَّعِبَة ؟! لا أريدُ الجوابْ، الوقتُ أقصَرُ مِمَّا نتوقَّعْ، فَلنَمضي إلى الغيابِ الذي انْتَظَرَنَا طَويلَاً..

كُحول 1

لَيسَ ذلك فعلَ الكُحول في دَمي..
إنَّهُ أنتِ..!!!

كُحول 2

الشَّاعِرُ كائِنٌ حَقير ..!!
يكرهُ أُمَّهْ وَ يَعشَقُ الحَجَرْ...

كُحول 3

القطَّةُ السّوداء تغدو في لحظَةٍ بيضَاءْ
والألَمُ لِوهَلَةٍ هُوَ الفَرَح..

* يادى تعني الأم باللغة الكرديَّة

اقرأ/ي أيضًا:

الجنود توقفوا عن العدّ

قبلة، أغنيّة، خيام