05-ديسمبر-2015

الخراب بات وشيكًا (مروان نعماني/أ.ف.ب/Getty)

سَنَواتٌ لَيست بالكثِيرَة مِن العَمَل الجاد كانَت كَفيلةً بوضعِ المُنتَخَبِ القطريِّ بينَ كبارِ لُعبةِ كُرَةِ اليدِّ في العالم، بالتوازي مع صَولاتٍ وجَولاتٍ سَجَّلَتها الأَندِيَةُ القطريِّة للُّعبَةِ في آسيا وشمال إفريقيا، أَحرزت خِلالَها أَمجد البُطولات وحَفَرَت اسمها في السِّجِلَّات الذَهبيّة لواحدةٍ من أَصعبِ الألعابِ الرياضيّةِ الجماعيّة.

القَفزةُ النوعيِّة للرياضةِ القطريِّة على مستوى كُرة اليد، كانت بالتّوازي معَ محافظةِ عددٍ من الأنديةِ والمنتخباتِ العربيّة للُّعبة على مُستواها الفنيِّ المميّز وخاصةً في البحرين وتونس ومصر، في وقتٍ كانَت تُسجِّلُ الأَندية اللبنانيّة تراجُعًا يُمكِنُ وصفُهُ بالدراماتيكي وهو ما انعَكَسَ بدورِه على المُنتخب اللبناني للُعبةِ القوةِ والجمال كما يُسميها البعض.

 لا يَخفَى على أحدٍ أنّ "العَصَرَ الذهبيّ" لكرةِ اليد اللبنانيّة كان مع وصُول نادي السد بإِدارَتِهِ الطَموحة في العام 2007، وقتَها تمكّن النادي الأصفر من تحقيقِ بطولةِ الدَرَجةِ الثانية ليُلحِقُهَا ببطولةِ كأسِ لُلبنان للّعبة ويَصعَد إلى دوريِّ الدرجةِ الأولى التي حَمَل كأسَها في السّنواتِ اللّاحقة عن جدارةٍ واستحقاق. في العام التالي حقّق السدّ بطولَتي الدوري والكأس إضافةً إلى حُصُولِه على المركزِ الثّامن في بطولةِ آسيا لأبطال الدوري في أولِّ مشاركةٍ آسيويّةٍ له، وبَعدَها بعامٍ واحِد حافَظَ السدّ على بطولاتِه المحليّة كما تَمَكّن من تحسينِ مركزِهِ آسيويًّا وحَصَلَ على المركزِ الخامس في مدينة جدّة السعوديّة، والمركز الثاني بعدها في الأردن.

يوجد في لبنان لاعبين هم من الأفضل في القارة الآسيوية وخاصة على مستوى الارتكاز وحراسة المرمى

 النّادي اللبناني حديثِ الوِلادة وَصَلَ إلى قِمَّةِ المجدِ بين عامي 2010 - 2011 حيثُ حَصَدَ في الأولى بطولة آسيا في بيروت، وكان الرابع على مستوى العالم في مونديال كُرَةِ اليدّ للأندية الذي نُظِّمَ في العاصمةِ القطريّةِ الدوحة، أمّا في العام التالي "2011" فكان الثاني آسيويًّا والثالث في بطولةِ العالم في نتيجة غير مسبوقة لنادٍ لبناني.

إنجازاتُ نادي السدّ اللبنانيّ على مدى السنوات لم تَتَرافق مع إنجازاتٍ على مستوى المنتخبِ الوطنيِّ للّعبة، وذلك نَتيجة التَقصير الفاضِح من قِبَلِ الاتّحاد اللبنانيّ الذي حَاوَل مِرارًا التضييق متحجّجًا بعدمِ وجودِ الأموال الكافية لتشكيل بِعثَاتٍ للمنتخب أو المشاركة في البطولات الآسيويّة أو العالميّة.

وبعدَ العام 2011 بَدَأت الانتكاساتُ الحقيقيّة لكُرَةِ اليدّ اللبنانيّة نَتيجَةَ دخولِ السياسة على خطّ هذه الرياضة، وهَدَمَت كُلّ ما بَنَاهُ النادي وصُولًا إلى اتخاذِ إدارتِهِ القَرَارَ بإقفالهِ في العام 2014 بسبَبِ فَشَل الاتحاد في إدارة اللعبة، ومحاولاتِ عَرقَلَة تَطوّر هذه الرياضة في لبنان على مستوى الأندية والمنتخب. ومع هذا القرار عَادَ حوالي عشرون لاعبًا مِمَّن رفعوا العَلَم اللبنانيّ في آسيا والعالم إلى مَنَازِلِهم دونَ أن يَقِفَ أحدٌ إلى جانِبِهم.

ساهمت السياسة بهدم طموح بعض الأندية اللبنانيّة كما دفعت ببعض اللاعبين إلى الاعتزال المبكر

بعدَ إقفال النادي تَمَكّن نادي "الشباب مار الياس" من تَحقيقِ البطولةِ في مَوسمِ 2014 - 2015 على حساب "الصداقة" ومَعَه فُتِح من جَديد ملفّ مشاركة المنتخب في التَّصفيات المؤهّلة إلى بطولتي آسيا والعالم المُقبلَتَين، فَبَدأت اجتماعاتُ مُكثَّفَة لاتحادِ اللعبة مع اللاعبين، بعدَ مطالباتٍ من وزارةِ الشباب والرياضة التي وَجَدت نفسها مُحرَجة من عَدَم تشكيلِ مُنتخب رَغم أن الاتحاد الحالي موجود منذ أكثر من عشر سنوات، فكانت أيضًا الحُجّة هذه المرّة بعدمِ وجودِ الأموال وعَدَم القُدرة على تَجنيس لاعبين أجانب، وهو الأمرُ ذاتُه الذي بدأَ يدفع إدارةَ نادي مار الياس إلى التلويح بإقفال النادي، ومَعَه يَذهب لاعِبوه على غِرارِ لاعبي السدّ إلى منازِلِهم دونَ أيّ تعويضاتٍ، أو أُفُقٍ واضحٍ للمُستقبل، وبِالتالي تَندَثِرُ إلى حدٍّ كبيرٍ حظوظُ المنتخب بالوصُولِ إلى كأس العالم أو كأس آسيا "هذا إذا شارك في التصفيات أصلًا".

اقرأ/ي أيضًا: كرة اليد.. لعبة القوة والجمال

 نَظرةٌ جِديّة إلى رِياضَةِ كُرَةِ اليد في لبنان نَرى مِن خِلالِها أنَّ هذه الرياضة قائِمة على المُبَادراتِ الفرديّة وَسطَ غِيابٍ كاملٍ لاتِحادِ اللعبة أو المُبَادراتِ الرسميّة، وهو ما يجعَلُها غيرَ قادِرةٍ على الاستمرار، هذا عَدا عن المُنَاكفاتِ السياسيّة التي تَطال اللعبة وتجعَلَها ساحةً للكِباشِ من أجلِ تَحصيلِ النُفوذِ والمُحَافَظة على المَقَاعِد. ومن خلال هذه النّظرة أيضًا يتأكّدُ اللاعب كما المُتابع أن أَسبَاب نجاحِ هذه الرّياضة في قَطَر ومِصر وغَيرِها من الدّول العربيّة، هي بسبب وجود رعاية رسميّة واتحاداتٍ جادّة تَضَع الخِطط وتُساعد على تَطوير الأَندية لِكي يَرفِدوا المُنتخبات بلاعبين مميّزين من أجل الدِفاع عن ألوانِ عَلَمِ البِلاد، وتَحقيق البطولات.

اقرأ/ي أيضًا: المنتخبات العربية... الإنجازات المفقودة