28-نوفمبر-2023
الحكومة الإسرائيلية والحرب

رون ديرمر، هو العنصر الذي يقوم في عملية التنسيق مع الولايات المتحدة (Getty)

كانت حكومة الحرب الإسرائيلية، التي شكلها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بعد عملية "طوفان الأقصى"، ضرورة بالنسبة له، من أجل إدارة العدوان الإسرائيلي على غزة، في ظل عدم الإجماع على شخص نتنياهو.

وبينما كان نتنياهو يبحث عن الانتقام من قطاع غزة، فإن الاعتبارات السياسية كانت حاضرة، وجاء تشكيل الحكومة بهدف تقاسم المسؤولية، فيما يبدو أن بيني غانتس هو الرابح الأكبر حتى الآن، والذي يتفوق في استطلاعات الرأي على نتنياهو، وباقي الأحزاب الإسرائيلية.

ومنذ بداية العدوان، تشير المصادر الإسرائيلية، إلى أن نتنياهو لم يترك السياسة وواصل الترويج لنفسه، إلى درجة الحديث عن قيامه بنوع من الدعاية الانتخابية المبكرة له، وفي هذا السرد التالي نعرض أدوار ومواقف أعضاء حكومة الحرب الإسرائيلية، التي تهدف إلى إدارة العدوان على غزة، والقيام بإجراءات اقتصادية حيوية فقط. 

سعى نتنياهو إلى توزيع المسؤولية من خلال توسيع حكومة الحالية، والإعلان عن حكومة الحرب الحالية

بنيامين نتنياهو.. الدوران حول الانتقام

قال تامير باردو، الرئيس السابق للموساد: "إن بنيامين نتنياهو ليس قائدًا شجاعًا. لكي تتخذ قرارات صعبة بشأن الحرب أو السلام، عليك أن تكون شجاعًا، وهو ليس كذلك، ويشعر بالذعر". إذ كانت صفة التحفظ العسكري، هي ما تلازم نتنياهو طوال الوقت. ومع بداية العدوان على قطاع غزة، انفلت نتنياهو، من أجل تحقيق الانتقام وقتل أكبر قدر من الضحايا في القطاع المحاصر، لكنّه لم يترك الحسابات السياسية، وفق ما تجمع معظم وسائل الإعلام الإسرائيلية.

وبينما يدور العدوان على قطاع غزة، فإن نتنياهو يحاول إيصال الرسائل السياسية، التي تضمن مستقبله السياسي ما بعد الحرب، ويحسب خطواته، مما عرضه للانتقادات داخل إسرائيل. وكان آخر ما كشف، قيامه بسلسلة من الاجتماعات مع أعضاء حزب الليكود، من أجل ضمان استمراره في قيادة الحزب.

كما نظر إليه، باعتباره العامل وراء تأخير العملية البرية، ويعود ذلك لرغبته في الحصول على دعم أمريكي كامل، وضم بيني غانتس إلى حكومته من أجل الحصول على شرعية واسعة داخل إسرائيل، إذ أصبحت الحكومة الحالية تمثل 70% من الإسرائيليين.

ورغم ذلك، رفض نتنياهو التخلي عن غانتس وبن غفير، ومع عدم إشراكهم في العديد من النقاشات، إلّا أنّ نتنياهو مرر ميزانية سموتريتش، التي عارضها شريكه الحديث غانتس، ورفض التخلي عن الأعضاء الأكثر تطرفًا مقابل انضمام يائير لبيد للحكومة.

نتنياهو وإدارة الحرب الإسرائيلية على غزة

كما لم يلتفت نتنياهو كثيرًا لصفقة التبادل، وهو لم يقدم أي موقف جدي أو حاسم منها، ولكنه تهرب منها، ولم تكن ذات أولوية له، ولم يوافق عليها إلّا مع تغير موقف المؤسسة الأمنية، مما يجعله يتنصل من المسؤولية الكاملة.

وعلى صعيد تحمل المسؤولية، فإن نتنياهو راوغ عدة مرات من أجل عدم الإقرار بالمسؤولية عن الفشل في "طوفان الأقصى"، فيما تحدثت تقارير عدة في إسرائيل، أنه سعى إلى تحميل المسؤولية للمؤسسة الأمنية، التي ساهمت الأوساط القريبة منه، بإرسال تسريبات للإعلام الإسرائيلي تشكك بها.

وقال أحد المسؤولين الإسرائيليين السابقين: "نتنياهو يتعرج، هذه هي سمعته. إنه يتحدث بشكل كبير. لكن الإجراء [الذي يلي] ليس كبيرًا على الإطلاق".

رئيس الوزراء الأكثر حكمًا في إسرائيل، والذي كان ضمن قوات النخبة في دورية هيئة الأركان، لم يتقدم في المسار العسكري، وكان بحاجة لضم الجنرالات إلى حكومته، أكثر خبرة، وشرعية على المستوى المجتمع. ولكن كل هذا لم يمنع الانتقادات عن حكومته.

والتحليلات تتحدث عن "فشل" نتنياهو، في التعامل مع "مخاوف" الإدارة الأمريكية، ورغم دعمها الجارف لإسرائيل، إلّا أنّها تطلب توضحيات مع نتنياهو، حول "اليوم التالي"، والعدد الكبير من الضحايا في غزة، بالإضافة إلى توسيع العدوان البري.

وفي مقال لرئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق إيهود باراك، قال: "فشل نتنياهو في قيادة الحرب يكمن في إنكاره للفهم القائل بأنه في هذه الحالة لا يمكن تحقيق النصر دون موقف واضح بشأن «اليوم التالي» وخطة لتنفيذ تلك الرؤية"، مضيفًا: "من المؤكد أن كل من يعرف نتنياهو ويراقبه اليوم لديه شكوك جدية حول أهليته لقيادة مثل هذه الحملة المعقدة. وينبغي لمؤيديه أيضًا أن يتوقفوا لحظة للتفكير: هل هو حقًا على مستوى المهمة؟".

والخلاصة عند باراك، هي: "الاستنتاج المطلوب هو أن حكومة نتنياهو تلحق ضررًا جسيمًا بمكانة إسرائيل الاستراتيجية وتقود حربًا ليس لها نقطة نهاية. وهذا يسبب أضرارًا هائلةً. يجب إنهاء رئاسة نتنياهو للوزراء قبل أن تصبح عواقب عيوبه غير قابلة للإصلاح. المطلوب في الظروف الحالية هو حكومة وحدة وطنية موسعة من دون نتنياهو، ومن دون سموتريش وبن غفير. وحدها الحكومة التي تتصرف بمسؤولية وحاسمة، بعيدًا عن الاعتبارات الدخيلة والمشوهة، ستكون قادرة على قيادة إسرائيل نحو نهاية الحرب وإلى النصر".

بيني غانتس.. قاتل صرف

وصف وزير الأمن السابق ورئيس هيئة الأركان بيني غانتس، مرة نفسه بـ"قاتل صرف"، نظرًا لتاريخه الدموي في الحروب ضد فلسطين ولبنان.

وشملت مسيرة غانتس العسكرية التي استمرت 38 عامًا، الإشراف على عملية عام 1989 لتهجير 14500 يهودي إثيوبي جوًا إلى إسرائيل. 

وبعد عقد من الزمن، قاد جيش الاحتلال، الذي كان يحتل جنوب لبنان ثم أشرف على انسحاب دولة الاحتلال من المنطقة. وكان رئيس أركان الجيش الإسرائيلي خلال حربين في غزة في عامي 2012 و2014، وواجه هو والحكومة بسببهما انتقادات دولية. وخلص تقرير للأمم المتحدة في عام 2015 إلى أن إسرائيل ’ربما’ ارتكبت جرائم حرب في صراع عام 2014.

بيني غانتس

وكانت دعاية غانتس الانتخابية الأبرز، بعد حرب 2014، صور الدمار القادمة من قطاع غزة، باعتبارها تعبيرًا عن فعله.

ويُنظر في إسرائيل، إلى غانتس باعتباره عامل خبرة وتوازن في الحرب، ليس لتقليل قتل الفلسطينيين، ولكن للتصرف مع العدوان بنوع من العقلانية، إذ دعم غانتس صفقة تبادل الأسرى منذ البداية تقريبًا، على عكس نتنياهو وموقف الجيش وغالانت.

كما أن نتنياهو تشارك معه حكومة الحرب، نتيجة خبرته الدموية أساسًا، وكونه صاحب خلفية عسكرية، على عكس باقي أعضاء الائتلاف الذي شكله بعد الانتخابات الأخيرة.

يوآف غالانت.. العدوان يندفع

يعتبر وزير الأمن يوآف غالانت، القائد السابق للقيادة الجنوبية في الجيش إسرائيل ولاعبًا رئيسيًا في العدوان على غزة 2008-2009، أحد الأعضاء الأكثر تشددًا في حكومة الحرب.

وفي أعقاب 7 أكتوبر/تشرين الأول، تعهد بأن رد إسرائيل "سيغير الواقع على الأرض في غزة على مدى الخمسين سنة القادمة"، وأضاف: "قبل خمسة عشر عامًا، كرئيس للقيادة الجنوبية، كنت على وشك كسر عنق حماس. لقد أوقفني المستوى السياسي. هذه الظاهرة لن تستمر".

وتشير التقديرات إلى أن أسلوب غالانت الاندفاعي يتعارض مع نهج نتنياهو الأكثر حذرًا. واضطر الاثنان إلى إصدار بيان خلال بداية العدوان ينفيان فيه اختلافهما حول كيفية إدارة الحرب، بعد أن أفادت تقارير إعلامية أن التأخير في شن هجوم بري تسبب في احتكاك بينهما.

يوآف غالانت

ولم يكن هذا هو الصدام الأول بينهما. في مارس/آذار، أقال نتنياهو غالانت بعد أن حذر من أن الإصلاح القضائي المثير للجدل الذي دفعت به الحكومة يهدد بإلحاق الضرر بالجيش. وتراجع نتنياهو على مضض عن الإقالة بعد احتجاجات حاشدة في أعقاب الإعلان.

ويعود اندفاع غالانت العسكري، إلى محاولته ترميم صورة الفشل الذي وقع في "طوفان الأقصى"، بعدما سقطت معسكرات الجيش الإسرائيلي سريعًا.

ويظهر ذلك، في تعامل غالانت مع ملف صفقة تبادل الأسرى، التي كان يعارضها بداية، لاعتقاده أن الزخم العسكري، يمكن أن يحقق ضغطًا على حماس، وهو أمر من المشكوك في تحققه.

غادي آيزنكوت.. عقيدة الانتقام

وخلف غادي آيزنكوت، بيني غانتس في منصب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي ثم تبعه في السياسة، حيث تم انتخابه عضوًا في الكنيست العام الماضي كعضو في تحالف الوحدة الوطنية.

خلال فترة وجوده في الجيش، كان هو منشئ "الحملة بين الحروب" التي شنتها إسرائيل في سوريا. كما ترأس القيادة الشمالية لإسرائيل، وخلال ابتدع ما عرف باسم "عقيدة الضاحية"، وهي التوجه إلى تحقيق أكبر كم من الدمار على الصعيد المدني، والبنية التحتية، من أجل إخضاع حواضن المقاومة.

غادي آيزنكوت

وقال عنه مايكل ميلشتاين، مسؤول مخابرات سابق في الجيش الإسرائيلي خدم في عهد آيزنكوت: "إنه ليس رجل الكلمات والإعلانات الكبيرة. لكنه قائد شديد التركيز. الأشخاص مثل غانتس وآيزنكوت أقوياء، لكنهم متوازنون وواقعيون".

رون ديرمر.. نافذة على واشنطن

من المعلوم أن نتنياهو، لم يكن الشخصية المفضلة للرئيس الأمريكي جو بايدن للتعامل معه، خلال فترة حكمه، وتفاقم هذا الموقف مع خطة التعديلات القضائية، التي دفع بها نتنياهو بقوة طوال العام الماضي، بينما تدخلت الولايات المتحدة، بثقلها في هذه القضية.

ووسط التوترات مع الولايات الأمريكية المتحدة، كان رئيس الوزراء الإسرائيلي، يترك نافذة تمكنه من التواصل مع الحكومة الأمريكية، وتمثلت في هيئة وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، الذي كان طوال الوقت على تواصل مع واشنطن.

وأهمية ديرمر وحضوره في السياسة الأمريكية، جاءت بعدما عُيّن سفيرًا لإسرائيل في الولايات المتحدة، عام 2013، من قبل نتنياهو. 

في حينها، ناقش مساعدو الرئيس الأمريكي باراك أوباما، الذين نظروا إلى ديرمر باعتباره ناشطًا سياسيًا يمينيًا وليس دبلوماسيًا، ما إذا كان ينبغي للبيت الأبيض أن يرفض قبول أوراق اعتماده، قبل التراجع عن الفكرة.

ويشار حاليًا، إلى أن عضوية ديرمر في مجلس الحرب الإسرائيلي، تعود إلى كونه قناة الاتصال الأساسية، لإسرائيل مع إدارة بايدن.

وقال آرون ديفيد ميلر، وهو باحث بارز في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي ومفاوض السلام السابق في الشرق الأوسط: "رون ديرمر هو المعالج الأمريكي. كونك عضوًا في مجلس الوزراء الحربي أمر بالغ الأهمية لذلك. والسؤال هو ما إذا كان سيصطدم بالشكوك وانعدام الثقة بين أفراد بايدن". ووفق صحيفة نيويورك تايمز: "حتى الآن يبدو أن الجواب هو لا. وقال مسؤولون أميركيون إن ديرمر، البالغ من العمر 52 عامًا، كان له حضور بناء في العديد من الاجتماعات والمكالمات الهاتفية، وكانت التقلبات في علاقتهما الطويلة بمثابة مصدر للألفة وليس الضغينة". وتضيف الصحيفة الأمريكية: "يمكن اختبار هذا الارتياح عندما تنتقل الأزمة من المرحلة العسكرية إلى الدبلوماسية والسياسة، وهي المجالات التي يلعب فيها ديرمر مساحة أوسع".

رون ديرمر

وأشارت "نيويورك تايمز"، إلى أنه "أثناء وجوده في واشنطن، اصطدم ديرمر مع أوباما بشأن الاتفاق النووي الإيراني، الذي عارضته إسرائيل بشدة، وتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية المحتلة. فهو، مثل نتنياهو، ليس من المعجبين بحل الدولتين".

وأعرب داخل البيت الأبيض، من الغضب نتيجة ميل ديرمر للجمهوريين، وتفضيل العلاقة مع ترامب التي وصفت بـ"دافئة". وعمل ديرمر لاحقًا بشكل وثيق مع صهر ترامب، جاريد كوشنر، في اتفاقيات التطبيع مع مع الإمارات والبحرين.

من ناحية عسكرية، تعتبر عضوية ديرمر في حكومة الحرب مفاجئة. ولد ونشأ في ميامي، ثم هاجر إلى إسرائيل بعد تخرجه ولم يخدم في الجيش الإسرائيلي. ثلاثة من أعضاء مجلس الوزراء هم جنرالات متقاعدون، بينما خدم نتنياهو في وحدة القوات الخاصة كجندي شاب.

لكن على مستوى آخر، فهو يقدم المشورة لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو منذ عام 2000، سواء من واشنطن أو تل أبيب، ووصف بـ"دماغ بيبي [نتنياهو]". فيما قال أنشيل فيفر، الذي كتب سيرة لنتنياهو بعنوان "بيبي: الحياة المضطربة وأوقات بنيامين نتنياهو": "من الواضح أن الشخص الوحيد الذي يثق به هو رون ديرمر، الذي يتمتع بخبرة عسكرية قليلة أو معدومة". أما السفير الإسرائيلي الذي سبق ديرمر في واشنطن، قال: "إنه الرجل المفوض في نهاية المطاف"، مستخدمًا المصطلح الدبلوماسي للإشارة إلى مبعوث يتمتع بسلطة كاملة للعمل نيابة عن حكومته في الخارج.

ويلعب ديرمر دور المراقب في حكومة الحرب الإسرائيلية، كما هو دور غادي آيزنكوت.