14-مايو-2016

غاري ووتز/فرنسا

أخذ نفرٌ من علمائنا ومشايخنا الكرام على عاتقهم إيجاد صلة ما بين الحدث العلمي وبين آية قرآنية بها معجزة كونية لم تكتشف إلا حديثًا، أو إشارة إلى ما يوجد داخل الإنسان ولم يتوصّل إليه الإنسان "المسلم" الأول وتوصّل إليه الإنسان "العلمي" الغربي الآن. 

لو سلَّمنا بطريقة التفسير العلمي للقرآن فسوف يكون هذا التفسير حجة علينا يوم القيامة

وقد فُتن عدد لابأس به من المسلمين بهذه الطريقة في التعامل مع كتاب الله، الذي نزل للناس لكي يهديهم إلى إلى الطريق المستقيم، أي أن القرآن نزل في المقام الأول من أجل القلب ولم يكن كتاب نظريات ومعادلات وما شابه.

اقرأ/ي أيضًا: بيروت مدينة من؟

وبما أن القلب يتسع للآخرة والدنيا فمن الجائز أن نجد في القرآن إشارة علمية إلى حدث ما قد وقع أو لم يقع، ولكن نحن لو سلَّمنا بطريقة التفسير العلمي للقرآن فسوف يكون هذا التفسير حجة علينا يوم القيامة أي أنه سيكون من الأشياء التي سوف نعاقب عليها لأننا أهملنا كتابنا الأول، كتاب ربنا الذي نعبده حيث لم ندرسه في المسجد ولا في المعمل كي نُخرج ما به لتستفيد منه حياتنا فتكون أجمل وألطف ونكون نحن أقوى وأعظم ويهتدي العاصي ويعود الغائب.

ما زلت أذكر الجلبة التي حدثت في بلادنا بسبب "النعجة دوللي" حيث ارتفعت أصوات الاستنكار لما حدث وبدأت موجة حادة في مهاجمة العلم والبحث العلمي. ولأن اليأس باليأس يُذكر، فقد ارتفعت أصوات كثيرة تهاجم الكمبيوتر وشبكة الإنترنت عندما قٌبض على مجموعة من الشباب المصري تلهو في عبث وتحاول أن تقلّد ما تراه عبر الإنترنت وأطلق عليهم الإعلام الصحافة وقتها "عَبَدة الشيطان"، وانقلبت الدنيا على الشباب وعلى الكمبيوتر الكافر وعلى الإنترنت الملحد والعلم المُشرِك. 

وحينما دخل الترام القاهرة منذ أكثر من 100 عام أطلق عليه بعض أجدادنا اسم "العفريت"، وسخر منه الناس وتعاملوا معه باستخفاف، كذلك الأمر مع "حنفية" المياه، التي أدخلها الفرنسيون إلى مصر وقت احتلالهم لها، وأحدثت جدلاً فقهيًا بين الناس والعلماء حول حكم الوضوء منها. وبما أننا مفتونون بكلّ ما هو صيني ويحدث لنا قدرًا لابأس به من الإعجاب، فإنني أقدّم هذه الحكاية الصينية القديمة كمحاولة لفهم أسباب تدهورنا وقبوعنا في آخر مراحل الحضارة الإنسانية في الوقت الحالي:

اقرأ/ي أيضًا: العراق.. حقوق الإنسان في قائمة المفقودات

حينما دخل الترام القاهرة منذ أكثر من 100 عام أطلق عليه البعض اسم "العفريت"، وسخر منه الناس وتعاملوا معه باستخفاف

قبل الحرب العالمية الأولى، حدث أن زار إمبراطور الصين مدينة نيويورك فبهرته أنوارها المتلألئة التي تحوّل الليل نهارًا، وعند عودته إلى بلاده استدعى رئيس وزرائه وأمره بأن يتولّى إنارة بكين العاصمة كما في نيويورك، فقال رئيس الوزراء: "إن ذلك يكلّف الدولة مليون تايل" (وهي عملة الصين في ذلك الوقت)، فأذن له الإمبراطور بصرف ذلك المبلغ في سبيل أن يغمر النور بكين كما في نيويورك. دعا رئيس الوزراء وزير الداخلية وكلّفه بالقيام بمشروع الإنارة في مقابل نصف مليون تايل، فما كان من وزير الداخلية إلا أن استقدم محافظ بكين وسلّمه ربع مليون تايل كي ينفقها على مشروع الإنارة، وظلّت مهمّة إنارة بكين تنتقل من مسؤول إلى من هو أدنى منه وظلّ المبلغ المخصّص يتضاءل شيئًا فشيئًا حتى انتهى أمرها إلى "مخاتير" حارات العاصمة، الذين لم تصل إلى أيديهم إلا تايلات عددها أقل من أصابع اليدين. وهنا قام المخاتير بواجبهم على ما يرام، فأطلقوا المنادين ينادون في أزقة الأحياء بأن على كلّ مواطن أن يعلّق على باب منزله مصباحًا ورقيًا يُضاء بالزيت وأن يشعله كلما تغيب شمس النهار، لكي تصبح بكين مضيئة ومنيرة كما في نيويورك!

اقرأ/ي أيضًا:

من يجهض السياحة في الجزائر؟

سجّل أنا متطوّع