26-نوفمبر-2015

مقبرة لضحايا العشرية السوداء في 1997 (Getty)

لم تحتكّ قريتي بالإرهابيين، في تسعينيات القرن العشرين، ولم تزوّد صفوفهم بواحد من أولادها، رغم أنها واقعة على حدود ثلاث محافظات، كانت شبهَ مناطقَ محررةٍ من طرفهم، عرفت فيما بعد أن نجاتها، كانت بسبب أنها كانت ضمن مناطق العبور، وهي مناطق يتخفى فيها الإرهابيون، من غير علم سكانها، أو بتواطؤ بعضهم، ولا يستهدفونها حتى لا يثيروا انتباه الجيش.

ما أحوج الغربيين اليوم، إلى مشاهدة فيلم "the dog" ليعلموا ما الذي اقترفوه

رغم ذلك، لم نسلم من الخوف، وما يترتب عنه من عادات يومية، منها أننا كنا نتجنب الغابة، إلا مرة في العام، نجلب فيها الحطب جماعيًا، وكنا نطمس أي أثر للضوء في الليل، أو نباح للكلاب، حتى لا يكونا طريقًا للقتلة إلينا.

مرة.. عدتُ من الإعدادية في المدينة، حيث كنت خاضعًا للنظام الداخلي، سألتُ عن كلبنا الأسود، فقيل لي إنهم أعدموه ببندقية الصيد، دلوني على جثته، فدفنته بنفسي تحت شجرة الدفلى. منذ ذلك اليوم، لم يخلُ نومي من كابوسٍ، أرى فيه الإرهابيين قطيعًا من كلاب سوداء، تغزو القرية، وتأكل ما فيها من بشر وحيوان. 

أذكر.. كانت ليلة اثنين من صيف 1995، نمت بعد يوم شاق من الحصاد، كانت ليلة لا تنتابها إلا أصوات الصراصير والضفادع والذئاب في أفق الغابة، كم كان الليل الصامت مخيفًا يومها، وإذا بي أصحو مرعوبًا: جاؤوا.. جاؤوا.. إنهم على الباب، من؟ الكلاب السوداء. هل هذا ما يقوله الفرنسيون هذه الأيام؟

في الغد، وقد أنهينا عملية الدرس بعيد المغرب، اقتحم الحوشَ شبابٌ ملتحون بزي أفغاني. طلبوا أبي، فخرج إليهم. كبرت على الإيمان بشجاعته، لكنها بدت لي في تلك اللحظة أسطورة، كيف استطاع أن يقف أمامهم، ويسألهم عن حاجتهم؟ قالوا إنه مسجل على لائحة الفلاحين الذين يملكون بندقية صيد، ولا بد أن يساهم بها في إقامة الدولة الإسلامية، همّ بأن يقول شيئًا، ثم تراجع حين رأى أحدهم وضعني خلفه. أعطاهم البندقية.

هنا على الذين لا يعرفون أن البندقية والفرس والزوجة، على نفس القدر من الأهمية، في عرف القرية، أن يُراعوا ذلك، وهم يعلمون بأنها كانت المرة الأولى التي رأيت فيها أبي يبكي، لكنها لم تكن المرة الأخيرة التي أرى فيها الكابوس المشؤوم.

أعترف أنني كنت أقرأ عن الفيديوهات التي ينشرها الدواعش، لكنني لم أجد الجرأة على مشاهدتها، رغم الفضول الذي ينتابني، لعلمي المسبق، بأنني لن أنام ليلتها، سيعود إلي كابوس الكلاب السوداء، وهو إن عاد، سيفسد علي حياتي. ما أحوج الغربيين اليوم، إلى مشاهدة فيلم "the dog" ليعلموا أنهم ربوا كلبًا أسودَ يطل على العالم!

اقرأ/ي أيضًا:

الجزائر.. في ذكرى أم الثورات

لو كنتُ فلسطينيًا لرفعتُ العلم الجزائري