27-سبتمبر-2015

تطورت اللعبة بشكل ملحوظ في لبنان (جوزيف عيد/أ.ف.ب/Getty)

بالمقارنة مع ألعاب أخرى ككرة المضرب أو الكرة الطائرة، تعتبر كرة القدم لعبة خشنة نسبيًا، وبالتالي تتجنّب الكثير من الفتيات ممارستها في مجتمعنا، هذا المجتمع الذي لا زال لا يتقبل كثيراً فكرة "فتاة تركل الكرة". برغم ذلك، شهد لبنان في السنوات الأخيرة تطورًا ملحوظًا في مجال الكرة النسائية مع ازدياد عدد اللاعبات والأندية والأكاديميات، وما تتويج فتيات لبنان بالبطولة العربية الأخيرة لفئة تحت ١٧ سنة، سوى انعكاس لهذا التطور. لكنه، وبرغم هذالإنجاز، فإن الطريق لا يزال طويلًا للوصول إلى مستويات المنتخبات الرائدة في هذا المجال ذات الباع الطويل والعقلية الاحترافية.

الاكتشاف المتأخر للمواهب

 تقول ريم عبيد لاعبة منتخب لبنان دون ١٩ سنة أن معظم اللاعبات انتسبن إلى النوادي والأكاديميات بعمر ١٣ سنة أو أكثر، وهو عمر متقدم نسبيًا، حيث يصبح اكتساب مهارات التحكّم بالكرة والتمرير بدقة والتسديد بكلتي القدمين أمرًا غاية قي الصعوبة، ما يجعل من الاستحالة بمكان منافسة المنتخبات العالمية الرائدة في هذا المجال، حيث تستقبل أكاديمياتهم الفتيات بعمر خمس سنوات، ويجري العمل على تأهيلهن للوصول إلى مستوى موازٍ حتى لمستوى فرق الرجال.

هذا ما ظهر جليًا في مونديال السيدات الأخير حيث شاهدنا مباريات وأهداف من طراز رفيع. المشكلة الثانية بحسب ريم، دائمًا تكمن في غياب سياسات التوجيه والتحفيز ورعاية المواهب، في الوقت الذي تستهدف فيه معظم الدورات التدريبية والمسابقات الكروية في المدارس وبرامج اكتشاف المواهب الذكور حصرًا.

المشكلة  دائمًا تكمن في غياب سياسات التوجيه والتحفيز ورعاية المواهب وقصرها على الذكور

وهنا تخبرنا ريم عن مغامرتها مع برنامج المواهب "فيكتوريوس" الذي تضم لجنة تحكيمه النجمين ادغار دايفيدز وميشيل سالغادو، حيث أصرت على المشاركة رغم أن البرنامج موجه للذكور. واستطاعت لفت أنظار اللجنة حيث انتقلت للمرحلة الأخيرة علمًا أنها اقترحت على مسؤولي البرنامج إدراج فئة الإناث في نسخة السنة المقبلة.

الأكاديميات الكروية النسوية بين القيود الاجتماعية وارتفاع تكلفة الانتساب

اجتذب إعلان على موقع فايسبوك لأكاديمية كروية مخصصة للإناث في منطقة الحدث ريم منصور (١٧ عامًا) التي كانت تمارس هذه اللعبة كهواية منذ حوالي أربع سنوات، فتواصلت مع الإدارة للوقوف أكثر على آلية العمل هناك. لم يرحب والدا ريم بالفكرة بادىء الأمر بسبب النظرة النمطية السائدة والربط الآلي للعبة بالذكور والخشونة والإصابات الخطرة المحتملة. تدافع ريم عن وجهة نظرها: "المجتمع للأسف لايزال ينظر إلى هذا الموضوع بطريقة رجعية، يعتقدون أن الفتاة التي تمارس الكرة ستفقد طابعها الأنثوي".

ترفض ريم هذه الفكرة رفضًا قاطعًا مستشهدة بنماذج من لاعبات عالميات استطعن الجمع بين التألق والنجومية في الملعب من جهة أخرى والأناقة والأنوثة والثقافة والتميز خارج الملعب. وكما الكثير من الفتيات اللاتي يمارسن هذه اللعبة تعتبر نجمة الولايات المتحدة، اليكس مورغان، مثالها الأعلى، فبطلة العالم المونديال الأخير في كندا، هي اليوم الاسم الإعلاني لعدد من الشركات المتخصصة بالموضة، وجمالها وأناقتها محط الإعجاب الدائم من محبيها ومتابعيها الذين يفوق عددهم المليون متابع على موقع " انستاغرام".

الكثير من الفتيات اللاتي يمارسن هذه اللعبة يعتبرن نجومًا في الولايات المتحدة

لا تهمل مورغان بالمقابل الجانب الثقافي في حياتها وقد صدر لها كتاب لاقى نجاحًا كبيرًا. على عكس فئة الذكور إذ تعتبر كرة القدم لعبة الفقراء حيث أنه يتاح للجميع ممارستها، فإن كرة الفتيات لا تزال لعبة نخبوية إلى حد ما كنوادي الرقص والعزف على إحدى الآلات الموسيقية، ويشكل الجانب المالي عائقًا إضافيًا في وجه تطورها يضاف إلى الجوانب الاجتماعية والثقافية وحتى الدينية أحيانًا. فالانتساب إلى الأكاديميات في لبنان يرتّب على المنتسبة مبلغًا شهريًا يترواح بين مئة وخمسين ومئتي دولار أميركي، وبالتالي فإن هامش الفئة المستهدفة يضيق أكثر فأكثر، بالمقابل فإن الانتساب للعبة في الفئات العمرية للأندية لدى الذكور هو مجاني غالبًا بل وتعطى لهم أحيانًا بعض الحوافز.

قراءة في المستقبل

كما في شتى مجالات الحياة، لا يمكن للتغيير إلا أن يأتي من القاعدة ومن الأساس. المطلوب من الاتحادات ووسائل الأعلام والمدارس وحتى الجمعيات التي تعنى بحقوق المرأة تشجيع هذه اللعبة، والمساهمة في تذليل العقبات الإجتماعية والثقافية التي تقف كسيف مصلت في وجه الفتيات الراغبات بممارسة اللعبة، والعمل على بناء جيل كروي من اللاعبات بسنّ مبكرة أسوة بالرياضات الأخرى، وامتلاك القدرة بالتالي على المنافسة في المسابقات القارية بل والوصول إلى العالمية، كما هو الحال في منتخب كرة السلة ذكورًا وإناثًا على سبيل المثال.

اقرأ/ي أيضا: الشقيقتان وليامز.. هكذا بدأت القصة