يمضي الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قدمًا فيما سبق وأن أعلن عنه، بخصوص استصدار قانون لمحاربة الأخبار الكاذبة، غير أن مشروع القانون هذا، وفكرته أصلًا، فضلًا عن التوقيت الذي خُصص له القانون؛ جميعها أمورٌ مثيرة لتساؤلات مشروعة، يطرحها مقال نُشر بصحيفة لوموند ديبلوماتيك الفرنسية، ننقله لكم مترجمًا بتصرف فيما يلي:


طالب إيمانويل ماكرون، الذي اكتسح انتخابات الرئاسة الفرنسية مدعومًا من جميع وسائل الإعلام المحلية تقريبًا، بأن تقدم الأغلبية البرلمانية التابعة له، قانونًا يتصدى "للأخبار الكاذبة" أثناء الحملات الانتخابية، فيما يحتمل أن ذلك يأتي كاستعداد منه للانتخابات القادمة. 

إنه لمن قصر النظر الاعتقاد بأن انتصار اليمينين والشعبويين هو فقط نتاج أنظمة سلطوية تروج للأخبار الكاذبة

ويكشف مشروع القانون عن ضحالة رؤية القائمين على إدارة البلاد عند مواجهة التحديات، وميلهم إلى سن تدابير قسرية مضادة. حتمًا إنه لقصور نظر الاعتقادُ بأنّ انتصار الأحزاب والمرشحين اليمينيين والشعبويين، مثل دونالد ترامب وحركة النجوم الخمسة في إيطاليا، أن يكون ولو بشكل طفيف، نتيجةً للأنظمة السلطوية التي تنشر الأخبار الكاذبة!

اقرأ/ي أيضًا: ماكرون يعلن الحرب على الأخبار الزائفة.. دفاع عن الديمقراطية أو مس بالحريات؟

على سبيل المثال، حاولت وسائل الإعلام الأمريكية، أن تُظهر، على مدار أكثر من عام، دون أي دليل قاطع حتى الآن، أن ترامب فاز في الانتخابات من خلال الأخبار الكاذبة التي روجّها الكرملين.

يعاني ماكرون من هاجس مماثل، لدرجة أنه يأمل في التخلص من الأخبار الكاذبة من خلال سنّ قانون خطير وعديم الفائدة، لأن مجلس الدولة الفرنسي أشار في 19 نيسان/أبريل إلى أن "القانون الفرنسي يحتوي بالفعل على العديد من الإجراءات التي تهدف إلى مكافحة نشر المعلومات الكاذبة"، وتحديدًا ذلك القانون الذي يرجع تاريخه إلى 29 تموز/يوليو 1881 بشأن حرية الصحافة، والذي يساهم في الحد من نشر المعلومات الكاذبة والتصدي للآراء المشينة أو المسيئة أو التي تحض على الكراهية.

يبدو أن لدى ماكرون هاجسٌ مُبكر من الخسارة لأي سبب في الانتخابات القادمة (رويترز)
يبدو أن لدى ماكرون هاجسٌ مُبكر من الخسارة لأي سبب في الانتخابات القادمة (رويترز)

أما عن خطورته، يكفي أن تعرف أن مشروع القانون الذي بصدد عرضه على البرلمان، سوف يلزم القاضي بأن يصدر حكمه في غضون 48 ساعة لـ"إيقاف نشر الأخبار التي تتضمن معلومات كاذبة". وجاء رد مجلس الدولة كما يلي: "يصعب تحديد هذه الأمور من الناحية القانونية، وخاصة عندما يتحتم على القاضي إصدار الحكم خلال هذه الفترة الوجيزة للغاية".

ويمكن أن يعزز قانون ماكرون من التعاون بين مقدمي خدمات الإنترنت ومستضيفي الويب والسلطات الحكومية، خاصة وأن القانون يشمل فرض قيود على المعلومات الكاذبة التي كانت تهدف في البداية إلى "منع نشر الدفوع عن الجرائم التي ارتُكِبت ضد الإنسانية والتحريض على الكراهية واستغلال الأطفال في المواد الإباحية".

بينما لا تدخل وسائل الإعلام المملوكة لأصدقاء الرئيس من المليارديرات، والدعاية الإعلانية الموجهة، وقمع تمويل القنوات التلفزيونية العامة، تحت طائلة أي قانون. ثم، السؤال هنا: لماذا يقتصر هذا الإجراء القضائي على موسم الحملات الإنتخابية؟

خلال العقود الماضية انتشرت الأخبار الكاذبة وكان ذلك عبر الصحافة والمؤسسات الغربية، وليس روسيا ولا مواقع التواصل الاجتماعي!

على مدار العقود القليلة الماضية، في كل الحروب والمعارك تقريبًا، انتشرت الأكاذيب وتم التلاعب بالأخبار. ولم يحدث ذلك من خلال روسيا أو فيسبوك أو مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن من خلال مناراتنا الديمقراطية والصحفية، والتي تتمثل في أكبر الصحف اليومية الغربية، وفي مقدمتها صحيفة نيويورك تايمز، والبيت الأبيض والعواصم الأوروبية، ناهيك عن الحكومة الأوكرانية التي أعلنت عن عمد خبرًا كاذبًا بوفاة أحد الصحفيين الشهر الماضي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

بعد الدور الأول من التشريعيات الفرنسية.. تخوفات من "دكتاتورية" ماكرون

ماكرون يخاطر بكل شيء.. الكذب في سبيل النيوليبرالية