04-أبريل-2016

وصفت الشرق الأوسط لبنان بكذبة نيسان وجعلت علمه كاريكاتورًا(أنور عمرو/أ.ف.ب)

يتعرض الإعلام، بموظّفيه ومؤسّساته للتهديد بشكلٍ عام. تعرّضه للتهديد وتقديمه تضحياتٍ مادّية وجسدية يؤّكد أنّه على حقّ، يؤدّي واجبه بشكلٍ مهني ويساهم في إيصال المعلومة لمتابعيه وكشف ما خفي في دهاليز السّياسة والصّفقات. الإعلام سلاحٌ فتّاكٌ في الحرب النّفسية، ومنبرٌ قادرٌ على تأطير الرّأي العام، لكنه سيفٌ ذو حدّين، ولا يخضع لأي معايير مهنية أو موضوعية، خاصّةً إذا ما كان مشغّله دولة أو نظامًا لا يعرف الحرّيات، أو يحترم اختلاف الرّأي والمعتقد، كالسّعودية مثلاً.

لبنان ليس كذبةً ولا لقمة سائغةً يسهل تطويعها بعصا "المطاوعة" وترهيبه بمسمّيات الإرهاب

صحيفة "الشّرق الأوسط" قرّرت، أن تصف لبنان بـ"كذبة نيسان"، وتجعل من علمه الوطني كاريكاتورًا على صفحتها. الصّحيفة التي تُطبع وتصدر في بيروت، عاصمة "الكذبة" لبنان، لم تكن لتفكّر حتّى في التّطاول على العلم اللبناني، وبالتّالي الكيان والسّيادة اللبنانية لولا تأكّد مشغّليها أنهم لن يواجهوا أي ردّ، وسيمرّ الأمر مرور الكرام، كيوم انفردت فيه الصّحيفة بقصّة بوليسية خيالية، عن سيطرة حزب الله على المطار اللبناني واستحداثه سجنًا في أقبية المطار، يسجن فيه معتقليه. مصدر الرّواية الخيالية كان "زائرة" أتت إلى المطار بحسب الصّحيفة، يومها كذّب وزير الدّاخلية الخبر جملةً وتفصيلاً، لكن الصّحيفة لم تعتذر وظلّت تصدر من عاصمة "الكّذبة"، مع أنّها بمقالها شوّهت صورة هذا البلد وأثّرت على اقتصاده جزئيًا، إذا ما افترضنا أنّ للصحيفة قرّاء ومتابعين.

اقرأ/ي أيضًا: أمن السلطة الفلسطينية يستهدف "العربي الجديد"

لا تُلام الصّحيفة على تطاولها، خاصّةً عندما يخرج نائب في البرلمان اللبناني، ويعتبر الكاريكاتور حقيقةً و"الحقيقةُ تجرح"، لو أنّ لبنان ليس كذبةً لكان النّائب ذاته، أحمد فتفت، مسجونًا بتهمة التّخابر مع العدو الإسرائيلي، وتسليم مرفق عسكري، أي "ثكنة مرجعيون"، للجيش الإسرائيلي إبّان حرب تمّوز 2006، لكن فتفت لا يزال نائبًا يتمتّع بالحصانة ويحاضر بالعفّة.

فتفت على حقّ، "الحقيقة بتجرح"، لبنان الذي يعاني من أزمة نفاياتٍ منذ 9 أشهر، ومن فضائح اختلاسٍ أبطالها عناصر وضبّاط في قوى الأمن الدّاخلي، قد وصل اختلاسهم لما يقارب 36 مليار ليرة. من فضيحة تجسّسٍ وشبكات إنترنتٍ غير شرعية، حرمت الدّولة من ملايين الدّولارات سنويًا وتخضع لإشراف أجهزة المخابرات المتنوعة في العالم، والموساد أبرزها، وعلى عين الدّولة. يعاني لبنان من غياب الموازنة منذ أكثر من 12 سنة، من فسادٍ ينخر أوصال مؤسّساته، من تمديدٍ لمجلس النّواب يقضي على أبرز معالم ديمقراطيته، التي تحوّلت "توافقية" لضمان السّياسيين تقاسمهم الحصص. يرزح لبنان تحت وطأة الدّيون وفوائدها، لكنه مستمرٌ بالرّغم من مشاكله والتّحديات التي تواجهه، على عكس ما تشتهيه "الشّرق الأوسط" ومثيلاتها.

اقرأ/ي أيضًا: تونس.. لوبيات السياسة والإعلام تعلن الحرب

لبنان "الكذبة" يعاني، لكن الكذبة الوحيدة التي تستحقّ الإشارة إليها هي سياسيوه، توصيفهم كسياسيين هو الكذبةُ الأكبر، هؤلاء هم سبب الدّيون وفوائدها، هؤلاء هم من انبطح وزحف وتزلّف للسعودية موقّعًا العرائض وناظمًا القصائد فاتحًا المجال أمام صُحُفها لتتطاول على وطنه، هؤلاء هم ملوك "الزّبالة" وأزمتها التي لم تُحلّ إلّا بعد توافقهم على تقاسم المكاسب والأرباح، هؤلاء هم من غطّى وتجاهل وجود شبكة تجسسٍ غير شرعية، وقمحٌ مسرطن، تنقله ليلاً إلى الإهراءات الشّاحنات ذاتها التي تنقل النّفايات إلى المطامر نهارًا، هؤلاء هم من فضّل ولاءاته الخارجية على وطنيته، من باع ضميره وأودع ثمنه في بنوك سويسرا، من حوّل الوطن إلى شركةٍ مساهمةٍ يلهث خلف شراء أسهمها أو سرقتها، الكذبة هم سياسيونا، ومن باب المصادفة، معظمهم صناعة "سعودية"، كصحيفة "الشّرق الأوسط" تمامًا.

ما لا تعيه صحيفة الشرق الأوسط ومشغّلوها هو أن الشّعب اللبناني لا يشبه المتسوّلين على أبواب سفارتها من سياسيّيه

لبنان "الكذبة" بحسب الصّحيفة، هو البلد العربي الوحيد الذي هزم إسرائيل وحرّر أرضه دون معاهداتٍ مذلّةٍ أو منّة من أي بلد، لبنان موجودٌ من أكثر من ألفي عام. خلاف السّعودية مع طرفٍ لبناني، وزحف طرفٍ آخر ليقبل أقدام أمرائها طمعًا بالهبات وحبًّا بالتّسوّل، أشعرا الصّحيفة ربما بفرطٍ القوة، وبالتّالي تساهلت مع فكرة التّطاول على علم لبنان. ما لا تعيه الصّحيفة ومشغّلوها أن الشّعب اللبناني لا يشبه المتسوّلين على أبواب سفارتها من سياسيّيه، تريد الصّحيفة الحديث عن الكذبات والمزحات السّمجة؟

الكذبة الأكبر، هي عضوية السّعودية في مجلس خبراء حقوق الإنسان الأممي، البلد الذي يعاقب الملحد بالقتل، والمثلي بالمثل، يسجن المسيحي ويحاصر الحرّيات، يمنع المرأة من قيادة السّيارة ويعقد النّدوات للتساؤل عمّا إذا كانت إنسانًا أم لا. الكذبة هي إدانة السّعودية تعرض مجموعة من الشّباب لمكاتب "الشّرق الأوسط"، بذريعة الخوف على الحرّيات الإعلامية، بينما تسجن المملكة كل من يفكّر في مخالفتها الرّأي، وتستخدم العصا الدّينية لقمع سكّانها. على الإعلام السّعودي أن يعي ويفهم الحقيقة الدّامغة التي فرضها اللبنانيون بنضالهم وتضحياتهم على مرّ ألفي سنة، لبنان ليس كذبةً ولا لقمة سائغةً يسهل تطويعها بعصا "المطاوعة" وترهيبه بمسمّيات الإرهاب.

اقرأ/ي أيضًا: 

الإعلام الموريتاني.. تنوع وانفتاح وفوضى أيضًا

الصحف الجزائرية.. صراع البقاء