02-يناير-2021

تسعى دول الاتحاد الأوروبي إلى التحايل على الوضع الكارثي للاجئين (تويتر)

 

"لا نريد تكرار فاجعة موريا" بهذا القول أعلنت رئيسة المفوضية الأوروبية، أرسولا فون دير لين، عن اتفاقها الجديد للهجرة واللجوء. اتفاق جاء ليتمم ثغرات سابقة ويحقق حلم التوافق الأوروبي على برنامج موحد للاستجابة لرهانات المسألة، رأى فيه آخرون رضوخًا "للقوى المعادية للمهاجرين". في هذا الحوار يطرح "ألترا صوت" بنود الاتفاق الجديد للتحليل، من الناحية الإجرائية والقانونية والسياسية، بأسئلة تجيبنا عنها كاثرينا روزاكو، الباحثة في مسألة الهجرة وأستاذة الأنثروبولوجيا الاجتماعية بجامعة أوكسفورد.


  • من وجهة نظر  تحليلية، ما الجديد الذي أتى به الاتفاق الأوروبي الجديد للهجرة واللجوء؟

ليس الاتفاق الجديد للهجرة واللجوء، الذي أطلقته المفوضية الأوروبية سابقًا (مع انتظار المصادقة عليه لاحقًا داخل المجلس والبرلمان الأوروبيين)، وقدّمَ له على أنه "بداية جديدة" وقاعدة تفاهم أوروبي في ما يخص إدارة مسألة الهجرة واللجوء، إلا جوابًا على فشل الاتحاد في إقناع دوله الأعضاء بالتشارك في حمل "ثقل" المسؤولية إزاء "أزمة اللاجئين" في الـ 2015. وبالرغم من أن ما جاءت به خطة 2016 لم يكن إلا إعادة توزيع 12 ألفًا من طالبي اللجوء، من الدول الحدودية نحو باقي الدول، رفض الأعضاء هذه القسمة على ضآلتها مقارنة بمن لم يهمهم التوزيع.

 في هذا الحوار يطرح "ألترا صوت" بنود الاتفاق الأوروبي الجديد بشأن الهجرة للتحليل، بأسئلة تجيبنا عنها كاثرينا روزاكو، الباحثة في مسألة الهجرة وأستاذة الأنثروبولوجيا الاجتماعية بجامعة أوكسفورد

وبكيفية ملتوية، إن لم نقل مشوّهة، يحاول هذا الاتفاق الجديد إعادة تعريف مفهوم التضامن الأوروبي حول قضية اللاجئين، منتقلًا بين إلزامية الإجراءات واختيارية شكلها وفقًا لرغبة الدول الأعضاء. حيث يهم الطابع الإلزامي التمويل والمساهمة المالية لكل دولة، على أساس ناتجها الداخلي الخام، في إعانة الدول الأكثر تأثرًا من أزمة اللاجئين. أما الجانب الاختياري، فيهم اختيار الدول الأعضاء بين اقتصار دعمهم للدول الحدودية في استقبال قسم من اللاجئين المقيمين على أراضيها، أم في مساعدتها على ترحيلهم خارج حدود الاتحاد.

اقرأ/ي أيضًا: ريما حسن: المخيّمات ليست مشكلة هجرة بل فشل في سياسات استقبال اللاجئين

وعمليًا، يمكن لدولة من الاتحاد دعم عملية الاستقبال، أو الترحيل إلى مراكز استقبال في دولة ثالثة، داخل أو خارج الاتحاد الأوروبي، مقابلَ تلقي هذه الدولة هي الأخرى دعمًا جراء إقامة هذه المراكز على أراضيها.

  • أليس هذا الخيارُ الأخير ضربًا في عمق مبدأ السيادة؟

بطبيعة الحال، خيارٌ كهذا يعيد تعريف مبدأ السيادة، فيما تركيز الاتفاق الجديد بشكل كبير على مسألة عودة اللاجئين، يطرح أسئلة مقلقة بشأن حماية حقوقهم. وذلك  يبرز أيضًا في اشتراطه إجراء "فحص ما قبل دخول" حدود الاتحاد، هذا الإجراء الذي يطرح تناقضًا حين يعتبرُ نقط الدخول تلك هي نقط بداية الفحص، وإليكم أن تتخيلوا تداعيات ذلك على سيادة الدول وحقوق اللاجئين على حدّ سواء.

هذا الفحص الذي سيمتدّ على طول خمسة أيام، سيمكن من ترتيب طلبات اللجوء حسب جنسيات اللاجئين، الجنسيات القادمة من الدول التي يصنفها الاتحاد "آمنة"، في حالة رفض طلبات لجوئها من دول الاستقبال سيتم ترحيلها إلى بلدانها الأصل. هذا الترتيب الاعتباطي قد يحرم العديد ممن هم بحاجة إلى الحماية الدولية من حقهم في إجراءات لجوء عادلة، وقد يقودهم مباشرة إلى نقطة الصفر بترحيلهم.

  • بشكلٍ عام، أي انعكاسات لهذا الاتفاق على اللاجئين؟

على العموم، لهذا الاتفاق تداعيات سلبية على اللاجئين والمهاجرين. فهو يدعّم آلية الترحيل والوقاية من موجة اللجوء عبرَ أداة "فحص ما قبل الدخول" وتقليص عملية التقسيم على الدول الأعضاء. مما سيجعل اللاجئين محتجزين داخل مراكز إيواء مغلقة أو شبه مغلقة على الحدود الأوروبية، لشهور قد تصل إلى ثمانية كما يحدد ذلك نص الاتفاق.

ومع أن الاتفاق يقدّم نفسه كرد فعل إزاء ما وقع في مخيّم موريا بجزيرة ليسبوس اليونانية، فإن الإجراءات التي يقترحها لن تؤدي إلا إلى تكرار نفس الكارثة الإنسانية وتعميم مراكز مماثلة لموريا. لهذا هناك تخوف كبير من هذا الاتفاق، هو تخوف معقول، من أن يؤدي إلى نفس الاكتضاض والظروف اللاإنسانية داخلَ مراكز الانتظار.

  • ما أثر هذا الاتفاق على العلاقات السياسية بين دول الاتحاد؟

الاتفاق الجديد هو مساومة أطلقتها المفوضية الأوروبية من أجل دفع الدول الأعضاء إلى التوافق حول منظومة موحدة للهجرة واللجوء، كما دفعها إلى التضامن مع الدول الأوروبية الحدودية في إدارة هذه المسألة. ومع ذلك، أثر الإجراءات المقترحة كان سلبيًا على هذه الدول، ما زاد من حدّة التوترات بينها وبين باقي الدول الأوروبية، الشرقية منها والوسطى، بوصفه مجرّدَ إعادة صياغة للنموذج السابق، واضعًا طالبي اللجوء والمهاجرين، إضافة إلى المجتمعات المحلية داخل الدول الحدودية، تحت ضغط كبير.

  • في هذه الحالة، ما هي الدول المستفيدة من هذا الاتفاق الجديد؟

الدول المستفيدة طبعًا هي مجموعة فيشغراد، والتي عارضت بشدة أي إعادة لتوزيع اللاجئين بين الدول الأوروبية. يأتي الاتفاق الجديد لتقديم بديل لها، بجعل شكل التضامن اختياريًا وإسقاط صفة الإلزامية عن برنامج إعادة التوزيع، وكذلك فسح المجال وتبسيط مساطر الترحيلات. الغريب أنه مع كلّ هذا، بقي جواب دول فيشغراد على الاتفاق سلبيًا، وتوعّدت قياداتها بمعارضة شرسة له. واستمرّت في الإصرار على تملّصها لا من استقبال اللاجئين على أراضي تحت برنامج إعادة التوزيع فحسب، بل من أي تمويل لها لبرنامج الترحيلات أو دعم الدول الحدودية.

في الاتفاق الجديد فإن اللغة البيروقراطية التي عوضت مصطلح "الترحيل القسري" بـ "العودة"، محاولة إنكار أي طابع جبري للإجراء، تذهب بعيدًا في تحجيم المعنى الأخلاقي والسياسي لـ "التضامن"

إشارة ختامية، في الاتفاق الجديد اللغة البيروقراطية التي عوضت مصطلح "الترحيل القسري" بـ "العودة"، محاولة إنكار أي طابع جبري للإجراء، ذهبت بعيدًا في تحجيم المعنى الأخلاقي والسياسي لـ "التضامن"، بل وتشويهه بوضعه بين ثنائية الإجراءات الإلزامية والاختيارية أتت عبر مسار مفاوضات ومساومات داخل ردهات الاتحاد. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

 حوار | أطباء بلا حدود: موريا في 2020 جحيمٌ متعدد الوجوه