27-فبراير-2022

لوحة لـ كيفن لينكولن/ أستراليا

صوتي

الذي أسترسل في الحديث

الذي تسرّب عبر الفويس نوت

الذي كتمته حين شعرت بأنك غريب

صحراءٌ تغضن عشبها

خواءٌ ينشع من شخصٍ

سلك الدروب كلها

ثم جلس يتأمل كفيه الفارغتين.

 

الصوت المؤدي لكل الأدوار

دون أن يعلَّق

في أذن متفرجٍ وحيد.

 

أُحاديُّ الطيف

الذي امتص المشاعر جملةً واحدةً

ثم خرج كخطٍ مستقيمٍ

على شاشة المونيتور

كأنه جُرح الولادة.

 

لا يخرج من القلب ولا العقل

ينبتُ في الرئة

حيث الخفوت والترقب

بين الشهيق والزفير

لا هو خارجٌ

ولا هو منتمٍ.

 

صوتُ المدينة التي فقدناها على جوجل ماب

ولم ينتبه إليها باحثو الجغرافيا

حتى مذيعة النشرة

أسقطتها عمدًا من أحداث الثورة.

 

صوتُ الكواليسِ العاديةِ

والجدران التي قشرتها الرطوبة.

 

صوتُ حقلٍ جرفته المدينة

كالمهاجر بين قارتين

لم يقبل إسمنتًا

ولم ينبت زرعًا.

 

صوت الحرف الواحد

حرف الراء

العالق في حلق إيديث بياف

وهي تغني:

"Non, Je ne regrette rien".

 

صوتي الذي لم أرثهُ عن أبي ولا أمي

ـ ولأن قوانين الوراثة تنتخب للأفضل ـ

لم ترثه بناتي

فأصبح لقيطًا

في دفتر العائلة.

 

صوتي الذي لا أحبه

وأشفق على السامعين من تلقيه

يقف دائمًا

حائلًا بيني وبين صداه.

 

يومًا ما سأخرجه من حلقي

وأعيد تشكيله

ليكون حادًا

خافتًا

مرهفًا

أو حتى خشنًا كصوت الرجال.

 

ليكون له وجهٌ

وعنوان؛

لأتمكن مرةً واحدة

من أن أقول:

أحبكَ

دون أن أمضغها

ثم أبتلعها مرة أخرى.

*

 

قال الغريب

"تحبين التخوم

لا يغريكِ البحر

يزعجك أن يبتل جسدكِ".

هكذا قال الغريب ومضى.

 

لقد شربتُ البحر حتى نهايتهِ،

غمستُ جسدي في الملح،

نما على كتفي جزرٌ وطحالب،

ابتلعتُ رجالًا وبلادًا،

نزفتُ من عواء الريح فوقي،

فتحتُ بطني بمشرطٍ بطول الشاطئ،

وحين اتسعت الرؤية؛

عصبتُ عيني بشريطة سوداء

اسمها السكينة،

وجلست على التخوم؛

أراقب الغرقى والمساكين،

أبارك الحياة لغيري،

وأنتظر أقدار الله،

كنتُ الخضر يا سارة،

ولكن بعينين معصوبتين،

أنتظر الحكمة،

لكنها في النهاية

لم تأت!

 

"تحبين التخوم

ولا يغريك البحر

يزعجك أن يبتل جسدك".

 

جئت للعالم في زمن السجن،

حيث التجربة شاهدُ قبرٍ،

المسافة صليبٌ معلق،

الحكايات شظايا في الحلق،

الأصدقاء مرايا للألم،

الرجال عثرةٌ في الطريق،

النساء أجولةٌ من الحطب،

جئتُ للعالم

حيث الخطوةُ سجن،

الوقوفُ سجن،

الولادةُ سجن.

 

"تحبين التخوم

لا يغريك البحر

يزعجك أن يبتل جسدك".

 

أيها الغريب،

خُرقت مراكبنا في البحر،

دخلنا التجربة بعظامٍ متهالكة وبطونٍ مبقورة،

انحسر البحر في أرحامنا،

أصابنا العمى وجردتنا الحكمة،

تخلينا بزهدٍ عن قوانين العالم،

وتركنا الأمر هكذا بلا خطة،

رمية نرد على جسد الحياة.

 

"تحبين التخوم

لا يغريك البحر

يزعجك أن يبتل جسدك".

 

اقرأ/ي أيضًا:

آلن غينسبرغ: رأيتُ أفضلَ العقولِ في جيلي وقد دمرها الجنونُ

هكذا آتيكم