15-نوفمبر-2022
ريتشارد ديبنكورن

لوحة لـ ريتشارد ديبنكورن/ أمريكا

الوحيد

 

أجلس وحدي هكذا كنقطة النهاية

كالحدّ بين غربتين: غربة الروح وغربة الجسدْ

كضجري المحبوس كالمارد في قفصْ

 

أَثَمّ ما يريبني؟

أليس في عباءتي، أو في ثنايا كربتي أحدْ؟

أليس من مشاركٍ سواي في النصّ الذي

يمتصّ أشجاني كدود القزّ..

أو مثل العَلَقْ؟!

 

سأنفضُ الثوب لعلّ توأمًا آخرَ

يسّاقطُ من تحت الإهابْ

أهزّني كنخلةٍ أعلم أنها عقيمْ

يردّ من في داخلي

- الباب موصدٌ وما من قاطنٍ هنا

 

أمدّ كفّي متلمّسًا يدي

أميّتٌ؟ أم أنّني ممثّلٌ رديءْ

أخفقتُ في دوري ولم يشفع لي الأداءْ

فهل أنا يَقِظْ؟

أفي عروقي تزحف الحياة كالمضغةِ،

أو كاليرقة؟

 

يا ليت لي جناح هدهدٍ لأبلغ اليمنْ!

وليتني استبدلتُ نطقي بلسان النمل للحِجاجْ!

أكاد لا أستطعمُ الحزنَ

فمن جرّده من الدّسمْ؟

ما عدت قادرًا على تذوّق الألمْ

 

أشكو هزال فرحتي

فهي لفرط ضعفها لا تستطيع السيرَ

أو تقوى على الوقوف من دون عصا

وحدي كأنّ الشمس لا تعرفني

ولم تر الوشم على ذراعي

كأنّها لم تتبسّم لي ولم تغفُ على

زندي طوال الليل في عهد المراهقة

 

ترى أما زالت تمرّ هذه الأيامُ والسنونْ؟

لا حظّ لي

أن أبصر الماضي ولا المستقبل الآتي

وحيد لا يحيط بي المكانُ والزّمنْ

تنكرني الأسواقُ والأبراجُ والملاهي

تطأطئ الأشجار رأسها وتمضي مسرعةْ

خشية أن تلمحني مستوحدًا كالبئرِ في حديقةْ

 

أين أنا؟

أكاد أنسى أنّني حيٌّ وأنسى وجبة العشاءْ

أقائمٌ أم قاعدٌ؟

أغافلٌ أم حاضرُ البديهةْ؟

من ذلك الراكضُ في إثْري؟ أأنت أم أنا؟

 

عدتُ نصف كائن

 

لا أحسنُ التلفيقَ

كم يأخذني الشعرُ إلى خلافِ ما أنوي

وكم يأخذني المعنى إلى غير هدفْ

أخفقتُ في تدجين نزوتي التي ورثتها

من حقبةِ الشبابْ

 

كم تهتُ عن مآربي

وضعت كالكفيف بين وجهتي نظرْ

وطالما عثرت بين خطوتينْ

وطالما علقتُ كالضلّيلِ في حبائل التأويلِ والمخاتلةْ

 

أقول لي: حاول كأنْ لم تشته النساء كالرجالْ

ولم تقلّد الغراب مرّةً

في دفن سوءاتك والعيوبْ

وكيف لي أن أتفادى عثرة الماضي

وما تخفيه لي هذي الحياةُ من شَرَكْ؟!

عذرًا لكم أخطأتُ في التفسيرِ

كم خسرتُ من رهانْ

 

عجزت عن ترويض أعضائي التي

تلحفُ في العناد والنكدْ

لم أستطع تقليم أوزاري وقد تعاظمتْ

هويت من أعلى سلالمِ المخيّلةْ

مهشّم العظامْ

 

لربما لم أتّعظ مستهزئًا بقوّتي

ببصري الكليلْ

وربما غاليتُ في الضلال والخطيئةْ

يا ويلتي

أكلّ هذه الحروب خضتها سدى؟!

فعدت نصف كائن أجرّ خلفي جسدي

وخيبةَ مكسورة القرنينْ

 

أثَمّ من خيانةٍ مجهولةٍ؟

أخنتني؟ ما لك لا تنصت لي؟

تزورّ عنّي محجمًا عن استغاثتي

كأننا لسنا قسيمي بدنٍ ولا كساءْ

 

أوّاه كم أوقعني اليراعُ في حَرَجْ!

ما بين رفضٍ ورضا تفرّق انتباهي

وأصبحت جوارحي ترتاب بي

حتى ولو ألقمتها الصدق بملعقةْ

 

فكلما استدركتُ ما فات من الزلَلْ

كذّبني الطبعُ القويمُ مرّةَ ثانيةً..

وعاشرةْ

لأنّني لا أتقنُ التمويه والمناورةْ.