29-مارس-2022
ملفات متشابكة في قمة النقب التطبيعية (تويتر)

انتهت الإثنين فعاليات القمة المنعقدة في صحراء النقب بمشاركة الولايات المتحدة وإسرائيل وحضور 4 دول عربية هي الإمارات والبحرين والمغرب ومصر، وقد أثارت القمة، التي وُصفت إعلاميًا بغير المسبوقة، العديد من الانتقادات في فلسطين وخارجها.

انتهت الإثنين فعاليات القمة المنعقدة في صحراء النقب بمشاركة الولايات المتحدة وإسرائيل وحضور 4 دول عربية هي الإمارات والبحرين والمغرب ومصر

ناقشت القمة حسب وسائل إعلام إسرائيلية قضايا مختلفة، في مقدمتها التهديد النووي الإيراني، وعُقدت في منتجع "سديه بوكير" في صحراء النقب، وحضرها إلى جانب وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلنكن كل من وزراء خارجية إسرائيل والإمارات والبحرين ومصر والمغرب. وأعلن بلينكن في تصريحات على هامش القمة أن الاجتماع هنا "هو الأول ولن يكون الأخير وقررنا أن يكون منتدى دائمًا مع أصدقائنا وحلفائنا"، مضيفًا "قمنا وسوف نقوم بدعم هذه العملية التي تنقل هذه العلاقات نحو الأفضل". وحول أجندة القمة قال الوزير الأمريكي "نعمل معًا لمواجهة التحديات الأمنية المشتركة القادمة من إيران وحلفائها".

التلفزيون العربي

 وزير الخارجية البحريني عبد اللطيف الزياني أدان في مستهل كلمته ما وصفها بـ"العملية الإرهابية" التي قتل فيها إسرائيليان في الخضيرة الأحد، وقدم التعازي لعائلتيهما. بدوره، أدان وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة عملية الخضيرة، وقال إن "وجود المغرب هنا يستهدف إيصال رسالة لشعب إسرائيل بأن هذه تحركات ناجمة عن قناعة طويلة الأمد".

أما وزير الخارجية المصري سامح شكري فأكد أن المحادثات بين المشاركين في القمة كانت "بناءة وعميقة وتعالج التحديات المتعددة التي تواجهها منطقتنا"، وأضاف "هذه الجولة من المناقشات جعلتنا نبحث سبل تطوير رؤيتنا المشتركة والإبقاء على مصداقية حل الدولتين". أما وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد فقال إن "هذه لحظة تاريخية لكل من هم على المنصة وفي القاعة وخارجها" حسب تعبيره. مضيفًا القول "ما نحاول فعله هو تغيير السردية وبناء مستقبل مختلف، وقوفنا معًا وعلاقات الشعوب والشركات هي السبيل ضد سردية الإرهاب والتخويف والعنف". من جهته قال  وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد "نفتح اليوم الباب أمام كل الناس في المنطقة بمن فيهم الفلسطينيون الفرصة لنبذ الإرهاب والمساهمة في البناء".

وتفاعلًا مع هذه القمة غير المسبوقة ندد رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد اشتية، بما أسماه لقاءات التطبيع العربي الإسرائيلي، قائلًا في كلمة ألقاها الإثنين "إن لقاءات التطبيع العربي دون إنهاء الاحتلال الإسرائيلي ما هي إلا وهم وسراب، ومكافأة مجانية لإسرائيل". بدورها أعلنت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) رفضها للقمة الخماسية، واعتبرت أن اللقاء "يشرع جرائم الاحتلال ويشكل دعمًا له".

تحالف مشترك لمواجهة إيران

حرصت وسائل الإعلام الإسرائيلية على تأكيد أن القمة الخماسية المنعقدة في النقب هدفها الأساسي "تشكيل تحالف مشترك في المنطقة لمواجهة إيران، ومناقشة مخاوف إسرائيل والدول المشاركة من إمكانية توصل الولايات المتحدة إلى اتفاق نووي مع طهران، فضلًا عن إزالة الحرس الثوري الإيراني من قائمة الإرهاب".

وكان  وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لبيد قد اعترف بوجود "خلاف حول البرنامج النووي ونتائجه مع واشنطن غير أن بيننا حوارًا منفتحًا وصادقًا" على حدّ قوله. وتابع  لبيد القول: "ستعمل إسرائيل والولايات المتحدة معًا لمنع إيران من امتلاك أسلحة نووية، لكن إسرائيل ستفعل ما تراه ضروريًا لوقف البرنامج النووي الإيراني".

يشار إلى أن بلينكن التقى قبل انعقاد القمة رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت، الذي قال عقب اللقاء إن إسرائيل "قلقة حيال نية إزالة الحرس الثوري الإيراني من اللائحة الأمريكية للإرهاب"، علمًا بأن ذلك المطلب هو أحد الشروط الذي وضعتها إيران للموافقة على إعادة إحياء الاتفاق.

بدوره أكد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن أن بلاده وإسرائيل "ملتزمتان" بمنع إيران من امتلاك سلاح نووي، رغم خلافهما بشأن إعادة إحياء الاتفاق النووي مع الجمهورية الإسلامية. وقال بلينكن خلال مؤتمر صحفي مع نظيره الإسرائيلي يائير لبيد في القدس: "عندما يتعلق الأمر بما هو أهم، فنحن على توافق تام، كلانا ملتزم ومصمم على ضمان عدم امتلاك إيران أبدا سلاحًا نوويًا". وأضاف أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تعتقد أن "العودة إلى تنفيذ الاتفاق بالكامل هي أفضل طريقة لإعادة تقييد برنامج إيران النووي".

يذكر أن إسرائيل تعد من أبرز المعارضين للاتفاق النووي الذي أبرم بين طهران والقوى الكبرى عام 2015، وأبدت معارضة جدية لإحيائه. يشار أخيرا إلى أن وزراء الخارجية العرب المشاركون في القمة عقدوا لقاءات ثنائية مع وزير الخارجية الإسرائيلي.

ملفات متشابكة

في سياق الإعلام الإسرائيلي، جرى التعامل مع القمة ليس باعتبارها غير مسبوقة وحسب، ولكن أيضًا كمنتدى ضروري حتى يتم القضاء على ما يسميه المشاركون في القمة تهديدًا إيرانيًا. حيث تتخوف تل أبيب، والعواصم العربية التي طبعت معها، من أن تؤدي الترتيبات الدبلوماسية الجديدة في السياق الدولي والإقليمي إلى قبول أكثر لإيران. وعلى نحو خاص، فإن العزلة المفروضة على روسيا، بالتزامن مع الفرص المتزايدة أمام المفاوضات الجارية في فيينا للوصول إلى تفعيل الاتفاق النووي، قد تنتهي إلى ما لا يرضي هذه الأطراف.

تُقرأ هذه التعقيدات في ضوء ارتباط ملفي إيران وروسيا بسياقات متعددة تهم المشاركين في المنتدى التطبيعي، منها على سبيل المثال سوريا. حيث تسعى الإمارات إلى إعادة النظام السوري إلى الواجهة وتطبيعه عربيًا ودوليًا، على نحو يساهم في تقليص النفوذ الإيراني في البلاد. كان هذا واضحًا في تزامن زيارة الأسد إلى الإمارات، وهي زيارته الأولى إلى دولة عربية منذ 2011، مع غزو روسيا لأوكرانيا والعقوبات الأوروبية والاستقطاب الدولي بشأنه.

بالنسبة للخبراء الأمنيين الإسرائيليين، فإن هناك قلقًا من أن العقوبات على روسيا والعزلة الغربية المفروضة عليها، بالتزامن مع العودة التدريجية لإيران من خلال مفاوضات فيينا، قد تؤدي إلى قرب أكثر بين النظام السوري وإيران. وهو ما قد يهدد الترتيبات الأمنية على الحدود السورية مع الأراضي الفلسطينية المحتلة، التي أبعدت طوال السنوات الماضية القوات الإيرانية وقوات حزب الله بدرجة نسبية عن الحدود. كما أن تل أبيب لا تخفي قلقها من أن التطورات الدولية قد تؤثر على الترتيبات الأمنية التي سمحت لها في السنوات الخمس الأخيرة على الأقل بقصف مواقع إيرانية وأخرى لحزب الله بحرية، وبالتنسيق مع موسكو.

فلسطين الغائبة

كان من اللافت في القمة التي احتفى بها الإعلام الإسرائيلي، الحضور المحدود لفلسطين والقضية الفلسطينية في النقاشات. جاء ذلك أولًا من خلال الإدانات العربية للعملية التي وقعت في بئر السبع، حيث أعلن زعماء الدول العربية المطبعة تضامنهم مع ضحايا العملية، كما فعل وزراء خارجية البحرين والمغرب والإمارات. وثانيًا من خلال الإشارات المجتزأة إلى حل الدولتين، كما فعل وزير الخارجية المصري الذي اعتبر أن الاجتماع يساهم في "الإبقاء على مصداقية حل الدولتين".

تصريح يبدو خارجًا عن السياق، ليس فقط سياق القمة، ولكن سياق الترتيبات السياسية في إسرائيل، التي ترفض أي سيناريو دولة فلسطينية، كما يعبر عن ذلك صراحة رئيس الوزراء الإسرائيلي المتطرف، الذي يقول علنًا، كما فعل في مقابلة مع صحيفة نيويورك تايمز، بأن حل الدولتين لم يعد مطروحًا على الطاولة أصلًا وأن الحكومة الإسرائيلية لا تأخذه بعين الاعتبار. كما أن النقاشات الأمنية الداخلية في إسرائيل، تؤكد هذه الحقيقة، وتوضح أن ما يتم الحوار حوله بين النخب الأمنية هو بالأساس حول درجة الضم وحدود الشروط المفروضة على صلاحيات السلطة الفلسطينية.

بالنسبة للخبراء الأمنيين الإسرائيليين، فإن هناك قلقًا من أن العقوبات على روسيا قد تؤدي إلى قرب أكثر بين النظام السوري وإيران

يبقى خيار إقامة المنتدى التطبيعي في النقب خيارًا سياسيًا مرتبطًا بفلسطين أيضًا، بالنظر إلى ممارسات التطهير العرقي المستمرة التي يعاني منها الفلسطينيون في المنطقة مؤخرًا. كما أن وقت القمة بعد عملية الخضيرة، وإن بشكل غير مقصود، تم استغلاله لتعزيز سردية التطبيع كتسامح، وكعلاقات دبلوماسية وضرورية مع "الإسلام المعتدل".