10-أكتوبر-2023
intel in israel.مبنى انتل

(رويترز) مبنى إنتل بالقرب من تل أبيب

لم تمض أيام قليلة على عملية طوفان الأقصى التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية تصديًا للاعتداءات الصهيونية المتواصلة، حتى خرج مستثمرون ومحللون يدلون بتوقعاتهم بخصوص التداعيات المحتملة على قطاع التكنولوجيا في "إسرائيل"، إذ تنبؤوا بأنْ تَعمَدَ شركات التكنولوجيا في الكيان إلى تعزيز تدابيرها الأمنية تحسبًا لأي اضطرابات محتملة. 

وطوال العقود الماضية كان قطاع التكنولوجيا الفائقة أسرع القطاعات نموًا في "إسرائيل"، وشكل جزءًا أساسيًا من النمو الاقتصادي هناك، إذ يوفر نسبة من الوظائف قدرها 14%، ويشكل نحو خمس الناتج المحلي الإجمالي.

وما لبثت أسعار الأسهم وسندات الشركات الصهيونية أن تراجعت بسرعة عقب هجمات المقاومة الفلسطينية، وبادرت شركات تكنولوجية كثيرة إلى التوقف عن العمل يوم الأحد عقب تغلغل المقاومين المفاجئ في الأراضي الفلسطينية المحتلّة، ووصول الصواريخ إلى تل أبيب، فاضطرت شركات الطيران إلى تعليق رحلاتها.

وسرعان ما خرج المسؤولون في تلك الشركات للتحدث عن هذه التداعيات المحتملة، فجاك أبلين، كبير مسؤولي الاستثمار والشريك المؤسس لشركة Cresset Wealth Advisors، صرّح قائلًا: "طرأ على شركتنا تغيير كبير في مسار العمل المعتاد"، وتابع حديثه مشيرًا إلى احتمال حدوث تحولٍ في الموارد البشرية، لا سيما إذا أراد الكيان توسيع نطاق عملياته وشن عدوان كبير على غزة، إذ يحتمل أن يؤدي ذلك إلى استدعاء الموظفين في شركات التكنولوجيا ليصبحوا جنود احتياط في الجيش الصهيوني. 

يرجع نشوء مجال التكنولوجيا في "إسرائيل" إلى عام 1974، حينما اتخذت شركة إنتل مقرًا لها في الأراضي المحتلة. لكن انطلاقة الشركات الناشئة الحقيقية بدأت في التسعينيات من القرن الماضي

وتشير كوينسي كروسبي، كبيرة الخبراء الاستراتيجيين العالميين في شركة LPL Financial، إلى احتمال أن تبذل السلطات الصهيونية "جهودًا هائلة" لحماية منشآت شركات التكنولوجيا في الكيان، لا سيما أن بعض الأموال المبذولة في مجال التكنولوجيا مخصصة لصالح الجيش الصهيوني.

وقال متحدث رسمي باسم شركة إنتل كورب (Intel Corp)- وهي أكبر شركة صهيونية مصدرة للرقائق الإلكترونية- إنّها "تراقب الوضع الطارئ في "إسرائيل"، وتتخذ تدابير لحماية موظفيها ودعمها"، دون أنْ يتطرق إلى تأثر عملية إنتاج الرقائق الإلكترونية.

وفي هذا السياق أعلنت شركة إنفيديا، وهي أكبر شركة مصنعة للرقائق الإلكترونية المستخدمة في نماذج الذكاء الاصطناعي والرسوميات الحاسوبية، عن إلغاء قمة الذكاء الاصطناعي التي كان موعدها في تل أبيب خلال الأسبوع المقبل.

في المقابل قالت شركة Tower Semiconductor إنها تمارس أعمالها ونشاطاته التجارية كالمعتاد، خاصة أنّها تنشط في مجال توريد أشباه الموصلات التناظرية للعملاء. أما شركات التكنولوجيا الكبرى، مثل ميتا وجوجل وآبل، فلم تستجب حتى الآن لطلبات التعليق، في حين رفضت مايكروسوفت الإدلاء بأي تصريح بخصوص وضعها الحالي.

وعلى العموم شهد قطاع التكنولوجيا في "إسرائيل" تباطؤًا بارزًا في عام 2023، وتفاقمت أوضاعه في الآونة الأخيرة جرّاء الصراعات السياسية الداخلية والاحتجاجات على السلطات الحكومية.

تعزيز الإنفاق العسكري والذكاء الاصطناعي

يرجع تاريخ مجال التكنولوجيا في "إسرائيل" إلى عام 1974، حينما اتخذت شركة إنتل مقرًا لها في الأراضي المحتلة. لكن انطلاقة الشركات الناشئة الحقيقية بدأت في التسعينيات من القرن الماضي، وسرعان ما حاز هذا القطاع شهرة كبيرة وتبوأ المركز الثاني عالميًا خارج وادي السيليكون.

وفي الوقت الحالي توجد قرابة 500 شركة متعددة الجنسيات تمارس أعمالها في "إسرائيل"، وهي إلى ذلك بمعظمها مراكز بحث وتطوير تأسست عقب شراء الشركات الصهيونية الناشئة. وتشمل قائمة الشركات الكبرى في "إسرائيل" كلًا من إنتل وآبل ومايكروسوفت وجوجل وميتا وغيرها.

وسبق لبنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء الإسرائيلي، أن أعلن عن نيّة شركة إنتل إنفاق مبلغٍ قدره 25 مليار دولار أمريكي، على أن يُخصص لتشييد مصنع جديد في مستوطنة كريات جات الواقعة على بعد 42 كيلو متر عن قطاع غزة المحاصر. ومن المقرر أن يفتتح المصنع في عام 2027، وقد وصف بأنه أكبر استثمار دولي في "إسرائيل"، لا سيما أنه قد يوفر وظائف للآلاف الأشخاص، ويضاف إلى مصانع الرقائق ومراكز التصميم الموجودة مسبقًا.

وترى كروسبي أن قطاع التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي ربما يشهد استثمارات متزايدة خلال المرحلة المقبلة، وتعزو ذلك إلى الارتباط الوثيق بين تلك الصناعات وبين الإنفاق العسكري لدى الحكومة الصهيونية.

تقول كروسبي: "من المرجح أن تعزز السلطات استثماراتها في الذكاء الاصطناعي، فحينما يداهم السلطاتِ هجومٌ مباغتٌ، فإنها تنظر أولًا في المشكلات المحتملة لدى جهاز استخباراتها، فضلًا عن غياب الأنظمة الأمنية المتطورة. وربما يشتد الدعم لتخصيص موارد مالية إضافية لصالح تعزيز التكنولوجيا في الجيش، ثم ما تلبث تلك الأموال أن تنتقل في نهاية المطاف إلى شركات التكنولوجيا الخاصة".

في الختام، يبدو أنّ المحللين والخبراء متباينون فيما بينهم بخصوص مستقبل قطاع التكنولوجيا في "إسرائيل"، فبعضهم يرى تداعيات محتملة وتقلصًا في الموارد البشرية خلال المدة القادمة، في حين يرى آخرون أن الأموال المخصصة لقطاع التكنولوجيا في الجيش ستفيد ولا ريب الشركات الخاصة.