21-يوليو-2016

لا ينمو فطر الأرجوت في مصر إلا أن الحكومة ركعت لفروض شركات دولية واستوردته(خالد دسوقي/أ.ف.ب)

أوراق هذه القضية كثيرة ومرعبة.. ليست سرية أو مخفية، إنما منشورة على صفحات "الأهرام الزراعي"، الصحيفة الرسميّة الأولى في القاهرة. في 14 تموز/يوليو 2016، أعلن وزير الزراعة المصريّ، عصام فايد، عن رفض شحنة قمح أمريكية واردة لحساب شركة "فينوس إنترناشيونال" بميناء "الدخيلة". قال إن السبب يرجع إلى إصابة الشحنة بفطر "الأرجوت"، وهو فطر "مسرطن وقاتل".

لم تكتف الحكومة المصرية بشحنات القمح "المسرطن" التي استوردتها، بما يخالف القانون، وفتحت باب المفاوضات أمام 13 شركة في مناقصات جديدة

كان هذا أول تصريح مصري رسمي عن الواقعة بعدما تسرَّبت وثائق من وزارتي الصحة والزراعة تشير إلى أن الشحنة تحتوي على نسبة من "الأرجوت". واجهت الشحنة أول رفض في 12 حزيران/يونيو، وتقدمت شركة "فينوس" بطلب استئناف للقرار لقبول الشحنة، ويبدو أنها توصلت إلى حل يرضي جميع الأطراف الرسميّة لتجاوز القانون القديم للحجر الزراعي، الذي ينصّ على شرط "خلو القمح من الفطر القاتل".

اقرأ/ي أيضًا: الثروة السمكية في مصر إلى زوال

قصة 180 ألف طن قمح "مسرطن"

رغم صدور أمر قضائي من النيابة العامة المصريّة بحظر دخول الشحنات، التي تحتوي على أي نسبة من "الأرجوت" إلى البلاد، قالت الهيئة العامة للسلع التموينية، الثلاثاء الماضي، 12 تموز/يوليو، إن مصر اشترت 180 ألف طن من القمح "المسرطن" في مناقصة. وقال أحمد يوسف، نائب رئيس الهيئة، في تصريحات صحفية لـ"رويترز": "120 ألف طن من روسيا، و60 ألف طن من أوكرانيا ومتوسط السعر 173 دولار للطن بما فيها تكاليف الشحن".

الغريب في قرار قبول الشحنة المصابة بـ"الفطر القاتل" أنه جاء بعد رفض قاطع من النيابة العامة المصرية، وحين تقدَّمت الشركة المصدِّرة بطلب إلى لجنة التظلمات بالحجر الزراعي المصري لإعادة فحص الشحنة بمعرفة معهد بحوث أمراض النبات، كانت نتيجة الفحص المعملي احتواء العينة على فطر الأرجوت بنسبة 0.096%، وهي النسبة التي تفوق الحدود المسموح بها في المواصفات المصرية للقمح.

13 صفقة "مسمومة" على باب الحكومة

لم تكتفِ الحكومة المصرية بشحنات القمح "المسرطن" التي استوردتها، بما يخالف القانون، وفتحت باب المفاوضات أمام 13 شركة في مناقصة لشراء القمح المصاب بـ"الفطر القاتل"، وذلك بعد تعديل "الشروط القياسية" المسموح بها للاستيراد فيما بدا صفقة أو "رشوة" تضاف إلى قائمة فساد وزارة الزراعة. وردًا على اتهام وزارة الزراعة باستيراد قمح قاتل، قالت: "الفطر القاتل بالقمح المستورد مطابق للمواصفات المصرية"، وهو ما يعني أن "المواصفات المصرية" تسمح بتمرير "فطريات مسرطنة وقاتلة" في الخبز!

وأكد رئيس قطاع الطب الوقائي بوزارة الصحة، الدكتور عمرو قنديل، في تصريحات لوكالة أنباء الشرق الأوسط، أن ما يتم تداوله أن "القمح الذي يتم استيراده غير مطابق للمواصفات فيما يخص فطر الأرجوت، هو كلام عار تمامًا من الصحة"، موضحًا أن "النسب المسموح بها لفطر "الأرجوت" في القمح الخام بالمواصفات القياسية المصرية 0.05%".

اقرأ/ي أيضًا: غير المغضوب عليهم.. ولا هشام جنينة

"الأرجوت" مجرم تاريخي وقاتل محترف

أوصى الدكتور عاطف شاهين، الباحث الزراعي المصري، بضرورة منع استيراد أي مستوى من مستويات الإصابة بالفطر بوضع نسبة "0%" لهذا المرض، الفطر، الخطير لتقليل المخاطر على صحة المصريين. وبسؤاله عن "أضرار الأرجوت"، قال إن "الفطر ضار بصحة الإنسان لأقصى درجة، خاصة عند طحنه ثم عجنه وخبزه دون أن يعرفه أو يميزه الإنسان".

واستعاد "شاهين" الأصول والجرائم التاريخية لفطر "الأرجوت" قائلًا: "قضى على آلاف من الأرواح بسبب التغذية المعتمدة على دقيق ملوث بأجسام الفطر شديد السميّة للإنسان، وانتشرت الخرافات في القرن الثاني عشر ظنًا منهم أن ذلك سببه غضب الإله، وكانت تقدم لهم القرابين للعفو ومنع المرض، وأغلب الأمراض كانت تسمم دموي، المعروف باسم سرطان الدم (اللوكيميا)".

ومن آثار "سم الأرجوت" أنه يصيب الإنسان، حال تغذيته على الحبوب المصابة، بتحطم الأنسجة العصبية، والشلل، وضعف الدورة الدموية، ما يؤدي إلى "غرغرينة" في أصابع اليد والقدمين، ثم تحللها وسقوطها وآخر الأمراض المتوقَّعة هو "سرطان الدم".

وكشفت مصادر طبيّة أخرى أن "فطر الأرجوت" يسبب الصداع، وإجهاض الحوامل، ويؤثر على الكبد، لكنه لا ينمو في مصر وهو ما يعتبر، في الأوساط الزراعية، "رحمة إلهية" إلا أن الحكومة ركعت لفروض شركات دوليّة، واستوردته بعد أسبوع واحد من قرار رفضه.

لا ينمو "فطر الأرجوت" في مصر وهو ما يعتبر "رحمة إلهية" إلا أن الحكومة ركعت لفروض شركات دوليّة، واستوردته بعد أسبوع واحد من قرار رفضه

هل يحاكم وزير الزراعة الحالي؟

وقالت مصادر لـ"الترا صوت" إن "الحجر الزراعي" رفض قبول ثلاث شحنات قمح تم استيرادها من الخارج لإصابتها بفطر الأرجوت القاتل، منها شحنة هولندية وأخرى فرنسية، بقيت في عرض البحر 45 يومًا بعد رفض دخولها الموانئ المصرية، وذلك لمخالفتها المواصفات المصرية، إلا أن الحكومة تراجعت، وقامت بتعديل "المواصفات" نزولًا عند طلب فرنسي "عالي المستوى" استلزم إقالة رئيس "الحجر الصحي" سعد موسى لتمرير الموافقة دون ردّ الشحنة مرة أخرى.

وهو ما دفع بعض أعضاء البرلمان، ومنهم النواب يوسف القعيد ومصطفى كمال ومحمد عبدالغني وخالد يوسف وهيثم الحريري وأحمد سلام الشرقاوي وخالد هلالي بتقديم طلب إحاطة لوزير الزراعة بسبب الإطاحة برئيس الإدارة المركزية للحجر الزراعي بعد كشفه استيراد "قمح مسرطن"، وهو ما يضع "فايد" أمام خطر المحاكمة مثل سابقه، صلاح هلال.

اقرأ/ي أيضًا:

كواليس النصب باسم الرئيس

مصر.. انتصار على تمييز وزارة التعليم