04-مارس-2022

لوحة لـ علي آل تاجر/ العراق

حدودٌ

سواد عراقيّات في صندوقٍ خشبيٍّ بي أسلاكٍ شائكةٍ أردنيّةٍ وأسلاكٍ شائكةٍ عراقيّةٍ..

جثثٌ من الكاوتشوك، فرائسٌ لفاختاتٍ سوداء وأعشاشٌ لطيور الحطام.

ظهيرةٌ

طفلٌ يرتعش مثل نجمةٍ.

ثغرٌ عراقيٌّ يتنفّس الصّعداء.

الطّريق مؤمنةٌ بالخلاص واثقةٌ من ذلك وأنا في كلّ انعطافةٍ أو وقفةٍ أشكّكها بإيمانها.

زجاج الشّاحنات في البعيد،

مرايا هنود حمرٍ في أفلام الكاوبوي.

خطوط البلاستيك الذائب على الإسفلت

رسومٌ بيانيّةٌ في شاشةٍ هائلةٍ

لقياس نبض شعبٍ على المشرحة.

كثبانٌ وأخرى كالحةٌ، براقع لنساء الأفغان،

السّماء مشدودةٌ إلى أعناقها برباط جأشٍ.

500 كلم. 412 كلم..

العدّ التنازليّ إلى بغداد سلّمٌ يتدحرج عاموديًّا

إلى أعماق هرمٍ زمنيٍّ

مسلّحون في شاحنةٍ يبتسمون.

 

أيديهم حول أعناق الكلاشنْ

أصابع أطفالٍ بين حيوانات المخمل

لا طير حتّى مهاجرًا

صورٍ مكتومةٍ بين جوانح الفراغْ.

أبتعد عن.. أقترب منْ..

نقطتين في داخلي

ما زلت أجهل مكاني بينهما

تتراءى بغداد

زرافةٌ.. ضبعٌ ينهش في عنقها.

السيّارة تؤرق قيلولة عملاق إسفلتيّ

مثل ذبابةٍ على صدر ماردٍ

خيماتٌ خيماتٌ

بدوٌ على حافّة الزمان والمكان

ما زالوا يتعلّقون بأذيال المالا نهاية

الطّلقات تزأر في صدر الوقت،

سلالة حيواتٍ مفترسةٍ توشك أن تنقرض

وهي تطلق وراء التخوم صيحاتها الأخيرة..

 

مسلّحون.. جنودٌ.. مرتزقةٌ

مخابئٌ لتعليب الأيّام في عبواتٍ وأجساد ناسفةٍ

في أعالي المخيال

أقطف فاكهةً سوداء من أشجارٍ

ظلّت لسنواتٍ طويلةٍ دائمة الخضرة

أطيافٌ وأشباحٌ تعانقني بحرارةٍ لم آلفْها

أحاول تمرينًا جديدًا.

أن أخرج من قبضة المنفى ولا أدخل في قبضة الوطن

عراقيّونْ..

ياقاتٌ من رمادٍ وعيونٌ من شررْ

سؤالٌ يرتدّ على نفسه بمزاجٍ مطاطيّ.

الأحياء غبطةٌ موسميّةٌ وغيومٌ

العائلة العراقيّة مرصوصةٌ مثل التّمر في البساتين

الأحياء من أبنائها والأمواتْ.

 

في زمن التّراجيديا

تتضاعف جاذبيّة الأرض

تبلغ درجتها القصوى في الامتصاص

هكذا أتذكّر نيوتن

في مدرسة الفرات الابتدائية للبنين عام 1956

بين ماضيه السّحيق وحاضره المسحوق

عراقٌ بلا نخيلٍ مثل أمٍّ بلا رحمْ.

 

نخيل.. أعرف ذبولها القديم وطفولتها المعمّرة وجلالها الذي لا يرى بالعين المجرّدة.. هنا يمكن أن تموت حضارةٌ بلا طوفانٍ ولا قيامة. أن تحترق سلالاتٌ ولا تترك أثرًا مثل قيعان محيطاتٍ تجفّ..

لا متحجّئات ولا أصداف.. هنا أهوار للألم وغاباتٌ من قصبٍ يابسٍ يبعث موسيقاه مثل روحٍ وحيدٍ في ليلْ.

 

سيبقى المجرّد

سيّد السّاحة في مخيال العراقيّين

إنّه الوحيد الذي يدير ظهرًا لكلّ تضاريس المعنى

تاركًا عباءة ألوانه وأقماره

لكلٍّ يفعل بها ما يشاء.

للأفق ارتجالاته ومنائره

وللنهر مآقيه ومصباته.

 

أسير بين هاماتٍ خضراء وصفراء

أكاليل آلهةٍ سومريّةٍ وهالات أئمةٍ وقديسينْ

أسمع أطفالًا تجرح زرقة السّماء

وأتذكر صلاة آنو، الأب السّومريّ

يعلن قيامة الفرات بين فخذيه

وهو يحضن إينانا

تقدّم له قدحًا من دم العشب.

أصافح الخليفة المنصور

يرسم بفرجاره قوس الأسوار وثكنة القصر

تاركًا أبواب الليل العباسيّ مشرّعةً

على آلاف الحكايا والأسحار والجنّيّات

أرى مقامًا صوفيًّا من القصب الأصفر

 مثل رغيفٍ ساخنٍ.

 

أطفئ بلحم يديّ

النار التي تحرق كتب أبي حيّان وأكاليل اللهب التي تأكل جبين الحلاج وأطراف عبد الله بن المقفع.

أدخل سردابًا قديمًا في بغداد فأجد الحسن بن هانئ يهمّ بانتشال روحٍ من جوف دنٍّ معتّقٍ وأسائل أبا الطيّب.. أين أرض العراق؟

فيجيبني ونحن بتربان:

"ها هو القربان".

 

  • تحت عنوان "جهة الصمت الأكثر ضجيجًا"، يطلّ الشاعر شوقي عبد الأمير على قرّاء ألترا صوت أسبوعيًا في حديث أو مقالة في محبة الشعر وأهله.

 

اقرأ/ي أيضًا:

بغداد.. أيُّ قاربٍ أنتِ!

عشبةٌ في الحرائقِ أم رعشةٌ في ارتواء