13-يوليو-2016

جندي مصري في أحد شوارع القاهرة (خالد الدسوقي/Getty)

في التأسيس الغربي لمفهوم الدولة الوطنية وبعد قراءة خلاصات النظريات الغربية التي أسست للمفهوم وبعد المرور على مواصفات الحكم المدني عند جون لوك وشارل لوي مونتسيكو والعقد الاجتماعي لجان جاك روسو، وكل النظريات التي حاولت قراءة المفهوم المدني للدولة بعيدًا عن الرؤية الدينية فقد لخص المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في أحد كتبه عن الدولة القومية أربعة عناصر أساسية عنها وهي:

لا دولة وطنية في مصر ولا سيادة على التراب ولا تحقيق أو سعي للحفاظ على شيء سوى مزاج ومصالح السيد الرئيس الحاكم وحاشيته من المهرجين

-أنها نقيض الفوضى بمعنى أنها جهاز تنظيمي لحياة الناس.
-نقيض للدولة المتسلطة التي يستبد بها الفرد بكل السلطات.
-نقيض للدولة التي تغيب فيها الإرادة الشعبية.
-نقيض الفكر الإطلاقي للساسة قولًا وفعلًا.

فهي إذن دولة تجعل من الإرادة الشعبية محددًا في اختيار من يحكمون، من يقرر ومن يشرع، وتقيم قطيعة مع كل مفردات التسلط والاستبداد الفكري.

أما دولة يوليو فقد أسست لشرعيتها على أساس ثلاثة عناصر مختلفة حاولت من خلالها أن تستمد شرعيتها منها وهي: أن العدو الصهيوني هو العدو الرسمي للدولة، وقد اخترت مفردة الرسمي بكل ما تحمله من بيروقراطية رسمية وشعارات جوفاء وبكل ما قد توحي به من سماجة مستمدة من كتب التاريخ التي يتم تدريسها في المدارس وينتهي بها الأمر في سلة المهملات.

وأن مصر هى زعيمة المنطقة العربية. وتلك من الشعارات المفرغة من مضمونها التي استخدمتها دولة عبد الناصر بمفهومها القومي الوحدوي الوهمي وتغذت عليه دولة يوليو.

واستمدت دولة يوليو مقوم آخر من مقومات شرعيتها على أساس أنها دولة مصرية يحكمها مصري لأول مرة منذ سقوط دولة محمد علي. هي دولة قومية ذات سيادة على حدودها، تعمل لرفعة الشعب وتؤسس لوحدتها وتناضل لتحررها من نيران الاستعمار.

على أرض الواقع تحول العدو الصهيوني في عهد السادات إلى شريك في "عملية السلام" وطرف في معاهدة أغلق بعدها كل حديث عن إعادة النظر في بنود تلك المعاهدة التي صادرت كثيرًا من الحق المصري في أرض سيناء وسمحت باختراق إسرائيلي للسيادة المصرية على مدى عقود على هذه الأرض.

اقرأ/ي أيضًا: سامح شكري في إسرائيل يبحث عن "السلام الدافئ"

وبعد السادات ولمدة ثلاثة عقود استثمر مبارك فى كامب ديفيد، في تمرير مصالح مشتركة اقتصادية وسياسية مع الكيان الصهيوني وخفت كثيرًا وطأة الشحن العاطفي الرسمية ضد إسرائيل في حين ارتفعت نبرة التخوين ضد الفلسطينيين وتم إلصاق تهم العمالة لإسرائيل لثورة يناير واستُخدمت نفس التهمة لإقصاء أحد غير المرضي عنهم من نواب البرلمان.

وفي تحول كبير لوجهة النظر الرسمية في العلاقات مع مصر، وفي خطاب تنصيبه الرسمي رئيسًا للبلاد صرح عبد الفتاح السيسي ودون مواربة أن القدس عاصمة إسرائيل، وعلى أرض الواقع فقد قدم النظام خدمات جليلة لإسرائيل منها السماح للطيران الإسرائيلي بدخول المجال الجوي المصري لمطاردة عناصر المجاهدين في سيناء والعريش، وهي القضية التي أشار إليها الصحفي المصري السيناوي أحمد أبو ذراع وكان نتيجتها حبسه عسكريًا. ثم جاءت الخطوة التالية بتفريغ رفح من سكانها بطريقة تخلو من أي كياسة أو تخطيط، فتم عمليًا كشف الحدود المصرية مع إسرائيل وإزالة التراكم البشري الذي يشكل العنصر الأهم في مواجهة أي تحرك محتمل على الأرض للعدو الاستراتيجي الأول التاريخي لمصر.

جاءت زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري لإسرائيل لتضع اللمسة الأخيرة للمكياج الرسمي السياسي الخاص بملف العلاقات مع إسرائيل

ثم جاءت زيارة وزير الخارجية المصري لإسرائيل لتضع اللمسة الأخيرة للمكياج الرسمي السياسي الخاص بملف العلاقات مع إسرائيل. وذلك بعد أن حاولت مصر إغراق الأنفاق وتعنتت في فتح المعابر، وحاولت بشتى الطرق تقديم فروض الولاء والطاعة للكيان الصهيوني.

أما كون مصر زعيمة المنطقة العربية فقد عمل النظام المصري على استخدام شعارات يوليو المعتادة "مسافة السكة" و"أم الدنيا" فقط لتمرير فكرة إعادة زخم الشعارات الوطنية للشارع المصري من جديد في حين تم استخدام الجيش المصري في تنفيذ الأجندة السعودية في اليمن، بغض النظر عن مدى توافق خطوة كهذه مع المصالح الوطنية العليا للدولة المصرية المزعومة.

أخيرًا وإذا كانت ثورة يوليو قامت تحت شعار أن المصريين يجب أن يحكمهم رئيس مصري يحافظ على السيادة المصرية ويحمي التراب المصري ويحكم باسم الشعب، فقد تفسخت هذه الصورة الحماسية القومية مع أول اختبار حقيقي لمفهوم الدولة الوطنية على يد عبد الناصر الذي احتكر السلطة بصفته الرئيس الأوحد، وأعاق تداول السلطة وحل الأحزاب وحاكم خصومه عسكريًا وحول سجونه إلى مدافن لمعارضيه من الشيوعيين والإخوان.

كذبة، الدولة الوطنية كذبة كبيرة استخدمتها الأنظمة المتعاقبة في دولة يوليو الكبيرة بعد انقلابها على الملك، فلا دولة وطنية ولا سيادة على التراب ولا تحقيق أو سعي للحفاظ على شيء سوى مزاج ومصالح السيد الرئيس الحاكم وحاشيته من المهرجين!

اقرأ/ي أيضًا:
القاهرة.. حرائق فاعلها مجهول!
نكسة حزيران.. بدء حكم الطغاة وهزيمة الإنسان