06-يونيو-2016

أسرى مصريون في حرب 1967 (Getty)

لم تكن هزيمة حزيران/يونيو 1967 هزيمة للجيوش العربية التي دمر 80% من عتادها الحربي، ولا هزيمة للأرض العربية التي سلبت إسرائيل منها سيناء وقطاع غزة والضفة الغربية والجنوب اللبناني والجولان، بل كانت هزيمة للمواطن العربي من المحيط للخليج، وسحقًا لكرامته لأنه منذ ذلك اليوم رضي بكامل إرادته أن يكون عبدًا ذليلًا للطاغية. 

فرخ عبد الناصر دكتاتوريين عرب تلامذة له على شاكلته يحكمون شعوبهم بالشعارات والقمع والدم

في يوم النكسة، انتصرت إسرائيل واطمأنت عندما رأت جمال عبد الناصر يعود إلى الحكم وهو أحد أسباب هزيمة الأمة. كانت مسرحية تنحيه عن السلطة متحملًا مسؤولية الهزيمة مجرد تمثيلية أثبتتها الأيام، فالحشود البشرية القطيعية خرجت تترجى "الريس" أن يتراجع عن قراره، لكنها وياللمفارقة حملت الجيش المسؤولية، وراحت تسخر منه وليس من قائده!

اقرأ/ي أيضًا: لمَ علينا الرحيل من لبنان؟

لنلقي نظرة سريعة على ما سبق نكسة حزيران، تحديدًا على خمسينيات القرن الماضي، وهي العصر الذهبي السوري ما بعد الاستقلال؛ كتلة وطنية حاكمة تمثل التنوع الطائفي والاثني المدهش في سوريا، إرهاصات العسكر للوثوب إلى السلطة متمثلةً بالانقلابات المقيتة المدعومة خارجيًا، نهضة اقتصادية، بورصة، بنوك، الليرة السورية تساوي 3 دولار.. نعم يا سادة كانت الليرة بثلاثة دولار! معارض دولية كبرى، صناعة قوية، زراعة أقوى، برلمان يجلس فيه ممثل الإخوان المسلمين على ذات المقعد مع ممثل الحزب الشيوعي.

جاء جمال عبد الناصر مستغلًا حلم الوحدة بين سوريا ومصر، ليركب على الشعارات الرنانة وينقض على السلطة، فيقضي على الحياة السياسية السورية ويغتال الأحزاب الناشئة، ويقضي على التنوع الفكري والثقافي. جاء ليجعل من سوريا أرضًا زراعية ليضع الشعب المصري في بحبوحة كي يسكتهم عن هزائمه، ولو على حساب آلام غيرهم، أتى بمشروع ليحتل الجزيرة السورية، العاصمة الاقتصادية في سوريا وأرض خيراتها، وكان يسعى لنقل 600 ألف فلاح مصري لاستثمارها لصالحه، أتى ليبلع الدولة ويقيم دولة المخابرات التي ابتعلت الدولة الوطنية الناشئة والوليدة، ثم ليتوج مهزلته في الحكم بهزيمة نكراء دمرت القوة العسكرية في سوريا ومصر والأردن وأنهكت اقتصاد الدول، والأهم أتى ليؤسس لسلالة مقيتة من الطغاة، كان عبد الناصر أول الدكتاتوريين العرب، ثم فرّخ تلامذة على شاكلته يحكمون شعبهم بالشعارات الكذابة وأجهزة القمع والدم، كان منهم القذافي وحافظ الأسد وصدام حسين وعلي عبد الله صالح وزين العابدين بن علي، وصولًا إلى عصر الطغاة الجدد من بشار الأسد إلى السيسي، والحبل على الجرار. 

نكستنا الحقيقية أن هناك من يرى الطغاة حماة العروبة وضمانة المستقبل

اقرأ/ي أيضًا: يد الله وقبلة الشيطان

يوم الخامس من حزيران/يونيو يوم نكسة حقًا، ليس لهزيمتنا أمام المحتل الإسرائيلي، بل لأن سلالة الطغاة العرب التي ستحكم على مدى نصف قرن ولا تزال، ستطمئن لكون كرسي الحكم لن يتزعزع تحتهم رغم نتانة مؤخراتهم. نكستنا الحقيقة هي أنه ورغم أن من نتائج قذارات هؤلاء الطغاة وحقارتهم أنهم دمروا اليمن وليبيا وسوريا والعراق، إلا أن هناك من الشعب من لا يزال يتحسر عليهم أو يؤازرهم بصفتهم حماة العروبة، لا بل يلعقون أحذية الطغاة ويضعونها على رؤوسهم ويعتبرهم فوق ذلك ضمانة المستقبل.

في ذكرى نكسة حزيران/يونيو المقيتة، نكتشف أن إسرائيل لم تنتصر على الجيوش العربية، بل انتصر فيها الطغاة على شعوبهم، وقدموا لإسرائيل خدمات جليلة لم تكن لتحلم بها، فدمروا أوطانهم وشردوا شعبهم وجوعوه.. انتصرت إسرائيل بطغاتها العرب، هل هناك هزيمة مرة أكثر من هذه الهزيمة؟ هذه هي النكسة الحقيقية يا سادة.

اقرأ/ي أيضًا:

مصر في زمن التوك توك

من جعل الغش ثقافة عامة في الجزائر؟