20-يناير-2018

شخصيات فيلم سري للغاية (فيسبوك)

اعتادت السينما المصرية إنتاج الأفلام التي تستعرض فترات تاريخية أو شخصيات تاريخية معينة، وطالما طالت تلك الأعمال انتقادات من الجمهور بسبب انحيازها لوجهة نظر معينة، أو تناولها للتاريخ من زاوية غير موضوعية، أو لما قد احتوته من أخطاء تاريخية، أو محاولات لتجميل أوجه الأنظمة السياسية أو تقبيحها، أو استعراض حيوات الشخصيات التاريخية من الجانب الإيجابي فقط وإظهارهم في مظهر الأبطال، أو على النقيض تمامًا شيطنة الشخصية التاريخية لإرساء معنى معين في عقل المشاهد.

اعتادت السينما المصرية إنتاج الأفلام التي تستعرض فترات تاريخية أو شخصيات تاريخية والتي تميزت بانحيازها لوجهة نظر معينة

مثال ذلك الأفلام التي تناولت فترة حكم الملك فاروق أو تلك التي استعرضت مصر ما بعد الملكية أو الأفلام التي استعرضت حيوات الرؤساء السابقين لمصر كجمال عبدالناصر وأنور السادات أو شخصيات تاريخية شهيرة كصلاح الدين الأيوبي أو عنتر بن شداد، وكان الرابط المشترك بين كل تلك الأفلام على تنوعها واختلاف توجهاتها هو الإنتاج المتأخر بعد مرور فترة زمنية كافية للدراسة والبحث والتقييم وتبني وجهة نظر واضحة المعالم، إلا أن فيلم "سري للغاية" تجاهل ذلك الشرط القديم.

اقرأ/ي أيضًا: "هروب اضطراري".. حضر الأكشن لكن السيناريو ضائع

من "أيام الغضب والثورة" إلى "سري للغاية"

تداولت الأخبار حول فيلم سينمائي يُجرى تصويره حاليًا يتناول أحداث الثورة المصرية، ثورة  الخامس والعشرين من كانون الثاني/ يناير 2011، مرورًا بفترة حكم المجلس العسكري وسنة حكم الرئيس السابق محمد مرسي، نهاية بأحداث الثلاثين من حزيران/ يونيو 2013. الفيلم من إنتاج رجل الأعمال المصري المقرّب من النظام أحمد أبو هشيمة بمشاركة رجل الأعمال كامل أبو علي، ويقوم أبطال الفيلم بتجسيد شخصيات سياسية مؤثرة في تلك الفترة، ويحمل اسم "أيام الغضب والثورة" ثم جرى تغيير الاسم بعد ذلك إلى "سري للغاية"، على أن يعرض في السينمات بعد شهور من الآن.

الفيلم من تأليف السيناريست وحيد حامد، الذي له باع طويل من أفلام السينما المصرية التي تعارض الإسلاميين والأنظمة الحاكمة في الآن ذاته، ومن إخراج المخرج الشاب متواضع القدرات محمد سامي، وعدد كبير من الممثلين المصريين، يأتي على رأسهم أحمد السقا الذي يجسّد دور الرئيس عبدالفتاح السيسي، والممثل أحمد رزق الذي يجسد دور الرئيس السابق محمد مرسي، والممثل أحمد شاكر في دور الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك.

فضلًا عن نجوم آخرين لتجسيد الشخصيات الأخرى كمحمود حميدة في دور محمد بديع المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين في تلك الفترة، وخالد الصاوي في دور خيرت الشاطر، وعبدالعزيز مخيون في دور اللواء العصار، ونبيل الحلفاوي في دور المشير طنطاوي، وأشرف زكي في دور عصام العريان، بالإضافة لعدد من النجوم الذين سيظهرون كضيوف شرف في الفيلم، أبرزهم الممثل الشاب محمد رمضان الذي قام ببطولة فيلم تسويقي للتجنيد من قبل بعنوان "حرّاس الوطن" ومن إنتاج وإشراف سلاح الشؤون المعنوية.

لعل فيلم "سري للغاية" الأول من نوعه الذي يستعرض فترة تاريخية لم تنتهِ بعد ولم تنضج ثمارها ولم تتضح توابعها بشكل كامل

ولعل هذا الفيلم، إن اكتمل بهذا الشكل المطروح، يكون الأول من نوعه الذي يستعرض فترة تاريخية لم تنتهِ بعد ولم تنضج ثمارها ولم تتضح توابعها بشكل كامل، ويجسد شخصيات جميعها لا تزال على قيد الحياة إلا أن جزءًا منهم لا يملك حق الرد أو الاعتراض أو المقاضاة القانونية بسبب حبسهم على ذمة قضايا أو اعتقالهم لأسباب سياسية، بينما الجزء الآخر هم القادة المسيطرون على الأوضاع بالقوة وأصحاب الرأي الأول والأخير ولا يملك أحد حق الاعتراض أمامهم؛ وبالتالي قبل أن يُعرض الفيلم بقاعات السينما أصبح متهمًا بالانحياز وانعدام الموضوعية وبالانصياع التام لأوامر الأجهزة الأمنية ما جعل مواقع التواصل الاجتماعي تشهد حالة من الهجوم والسخرية اللاذعة على الفيلم وأبطاله.

اقرأ/ي أيضًا: الدعاية العسكرية بين إسماعيل ياسين ومحمد رمضان

هجوم وسخرية وقائمة سوداء جديدة للمشاهير

انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي صور من كواليس فيلم "سري للغاية" يظهر فيها أحمد السقا مجسدًا دور السيسي بجواره أحمد رزق في دور مرسي، ولاقى الفيلم وأبطاله هجومًا لاذعًا من مستخدمي مواقع التواصل، حتى اعتبر بعض المدونين أن هذا العمل بمثابة انتحار جماهيري للمشاركين فيه، تذكيرًا منهم بالقوائم السوداء للمشاهير التي ظهرت إبّان ثورة الخامس والعشرين من كانون الثاني/ يناير 2011.

فتساءل الإعلامي محمد جمال هلال على صفحته الرسمية على موقع فيسبوك "ماذا سيقول التاريخ عن أحمد السقا وأحمد رزق وهما يجسدان فيلمًا لشخصين أحدهما يحكم بقوة السلاح والآخر محتجز بالقوة لا يملك الحديث عن نفسه.. هل كانوا منصفين؟".

وتساءلت رنا عيسى عن الفرق بين فيلم "سري للغاية" وفيلم "ناصر 56" أو فيلم "أيام السادات" أو فيلم "الناصر صلاح الدين"، فكلها أفلام تفتقر للدقة التاريخية.

وسخر المدون طاهر الدمرداش قائلاً إن الفنان سيد رجب سيقوم بدور اللواء إبراهيم عبدالعاطي، الشهير بحادثة "جهاز الكفتة" نظرًا للشبه بين الفنان سيد رجب واللواء عبدالعاطي.

وتهكم المدون محمد خطّاب، أن مشيخة الأزهر الشريف تحرّم تجسيد الأنبياء في الأعمال الفنية، ولذلك قرر صنّاع فيلم "سري للغاية" وضع هالة مضيئة على وجه الفنان أحمد السقا مجسدًا دور الرئيس عبدالفتاح السيسي!.

وقال ماجد عاطف ساخرًا، إنه بعد سنوات من الآن سيكون فيلم "سري للغاية" جزءًا مهمًا من تاريخ السينما مثل فيلم "رد قلبي" وفيلم "الناصر صلاح الدين"..

اعتبر بعض المدونين أن فيلم "سري للغاية" بمثابة انتحار جماهيري للمشاركين فيه وتعرض لسخرية واسعة في مواقع التواصل  

بينما كتب الشاعر والكاتب عادل سلامة على صفحته أن الممثل المصري محمود عزب، كان بإمكانه تجسيد كل تلك الشخصيات بنفسه توفيرًا للنفقات، وقد فعلها من قبل، في إشارة منه لبرنامج تلفزيوني سابق بعنوان "قلة مندسة" من كتابة عادل سلامة، وتقديم وتمثيل محمود عزب، حيث كان يجسد شخصية عامة في كل حلقة من الحلقات.

وعلق الكاتب محمد جلال على صفحته قائلاً: "مطلوب كومبارس صامت في فيلم سري للغاية للقيام بدور عدلي منصور" في إشارة منه للرئيس السابق عدلي منصور، الذي تولى حكم مصر في الفترة الانتقالية بعد أحداث 30 حزيران/ يونيو 2013. وأضافت المدونة هدى جعفر أن صنّاع الفيلم تعمّدوا اختيار السقا في دور السيسي وأحمد رزق في دور مرسي لدلالات معينة، وبسبب الصور الذهنية لدى الجمهور عن الفنانين، فالسقا دائمًا ما يقوم بأدوار البطولة في الأفلام ذات الطابع الجاد مجسدًا "الرجل كامل الأوصاف، القوي الأمين الذي يهزم الأشرار"، بينما رزق يجسد أدوارًا كوميدية بشكل أكبر، فضلاً عن المعايير الجسدية لكل منهما.

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

الأمركة.. آفة السينما المصرية

رضوان الكاشف.. قصة "فيلسوف" السينما المصرية