18-أغسطس-2017

مشهد من الفيديو الذي يكشف سوء معاملة المدنيين من قبل جنود النظام

في تسجيل مصور نشر على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك منذ أيام قليلة، وتناقلته مواقع عديدة وعلقت عليه، يظهر مجموعة من جنود نظام الأسد يتجولون سكارى في إحدى شوارع العاصمة الرئيسية، في المنطقة الممتدة من جسر الرئيس وصولًا إلى منطقة المالكي، تلك المنطقة التي تشهد ازدحامًا كونها تضم عدة كليات من جامعة دمشق، وتشكل طريقًا رئيسيًا نحو قلب العاصمة، وتعتبر تجمعًا للمواصلات العامة التي تتفرع داخل العاصمة. يمشي الجنود معًا ضمن مجموعة كبيرة، يصورون أنفسهم وهم يتطاولون على المارة من المدنيين في الشارع، يصادفون فتيات أو شبابًا يحاولون التحرش بهم ومضايقتهم لفظيًا.

يبرز فيديو "جسر الرئيس" حجم السوء وتدهور الأوضاع في المناطق التي تسيطر عليها قوات النظام السوري رغم كل محاولاتها تلميع صورتها

أثار الفيديو حفيظة السوريين، ممن وجدوا أن ما يقوم به هؤلاء الجنود هو جزء بسيط من سيطرة كاملة أعطيت لهم لم يكونوا ليحصلوا عليها في وقتٍ طبيعي، وحولت تلك السيطرة الجندي أو المدني المسلح الذي يقاتل إلى جانب الأسد إلى مسؤول يحق له ما لا يحق لغيره، من القتل والاعتقال العشوائي إلى انتهاك المدينة والمواطنين في الشوارع. وتأتي أهمية الفيديو في إظهاره حجم السوء وتدهور الأوضاع في المناطق التي تسيطر عليها قوات النظام وبالذات في العاصمة، التي يسعى النظام دائمًا لتقديم صورة "لامعة" عن الحياة الطبيعية فيها.

اقرأ/ي أيضًا: حين أصبح بشار الأسد أيقونةً لليمين المتطرف في الولايات المتحدة

قد لا يقارن ما فعله هؤلاء الجنود بما يفعله رفاق سلاحهم على الحواجز العسكرية المحيطة بدمشق وما يتخللها من انتهاكات ترقى إلى جرائم حرب يعرفها القاصي والداني وخبرها أهل المدينة على مدار السنوات السبع الماضية، إلاّ أن الملفت في هذا الفيديو وما يشبهه من فيديوهات تملأ الفيسبوك هي الجرأة التي استبيحت بها العاصمة، وحجم الابتذال والإسفاف في تعامل هؤلاء المسلحين مع الأجواء المدنية التي جاهد النظام لإبقائها "آمنة"، فهي تدل على صورته المشرقة أمام أعين الخصوم.

"تابع يا فدائي"، عبارة يقولها أحد الجنود في الفيديو لزميله الذي يلاحق فتاة كانت تسير أمامهم، يصورها ويقول لآخر "هذه هدية مني لك"، كما قام هؤلاء بكل جرأة باحتضان بعض المارة دون إذن منهم، وطلبوا منهم مشاركتهم الكحول، وسخروا من أشكالهم، وفق ما يظهر التسجيل المصور.

"أصبح العيش في دمشق أشبه بالكابوس"، واحدة من العبارات التي رددها كثيرون بعد مشاهدة انتهاكات جنود الأسد مطلقين الأيدي والألسن أمام حرمات المواطنين. والجدير بالذكر أن عقوبة السكر العلني قد تصل حد السجن نظريًا، إلاّ أنه تم غض البصر عنها بعد انتشار الجنود والمسلحين المقاتلين إلى جانب الأسد، والذين يتباهون أمام أعين الجميع بالسكر العلني. وبأن لديهم مطلق الصلاحية في ما يريدون فعله في المدنيين.

والجدير بالذكر أن بشار الأسد كان قد صرح في وقت مضى حول ضرورة سحب المرافقات العسكرية من المسؤولين، والتخفيف من التواجد العسكري لتسببه بأزمة مرور خانقة في المدينة، ولكن يبدو أن كل ذلك لم يكن إلاّ مجرد شعارات لإسكات المواطنين، زد على ذلك أنه تم إزالة العديد من الحواجز العسكرية في دمشق، وسط احتجاجات العسكر المناوبين عليها، فهي كانت تدر عليهم أرزاقًا وتحميهم من الالتحاق بجبهات القتال المشتعلة وقتها، مثل تلك التصرفات غير المسؤولة من قبل هؤلاء الجنود يمكنها أن تكون ردًا على تعطيل وظائفهم المريحة على الحواجز العسكرية.

"حضن الوطن" هو التعبير الذي ابتدعه النظام في وسائل إعلامه لثني معارضيه عن مواقفهم ودفعهم لمناصرته بحجة أن هذا النظام يحمي أرض سوريا، وعليه فقد استخدم ناشطون ذات التعبير للسخرية والاستهزاء من تصرفات الجنود وسلوكهم، قاصدين من ورائه أن "حضن الوطن" هذا منتهك ومباع لمجموعة من الضعفاء الذين يحملون السلاح.

اقرأ/ي أيضًا:  نظام الأسد يحتفي بالموضة: القاتل المبتهج بالدم

 

منذ شهور انطلقت بلدية دمشق في إعادة تأهيل الشوارع وإزالة الحواجز العسكرية لاقتراب موعد افتتاح معرض دمشق أملًا في تلميع صورتها

ويرى البعض بأن هذا الفيديو ليس بالأمر الجلل مقارنةً بمئات الفيديوهات والصور التي سربت ووصلت وتعرضت للسوريين في مناطق بعيدة ومهمشة في سوريا، ومن أقبية المخابرات السورية، التي يقتل فيها العشرات كل يوم، فانتهاكات وممارسات جنود الأسد الإجرامية خلال السنوات الفائتة باتت مضربًا للمثل عن نظام عسكري يجند الصغار والضعفاء وقليلي الخبرة ويطلق أيديهم أمام حياة الشعب والمدنيين.

وقد يحمل هذا الموضوع أبعادًا أخرى، خصوصًا بعد إزالة الحواجز من العاصمة بحجة استتباب الأمن، إلاّ أن الواقع يقول عكس ذلك، فمنذ شهور باتت بلدية مدينة دمشق تحضر الشوارع وتعيد تأهيل أغلبها، ومن ضمن تلك الأعمال كانت إزالة الحواجز العسكرية لاقتراب موعد افتتاح معرض دمشق الدولي، حيث تشهد العاصمة زيارات من جهات مختلفة على خلفية المعرض، وتجهيز المدينة وتلميع صورتها يعتبر من الأمور الهامة وقد تعني الكثير للنظام الذي يتأمل من مشاركات المعرض إلغاء الحظر الاقتصادي المفروض عليه منذ بداية الثورة.

والأمر الآخر الذي قد نتبينه من الفيديو هو عدم قدرة النظام السوري السيطرة على ميليشياته المختلفة المجندة لبقائه في الحكم، أو أنه قد يقصد إطلاق يدها لمزيد إرهاب أهل دمشق، في مقايضة واضحة للولاء في حربه المفتوحة ضد الشعب السوري.  

 

اقرأ/ي أيضًا:

من يقف وراء الاعتداءات المتكررة على متطوعي الخوذ البيضاء في سوريا؟

حرب نظام الأسد على المعارضة.. بماء الشرب أيضًا