24-نوفمبر-2016

من أحد العروض في أسبوع الموضة في اللاذقية (تويتر)

"أسبوعًا للموضة"، تسمية تبدو بعيدة كل البعد عن واقع الحياة في سوريا، التي تصل أخبارها برائحة الموت وألوانه. بعيدة أيضًا عن واقع القصف اليومي وكل أنواع القتل والإبادة، وأمام كل ما يحدث الآن في حلب على بعد عشرات الكيلو مترات من أسبوع الموضة المنجز ضمن واحدة من فعاليات وزارة السياحة السورية.

أسبوعًا للموضة في اللاذقية لا يشبه الأسابيع والأيام التي تمر عليها وعلى باقي المدن المدمرة والمحاصرة. فاللاذقية التي لم تنته بعد من تشييع قتلاها، الذين يتضاعف عددهم يوميًا في حين اختير لها أن تتصدر الحدث المحلي بطريقة سياحية، يراها القائمون على الحدث أكثر جذبًا للأنظار من صور الموت السوريّة.

أسبوع الموضة في اللاذقية يبتعد عن الواقع السوري المليء بالموت

خلال عروضٍ للأزياء خلقت بعدًا غرائبيًا، أبعد من أن يكون سوريًا معاصرًا. عارضات أزياء يتمايلنّ بفساتين زاهية ومصممو أزياء يحرصون على كشف غطاء إبداعهم. شباب وضيوف عرب أتوا ليشاركوا في تظاهرة، يقول عنها منظموها إنها تهدف لتعزيز الهوية السورية في صناعة الأزياء، ودعم المنتج الوطني على حساب الأجنبي، بالتزامن مع خسارة بعض صنّاع الأزياء السوريين معاملهم التي تهدمت بفعل الحرب في حلب.

 

أكثر من هذا لا يمكنك متابعة قراءة مقال أو اثنين عن هذا الحدث حتى تشعر بكل التشوه الذي يصاب به المجتمع السوري. إذا افترضنا بأنها عملية نقل وتهميش لتاريخ المدن أمام محاولة هدمها ومحوها، التي تمضي بمنهجية وتصميم، ناهيك عن محو آثار هذا التاريخ ومعالمه، من تهجير للمواطنين وصولًا للهدم والمسح الكامل لأثرهم. أمّا عن رونق الأمس فتحكي حلب حكاية صناعتها حين كانت مركزًا مؤثرًا في اقتصاد سوريا، سواء في تصنيع الألبسة أو بمنتجات أخرى، حينها كانت بقية المدن سوقًا استهلاكية.

اقرأ/ي أيضًا: الزيارة العار.. البكاء على صدر جزار دمشق الصغير

وعن عروض هذه المنتجات واستقطاب المهتمين، تولت وزارة السياحة أمر التسويق، حين أصرت على متابعة الحدث وتصديره للإعلام كما سبقه من فعاليات سياحية، يومًا عالميًا للابتسامة، وماراثونًا للألوان في دمشق، ونشاطات أخرى علها تجد طريقها للشباب السوري كما يقول منظمو الحدث، "فتخلق فرص عمل جديدة لهم وتمكنهم في المجتمع، وتُذكر بأن أرض الحضارة والأبجدية لا تموت".

لقد حُولّت الأبجدية لشماعة عند وزارة السياحة كطريقة لتجاهل كل هذا الخراب، وجعل نشاطاتها حوافز للبقاء على قيد الحياة، إذا اعتبرنا أن الحق في البقاء على قيد الحياة، يقابله حق التمتع في العيش عند الآخرين، فما يُسحق ويُسلب في حلب وإدلب والغوطة، وما ينغص يوميات أهل اللاذقية ودمشق ومهمشيها وفقرائها، بات خارج السياق العام لفعاليات سياحية في بلد يموت كل ما فيه تدريجيًا. وكأن هذه الفعاليات إجراء من القاتل لعدم الاعتراف بمجازره.

فعاليات السياحة السورية كأنها إجراء القاتل لعدم الاعتراف بمجازره

وبما يخدم الذوق العام وبالكثير من الجرأة، عُرضت الفساتين المصممة من قبل أمهر المصممين الشباب، والتي لا يمكن للمواطن السوري العادي التفكير بانتقاء أي منها، لأنه بصدد تأمين لقمة العيش التي تبدو أكثر لمعانًا من الفساتين والتجربة الأولى للعارضات الهاويات أمام الجمهور.

كل محاولات الفرح التي تحاول وزارة السياحة تصنيعها وتصديرها تلقى الاستغراب والاستنكار، حتى بدت تلك المحاولات مقصودة ومتزامنة، فأمام كل كارثة حاصلة على الأرض السوريّة تقابلها فعالية لتعبئ فراغًا، تجتاحه صور الموت وأخباره في حياة مستعصية على الفهم.

ولكن السؤال الفعليّ بعيدًا عن فعاليات تنشيط السياحة، هل شاركت نساء اللاذقية بأسبوع الموضة هذا، ممن ارتدينّ السواد منذ سنوات؟ هل حضر اللون الأسود في عروض الأزياء باعتباره لونًا مكرسًا في اليوميات السوريّة، هل دلّ الأحمر على شيء أقوى من الدم عندما ارتدته إحدى العارضات. هل حضر العروض الملونة من غص بيته بدموع الفقد والقهر؟ أمام كل هذه الأسئلة مر أسبوع الموضة وانتهى، تاركًا وراءه ماهو أحرّ من الغضب وأكثر حرقة من التهميش.

اقرأ/ي أيضًا:

نبتدي منين الحكاية.. هل هذه دمشق فعلًا؟

التجنيد الإجباري يفرغ دمشق من شبابها